أفاد مركز "كارينغي" للشرق الأوسط في مقاربة إقليمية معمَّقة أُعِدَّت كجزءٍ من مشروع "إعادة النظر في العلاقات المدنية-العسكرية 2014-2015: الحوكمة السياسية والاقتصادية في المرحلة الانتقالية" أن "النظام الجديد لإدارة الجيش في تونس بعد ثورة وزمن تولي المنصف المرزوقي رئاسة الجمهورية، منح كبار الضباط القدرة على المساهمة المباشرة والمنتظمة في سياسة الأمن القومي غير أن كبار الجنرالات وحكومة الترويكا لم يكونوا متفقين دائماً، الأمر الذي دفع المرزوقي إلى الخوف من احتمال حدوث انقلاب". وأضاف المركز في دراسة نشرها على موقعه الرسمي أن نقطة الخلاف الرئيسة قد تمثّلت في كيفية التعامل مع الفرع التونسي لأنصار الشريعة، وخاصة في أعقاب الهجوم الذي شنّته في سبتمبر 2012 على السفارة الأميركية في تونس. عندما فضّلت حكومة الترويكا الحوار، ودعا المرزوقي قادة أنصار الشريعة إلى القصر الرئاسي في أكتوبر 2012. غير أن رشيد عمّار وضباطاً كباراً آخرين عارضوا ذلك. وحسب الدراسة، "فقد صرخ مدير عام سابق للأمن العسكري قائلاً: "المرزوقي استقبل في قرطاج أشخاصاً إرهابيين! خلال تلك الفترة رأى عمّار بعض التناقضات [بين أقوال المرزوقي وأفعاله]" وأضافت الدراسة أن بعض الجنرالات يعتقدون أن المرزوقي وحزبه والنهضة ساعدوا على نمو الإرهاب من خلال سلوكهم" كما أشارت الدراسة إلى "تصاعد حدّة هذه الخلافات بعد اغتيال السياسي اليساري شكري بلعيد في فيفري 2013. وأثناء مراسم جنازة بلعيد، أعار وزير الدفاع آنذاك، الزبيدي، مروحيات عسكرية لأول مرة إلى إحدى المحطات التلفزيونية الخاصة، "تلفزيون نسمة"، للمساعدة في تصوير الجنازة. وبما أن محطة نسمة كانت مناهضة للترويكا بقوة، فقد فسّر المرزوقي هذه الخطوة على أنها بداية انقلاب بقيادة الزبيدي وعمّار، وضغط على النهضة لاستبدال الزبيدي في تعديل وزاري. وأثبت بديله، رشيد الصباغ، المتخصّص في الفقه الإسلامي والذي كان يشغل في السابق منصب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، أنه وزير دفاع أكثر ولاءً لحكومة الترويكا."، حسب الدراسة. وأضافت الدراسة أيضا أنه "كما عمل المرزوقي على إقصاء عمّار من منصبه. وعندما بدأ المرزوقي النظر في إحالة الجنرال إلى التقاعد، اختار عمّار نفسه الاستقالة في 27 جوان لتجنّب إعطاء انطباع بأنه قد أقيل من منصبه". وأشار التقرير إلى أنه "في حين كان المرزوقي يرغب في إبعاد شخصيات حقبة بن علي، مثل الجنرال عمّار ووزير الدفاع آنذاك الزبيدي، رفض الجبالي ذلك، بحجة أن الحفاظ على الجيش كما هو "كان محورياً لاستقرار البلاد"." التنافس بين الجبالي والمرزوقي دفع كل مسؤول تنفيذي، عن غير قصد، إلى تعيين مستشارين عسكريين ومجالس استشارية لمساعدتهم على إدارة الجيش، وإضفاء الطابع المؤسسي على القنوات اللامركزية لتنظيم القوات المسلحة.، وفق التقرير. وأضاف التقرير (دراسة) أنه "عندما بدأت حكومة الترويكا عملها للمرة الأولى، كان رشيد عمّار لا يزال يمثّل مركز القوة في الجيش. بدا عمّار متحالفاً مع الجبالي، فشعر المرزوقي بأنه معزول نسبياً عن دائرة صنع القرار. احتلّ هذا الشعور موقع الصدارة في صيف العام 2012 في قضية البغدادي المحمودي، المسؤول الليبي السابق الذي كان قد خدم في عهد العقيد معمر القذافي وهرب إلى تونس خلال ثورة بلاده. في نوفمبر 2011، قضت محكمة تونسية بوجوب تسليم المحمودي بناءً على الطلب المقدم من المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا. عارض المرزوقي، الناشط السابق في مجال حقوق الإنسان، هذا القرار على أساس أن المحمودي سيكون عرضة إلى التعذيب إذا أُعيد إلى ليبيا. مع ذلك، ورغم معارضة المرزوقي، فقد سلم الجبالي المحمودي إلى طرابلس في جوان 2012 هدد المرزوقي بالاستقالة بسبب شعوره بالغضب إزاء تهميشه بهذه الصورة، بيد أنه جرى إقناعه بالبقاء في منصبه بعد تلقّي اعتذار من رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي. كما اتهم المرزوقي الجنرال رشيد عمّار، الذي زعم أنه كان على علم بعملية التسليم لكن لم يبلغه. هذه الحادثة زادت من انعدام ثقة المرزوقي بالجبالي وعمّار وأقنعته بالتصدّي في الوقت نفسه لهيمنة الجبالي على عملية اتخاذ القرار وسيطرة عمّار على الجيش". وتطرق التقرير إلى إنشاء المرزوقي منصب المستشار العسكري في سبتمبر 2012، وبذلك أضفى لأول مرة طابعاً مؤسّسياً على دور الجيش في مكتب الرئيس. وبينما كان المرزوقي بالفعل رئيس المجلس الأعلى للجيوش (الهيئة التي يسيطر عليها عمّار)، فقد بات يشعر- وهو الذي لايثق في عمّار الآن- بضرورة التفاعل مع ضباط آخرين. كان هدف المرزوقي ببساطة أن يظل على علم بالمسائل العسكرية، بيد أن ذلك تسبّب بحصول احتكاك مع الجنرال عمّار، الذي وفقاً لما ذكره المتحدث الرئاسي انذاك، "أراد أن تكون له سلطة التحكم بالمعلومات عن الجيش" التي تُعطى إلى الرئيس." الأسوأ من ذلك بالنسبة إلى عمّار كان اختيار العميد إبراهيم الوشتاتي كمستشار عسكري. كان الوشتاتي، اصيل جندوبة في الشمال الغربي والذي ترقّى في صفوف سلاح الجو، خارج الشبكة الشخصية لرشيد عمّار، الآتي من منطقة الساحل والعضو في القوات البرية. وكان عمّار يرفض ترقية الوشتاتي إلى رتبة جنرال، على الرغم من أن الوشتاتي كان يفي بكل الشروط المطلوبة للترقية. وقد أشارت مصادر مدنية وعسكرية إلى أنه تم اختيار الوشتاتي مستشاراً عسكرياً على وجه التحديد لأنه لم يكن على علاقة شخصية جيدة مع عمّار، حيث كانت تلك محاولة واضحة من جانب المرزوقي لإضعاف هيمنة عمّار على الجيش. بناءً على نصيحة من الوشتاتي عمد المرزوقي إلى إحياء مجلس الأمن القومي، الذي لم يكن يجتمع، بعد العام 1991، سوى مرة واحدة أو مرتين في السنة. في أعقاب تشكيل الجبالي مجلس الأمن، وقيام المرزوقي بتعيين مستشار عسكري للرئيس وإحياء مجلس الأمن القومي، أصبحت عملية اتخاذ القرار في المسائل العسكرية مشتّتة أكثر فأكثر.