صدر منذ أيام كتاب جديد تحت عنوان: القبائل الحدودية التونسية- الجزائرية بين الإجارة والإغارة (1830-1881)، للباحث في التاريخ المعاصر الدكتور إدريس رائسي عن الدار المتوسطية للنشر. وقد تناول الكاتب البحث في العلاقات التاريخية بين القبائل الحدودية التونسية- الجزائرية وعلاقة العروش فيما بينها وذلك من خلال تطرقه إلى مسألة الحدود ومحاولات التحيز الفرنسي لضبط حدود المجال، وتأثير ذلك على نمط عيش القبائل الحدودية في منطقة الوسط الغربي وجيرانهم من قبائل "الغرابة". وكنتيجة لذلك أصبحت مسألة الصراع حول المجال خلال القرن التاسع عشر هاجسا كبيرا لدى القبائل الحدودية وبات الدفاع عن وحدة المجال الحيوي للمجموعة القبلية الداعم لترابطها وتضامنها بهدف حمايته تحت غطاء ايديولوجي يمثل الانتماءات والعلاقات الدمية بن القبائل. كما تناول الباحث الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للقبائل الحدودية وتمرد "المحلي" على"المركزي" حيث وجدت السلطة المركزية في تونس صعوبة كبيرة لبسط سيطرتها ونفوذها على المجتمع القبلي ذلك أن دوائر النفوذ داخل القبيلة طالما حرصت على رفض التعاطي مع سلطة جديدة حاولت مزاحمتها. وبالتالي يمكن القول أن الدكتور إدريس رائسي ومن خلال هذا البحث سلط الأضواء على مرحلة مهمة من تاريخ قبائل الوسط الغربي وجيرانهم من "الغرابة" والتي لازالت في جزء منها محفوظة في الذاكرة الشعبية، مرحلة امتازت بظرفية مغايرة لم تشهدها المنطقة من قبل وقد تمثلت في المرحلة الفاصلة بين الاحتلال الفرنسي للجزائر والفترة الممتدة قبل احتلال تونس، والتي تميزت ببداية التسرب الأوروبي المالي والبشري إلى الإيالة التونسية في وقت شهدت فيه الإيالة في عهد أحمد باي تدهورا اقتصاديا ضرب جميع مناحي الحياة اليومية. لقد اعتمد الباحث على وثائق الارشيف الوطني التونسي والتي حررت في أغلبها من طرف"المخازنية" قياد ومشايخ، ومما لاشك فيه أن تنوع مواضيع تلك الوثائق(شكايات، اتفاقات، أوضاع مالية واقتصادية ودينية...الخ) مثلت له نافذة للإطلالة من خلالها على الارث الحضاري والتاريخي لقبائل الوسط الغربي بشكل خاص والقبائل التونسية بشكل عام...