ألا يبدو تمسّك حزب حركة النهضة باختيار أحمد المستيري لقيادة البلاد فيما يسمّونها المرحلة الإنتقاليّة الثانية مثيرا للفضول بعض الشيء؟ فإصرار الحزب عليه وتزكية زعيمه راشد الغنّوشي للرّجل يثير الملاحظ ويستفزّ فيه الرغبة في فهم ما يحدث في تونس منذ بداية عمليّة الحوار الوطني. هذا الحوار الذي انطلق بصعوبة وهو مهدد في كل لحظة بالتوقف أمام صعوبة التوافق حول الشخصية الوطنية التي تتولى رئاسة الحكومة الجديدة, الحكومة التي تتولى بدورها تسلم الأمور عن حكومة الترويكا لتسيير البلاد في هذه المرحلة واعداد الإنتخابات القادمة وفق خارطة الطريق التي تقدمت بها المنظمات الوطنية الأربع الراعية للحوار الوطني. نحن اليوم وإذا ما تأمّلنا المشهد السياسي في البلاد تجدنا أمام وضعية مثيرة فعلا للفضول. حزب حركة النهضة أعلن عن تمسكه الشديد بشخصية أحمد المستيري بل أغدق عليه بالمدح والثناء وحرص كل المتحدثين باسم الحزب بمن في ذلك زعيم الحركة راشد الغنوشي على تعداد خصاله والحقيقة أن أحمد المستيري شخصية وطنية لا يمكن إنكار تاريخها النضالي ولا وطنيتها ولا دورها في بناء تونس ولا تمسكها بمطلب الديمقراطية ولكن رغم كل ذلك السؤال الذي يطرح من هو أحمد المستيري إن لم يكن أحد أعمدة المدرسة البوقيبية؟. ونحن وإذ نطرح السؤال فإنه يستحضرنا موقف حزب حركة النهضة واساسا رئيس الحزب راشد الغنوشي من بورقيبة. الموقف لا يمكن أن نقول أنه ودي بأي حال من الأحوال وعلى حد علمنا فإن راشد الغنوشي لا يفوت فرصة وعلى العلن دون انتقاد بورقيبة وتوجيه سياطه ضد سياسته وضدّ تاريخه والتقليل من قيمة العمل الذي قام به لفائدة تونس وهو اليوم متسمك بأحمد المستيري. والسؤال من هو أحمد المستيري إن لم يكن إلا واحدا من جماعة بورقيبة وعضو في فريقه الحكومي الذي عوّل عليه في بناء الدولة. أحمد المستيري بقي إلى جانب بورقيبة وسانده ما يقرب من عشرين سنة وهو لما بدأ مطالبه " الديمقراطية " لم تكن مطالبه في البداية خارج الحزب الحاكم الذي انتمى إليه لسنين. وحتى وإن غادر المستيري الحزب الدستوري وأسّس حركة الإشتراكيين الديمقراطيين فإن ثقافته السياسية وتاريخه السياسي يبقى مرتبطا في جزء كبير منه بمسيرة الزعيم الحبيب بورقيبة وبعمل بورقيبة والسياسة البورقيبيّة.. وإن كان كل طرف مسؤول على آرائه ومواقفه وأحكامه وتقييماته لعمل السياسيين كما أن كل شخصية تصدر عن تجاربها الخاصة فإن ما لا يمكن فهمه أو على الأقل يصعب فهمه كيف نهاجم الرأس ونقبل بالبقية والرأس في قضية الحال بورقيبة والبقية هم من تتلمذوا عليه وآمنوا به وشاركوا في تنفيذ سياسته. أحمد المستيري وحتى وإن كانت له تجربة سياسية مستقلة فإنه يبقى أحد أعمدة المدرسة البورقيبية. هو نفسه كان يؤمن ببورقيبة وكان من مؤيديه لما اندلعت الأزمة اليوسفية (الصراع بين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف منذ إمضاء اتفاقيات الإستقلال الداخلي للبلاد سنة 1955 من أجل قيادة الحزب الدستوري الجديد وكانت تونس وقتها مهددة بحرب أهلية وحسم الصراع لصالح الحبيب بورقيبة) فكيف ترى فيه حركة النهضة اليوم الشخصية الوحيدة على ما يبدو المؤهلة لقيادة البلاد رغم معارضة أغلبية الاحزاب المشاركة في الحوار الوطني ورغم ما بلغ الجماعة من ردود فعل شعبية غير متحمسة لتسمية أحمد المستيري في منصب رئيس الحكومة نظرا لسنه المتقدمة وعدم التأكد من قدرته البدنية والذهنية على إدارة البلاد في هذه المرحلة الصعبة. ونحن وبعيدا عن الخوض في من هو مؤهل أكثر من غيره لقيادة المرحلة لا يهمنا من الأمر إلا ما يمكن أن نعتبره مؤشرا عن عجز النخبة السياسية في تونس اليوم عن ابتكار منهج مستقل عن تجارب السابقين. فنحن على ما يبدو أمام مأزق حقيقي وكأننا نواجه انسداد الآفاق. والكل يدور ويدور ثم يعود إلى المدرسة البورقيبية. حتى خصوم بورقيبة اليوم وحتى بدون قصد يجدون أنفسهم يلوذون بالمدرسة البورقيبية. السياسة في نهاية الأمر ابداع والإبداع يقتضي ابتكار الأسلوب والنهج المستقلين لكن هل خرجنا اليوم في تونس من جلباب الزعيم بورقيبة؟