في اطار البرنامج الثقافي لمعرض تونس الدولي للكتاب في دورته 30 تنظم اليوم مائدة مستديرة تخصص لدراسة وضعية المبدعين التونسيين المعاصرين في الكتب الدراسية يشارك فيها كتاب وشعراء ومتفقدو لغة عربية للبحث عن إجابة لسؤال: "أين مُبدعونا المعاصرون في كُتبنا الدراسيّة؟" وذلك انطلاقا من تشخيص مفاده انه:" ليس من شكّ في أنّ مناهج التّعليم العالي لا تخلو من بعض رموز الأدب التونسيّ، لكنْ بقَدْرٍ لا يصمد كثيرا حين يُقارن بحضور الراحلين على حساب الأحياء و المشارقة على حساب التونسيّين. وإذا كان حُضور الأدباء قليلاً فماذا عن المبدعين والمبدعات في المسرح والسينما والموسيقى والفنون التشكيليّة وغيرها؟ أمّا في التّعليم الثّانوي فيكفي أن نلقي نظرة على الكتب المدرسيّة حتّى نتأكّد من أنّ الغبن الّذي يشعر به المبدعون التّونسيون الأحياء له ما يبرّره. ما مردّ هذه العلاقة المتأزمة بين الإبداع التّونسي والتّقبل المدرسي والجامعي: الأثر الإبداعيّ في ذاته أم الاعتبارات البيداغوجية والمقاييس التّربويّة الّتي تجعل أفق التّقبّل محدودا ضيّقا؟ وما رأي المبدعين والمؤسّسة التّعليميّة وصنّاع الكتب المدرسيّة في كلّ ذلك؟ حوار سيثريه الشاعر والكاتب نور الدين الشمنقي العضو المؤسس لرابطة الكتاب الأحرار وهو أيضا أستاذ تعليم ثانوي والشاعر التونسي المقيم بفرنسا كمال الغالي الذي يكتب كلمات الأغاني الملتزمة وقد غنى له محمد بحر وأولاد المناجم ومجموعة البحث الموسيقي والشاعر والروائي مجدي بن عيسى مؤلف: " الدوار " رواية- و"احتراق الشذى" و"تقريظ الشهوة " و"نيبالات مهجورة " و"مراثي القرن" و"ديوان اليومي" وهي دواوين ومجموعات شعرية. ويشارك كذلك الدكتور في اللغة والآداب العربية هشام الريفي وهو مختص في النظريات البلاغية والمخيال الشعري ومنسق فريق اللسانيات والبلاغة في المركز الوطني للترجمة وله بحوث ودراسات ومقالات في الشعر والبلاغة والحجاج، والشاعر علالة الحواشي والباحثة وأستاذة التعليم الثانوي صفاء سلولي والباحث في تعليمية اللغة العربية المتفقد أول للتربية ومكون بالمركز الوطني لتكوين المكونين في التربية ومنسق متفقدي اللغة العربية ومدير البرامج بوزارة التربية وهو مؤلف العديد من الكتب المدرسية وله رأي حول الكتاب المدرسي ومعايير تأليفه وصناعته، وماهر بوصباط متفقد المدارس والمعاهد بتونس ومختص في اللغة والآداب العربية. النظر إلى الشعر من زاوية نظر تربوية بحتة والمتمعن في قائمة أسماء المشاركين في هذه الندوة يلاحظ ان عدد أسماء الشعراء اكبر من بقية المبدعين في جميع الاختصاصات والفنون ولعلنا لا نحتاج اليوم إلى مجهود كبير لنثبت غياب شعراء تونس المعاصرين عن مناهج التعليم فالشعر فيها تقريبا بيدا مع أبي القاسم الشابي وينتهي معه حتى انه يمكن لنا القول بأنه أصبح مستهلكا وانه الملاذ الآمن خاصة وانه أبدع في القصائد الوطنية كما في الرومانسية التي تدرس في التعليم الإعدادي والثانوي أو كما يقول الشاعر المنصف المزغني النخلة التي تغطي الغابة حتى خيل للبعض ان تجربة الشابي بلا جذور وبلا ثمار أي لا أبا لها ممن سبقوه من شعراء تونس الأفذاذ ك(الشاذلي خزندار) ولا أبناء ك (محمد الغزي وعادل معيزي..) رغم الخصوبة المتفق عليها. وتغييب الشعراء المعاصرين أو التعامل معهم بالحيطة والحذر في وضع البرامج التعليمية له أسباب عديدة أهمها انه ينظر لإبداعهم من زاوية نظر تربوية بحتة وهو ما يتعارض مع جموح بعض الشعراء إلى الحرية المطلقة مما يسبب ما يعتبره واضعو البرامج المحافظين"انفلاتا أخلاقيا" وقلة انضباط والتزام بما هو "تعليمي" و"وعظي". والنظر بعين تربوية بحتة أي تغييب الشعر الذي ينطوي على درجة ما من الإباحية أو بذاءة اللسان او الذي يتجاوز الأخلاق من منظور ديني او اجتماعي وتجاوز كل ما يمكن ان يحيل على التعصب والانغلاق والفكر الخرافي والادلجة اضر طبعا بعديد التجارب الرائدة التي عرفتها بلادنا وهو ما يعبر عنه الشعراء بأسر الذاكرة ويجعلهم ينادون بتحريرها. ضعف تكوين بعض المربين وحق المبدعين المعاصرين-والشعراء خاصة -في الدخول إلى الكتب المدرسية يواجه صعوبة أخرى هي ضعف تكوين بعض المربين إيديولوجيا وتوقف الكثير منهم عن توعية وتثقيف أنفسهم ونسيانهم لما درسوه عن التيارات الفكرية في شبابهم والبعض مما تعلموه قد تجاوزه التاريخ والأحداث وبعضه الآخر محاه التجديد لذا كثيرا ما لا يفهمون القصائد ولا يستطيعون تفسيرها لتلاميذهم مثلما يحدث مع قصيدة النثر التي يرفضها البعض ولا يعترفون إلا بالكلاسيكي والعمودي. فهل تنجح هذه الندوة في لفت النظر إلى ضرورة سماح السلطة السياسية بإشراك المبدعين والنقاد في وضع البرامج والكف عن احتكار القرار فيها؟وهل يتم اقتراح دورات تكوينية يشرف عليها المبدعون أنفسهم توجه للأساتذة والمعلمين لتوضيح مداخل بعض القصائد وخاصة منها تلك الموغلة في التقية والرمزية وتفسير طريقة تناولها ونقدها والاعتماد على ما تراكم في الجامعة التونسية من بحوث ودراسات ولو انها قليلة لان الطلبة عادة ما يتجنبون الخوض فيها لقلة الوثائق. فمن المؤسف ان نرى ان بعض الجامعات في بعض الدول العربية تدرس قصائد شعراء من تونس لا يعرفهم تلاميذنا ولا طلبتنا.