تحدث أهل القانون مرارا وتكرارا عن لجنة المصادرة وكشفوا هنات المرسوم المنظم لإدارتها غير أن نقدهم على جديته لم يلقى آذانا صاغية بل تمادى أعضاء اللجنة في اعتماد قراءة ضيقة لفصول المرسوم إما لمحدودية تفكيرهم أو لغاية في نفس يعقوب وحده التاريخ سيكشفها ..قرارات بدأت سلطوية الشكل وانتهت بتسلّط فاضح . وبغض النظر عن الدواعي فان البعض من أعضاء لجنة المصادرة الذين نجحوا في الإطاحة بأول رئيس لها رفض الانسياق لتوجهاتهم ظلوا أصحاب الكلمة العليا رغم الاعترافات العلنية وغير العلنية لمن خلفوه على رأس اللجنة بضغط لوبي من داخل اللجنة .. اعترافات لم تخفي اقتناعهم الراسخ بان قراءات الجانب المتشدد مجانبة للصواب ومحمّلة للقانون أكثر مما يتحمّل ومخالفة لفقه القضاء وللدستور . إلّا أن التحوّل الذي نطقت به المحكمة الادارية يستوجب على سلطة الإشراف وقفة تأمل سريعة فتعريف المحكمة الادراية للجنة المصادرة كما ورد في أحد الاحكام الصادرة عنها بأنها «هيئة عمومية ذات صبغة إدارية أحدثت لدى الوزارة المكلفة بأملاك الدولة والشؤون العقارية وتتخذ قراراتها في نطاق صلاحيات السلطة العامة التي أسندها لها المشرّع» بما يعني انه «ترتيب على ذلك فان القرارات الصادرة عن اللجنة في هذا المجال لها طابع سلطوي وتخضع الى رقابة قاضي تجاوز السلطة عملا باحكام الفصل 3 من قانون المحكمة الادارية باعتبار ان المشرّع لم يستثنها عن بقية القرارات الإدارية الأخرى بإجراءات قضائية خاصة بها « يستخلص أنه لم يعد لهذه اللجنة اليد الطولى . فبناء على ما سبق فان المحكمة الادارية ووفقا لما ورد في قرارتها التي أذنت بايقاف تنفيذ لقرارات مصادرة رأت أن « وإعمالا لحق التقاضي المضمون بمقتضى الفصل 108 من الدستور واحتراما لمبدإ العدل والإنصاف ، فإن قرارات مصادرة الاموال المنقولة والعقارية المتخذة على أساس المرسوم عدد 13 لسنة 2011 تندرج ضمن زمرة القرارات التي تختص بالنظر فيها المحكمة إلغائيا ، ضرورة أنها تكتسي صبغة تنفيذية ومن شانها التأثير على المراكز القانونية للمعنيين بها من خلال حرمان أصحابها من ممتلكاتها « ولئن تعلّق الامر أساسا ببعض الحالات المعنية بالمصادرة والتي تأكد جازما أنها أصحابها اكتسبوا ما تم مصادرته من غلة الإرث أو من معين مرتباتهم فإن ذلك قد فتح باب الجحيم أمام اللجنة التي بتعنّت بعض أعضائها تكاد تسقط جلّ أعمالها في الماء وبقوّة القانون لسبب بسيط وهي إما أن من اصرّ على اصدار بعض قرارات المصادرة المنتهكة لحقوق المعنيين بها تعلل بأن القانون أعمى أو لأنه مصاب بقصر النظر أو لأنه يرى بأعين غيره التي تملي عليه ما تراه .. وفي كل الحالات فان التعنت انتهى به الى مصادرة قرارات لجنة المصادرة بيده.. وقديما قالوا يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدوّ بعدوّه غير أن في واقع الحال فقد فعل جهل بعضهم وكذلك أشياء أخرى بالبلاد وبحقوق العباد ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين بعد أن أقرت المحكمة الإدارية وبصريح العبارة أن الصبغة التنفيذية لبعض قرارات المصادرة حرمت أصحاب تلك الممتلكات المصادرة من ممتلكاتها . إن قرارات اللجنة غير الصائبة وإمادة عمرها الافتراضي وفتحها باب مصادرة ممتلكات الفرع الثاني دون دعوة المعنيين بذلك وتمكينهم من حق الدفاع أفرغت نبل الغايات التي بعثت من أجلها وانتهت بها الى حد التسلّط المرفوض دستوريا وقانونيا ، لذلك فالمطلوب من سلطة الاشراف أن تجد حلا نهائيا وفاصلا لهذه اللجنة التي قد تضع الحكومة في مأزق .