تحذيرات وزيرالداخلية لطفي بن جدو بشأن مخطط إرهابي لتقسيم البلاد إلى ثلاث إمارات أعادت إلى الأذهان أخبار إمارة سجنان قبل أكثر من عام من الآن والتي تجندت كل الأصوات الرسمية وحتى غير الرسمية في حينه لتكذيبها والاستهزاء بها واعتبارها من الإشاعات التي تروّج لغرض الفتنة ونشر الفوضى، تماما كما حدث مع مجموعة سليمان التي ذهب بعض المسؤولين الى حد نشر غطاء البراءة عليهم واعتبارهم أبطالا وضحايا وصولا إلى المطالبة بمنحهم تعويضات توازي السنوات التي قضوْها في السجن (!!). مرة أخرى إذن يعود الهاجس الأمني ليطفوَ على سطح الاحداث ويتصدرقائمة التحدّيات في تونس ويؤجّل بالتالي بقية الملفات الحارقة أمام السلطات المؤقتة والتي وإن تجد نفسها مجدّدا في وضع لا تحسد عليه فإنها قد تجد من جانب آخر في تلك الأحداث الإرهابية المروِّعة التي تؤرِّق الجميع دون استثناء ما يمكن أن يمنحها هدنة مؤقتة إزاء الضغوطات المتفاقمة والدّعوات لتشكيل حكومة إنقاذ وبالتالي إعادة التفكير ومراجعة الأحداث الخطيرة التي مرت بالبلاد حتى الآن وتصحيح ما يجب تصحيحه والاعتذارعن كل الأخطاء قبل فوات الأوان... الحرب على الإهاب ليست شعارا يرفع ولا خطابا يردّد على المنابر، فقد أظهرت كل التجارب حتى الآن أن الكلمة الطيبة لا مكان لها لدى الإرهابيين وهم الذين أتقنوا لغة السيف وتسللوا الى تونس للانتقام من أهلها مستفيدين من المشهد الإقليمي الجديد وتراجع المنظومة الأمنية وغياب النظرة السياسية الاستباقية وانعدام الخبرة بما سهل تهريب مختلف أنواع السلاح وتسلل فلول الإرهابيين الى البلاد لترويع الأهالي... المشهد الأمني اليوم لا يسرّ وقد تجاوزنا تلك المرحلة التي كان يمكن أن تكون مرحلة الوقاية واستباق الأحداث قبل أن يبلغ الترياق مداه ودخلنا بالتالي مرحلة المواجهة وما تقتضيه من علاج قد لا ندرك حقيقة وحجم الثمن الذي يتعيّن علينا جميعا دفعه قبل زوال المحنة... الحرب على الإرهاب دفعت العملاق الأمريكي لاستنفار قوى العالم وتجنيد الحلف الأطلسي طوال أكثر من عقد من الزمن، ومع ذلك لا يمكن اليوم لأمريكا أن تقول أنها كسبت حربها على الإرهاب، والأكيد أنه لا يمكن لأي بلد أو قوة مهما كانت قدراتها وإمكانياتها، أن تكسب الحرب على الإرهاب منفردة. فالأمر لا يتعلق بحرب تقليدية بين جيشين ولكن بحرب عصابات مسلحة بكل أنواع السلاح المهرّب والمتفجرات التي بات بالإمكان تصنيعها بالحصول على المعلومات عبر الانترنت، فتركزت عبرالخلايا النائمة على مدى سنوات بين المدن والقرى، وهو ما كشفته أطوار العمليات الإرهابية من الروحية إلى الشعانبي وقبلاط وغيرها... الحرب على الإرهاب التي كلفت الجزائر البلد المجاور حصيلة مرعبة من الضحايا على مدى العشرية السوداء، بدورها تحمل في طياتها أكثرمن رسالة على أن ثمن الإرهاب أكبرمن كل التوقعات ومن كل الحسابات، فشيمة الإرهابيين - إن كان لهم من شيم - الغدر لكل من تطاله أيديهم أينما كانوا... الحرب على الإرهاب لم تبدأ بعد في ليبيا التي تحولت إلى مغارة للسلاح ومرتع للمقاتلين وتجارالدين الذين لا يعدون ولا يحصون حتى أوشكت ليبيا أن تكون ذبيحة الكل ينهش لحمها ويريد الفوز بقطعة منها. ولعلها ليست الصدفة وحدها التي شاءت أن يتزامن كشف العملية الإرهابية في قبلاط مع اغتيال رئيس الشرطة العسكرية في ليبيا أمام بيته في بنغازي... جريمة تأتي بعد أيام على تعرّض رئيس الحكومة للاختطاف في مشهد من شأنه أن يدعو الجميع للاستعداد للأسوإ والتوقف عن سياسة تبرئة الذات التي تنذر بجرف الجميع الى الهاوية... الحرب على الإرهاب لم تطرق أبوابنا بل اخترقتها واغتصبت حدودنا وتسقلت جبالنا واحتلت أفكارنا وحياتنا على مرأى ومسمع الجميع، وفي كل ذلك لم يعد من العجب في شيء أن تكون السلطات المعنية قد نجحت وبامتياز في تلميع صورة الأنظمة الاستبدادية السابقة في الخارج قبل الداخل بفضل تهاونها وسياسة النعامة التي ترفض النزول عنها...