ألقى اليوم رئيس الحكومة الحبيب الصيد كلمة على هامش افتتاحه للمؤتمر الدولي 32 للخبراء المحاسبين. وفي ما يلي نص الكلمة التي ألقها الصيد: "يسعدني أن أفتتح المؤتمر الدولي الذي تنظمه هيئة الخبراء المحاسبين بالبلاد التونسية وأن أعبّر عن شكري وتقديري لرئيس الهيئة وأعضائها ولكافة المساهمين في تنظيم هذا المؤتمر والمشاركين في أشغاله من تونس والبلدان الشقيقة والصديقة والمنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية. كما أثمّن الجهود المحمودة التي ما فتئت تبذلها هيئة الخبراء المحاسبين بالبلاد التونسية واقتراحاتها البنّاءة، لبلورة مشاريع القوانين ذات الطابع الاقتصادي والمالي والجبائي والإحاطة بالمؤسسات بما يسهم في تحسين أدائها والارتقاء بمردودها. وإن اختياركم، في مؤتمركم هذا، لموضوع أداء المؤسسة في وقت الأزمة لهو خير دليل على اهتمام الهيئة المتواصل بمرافقة ومساعدة المؤسسة التي تمثل الخلية الأساسية للنسيج الاقتصادي بمساهمتها في التنمية وخلق الثروة. ولئن كان محمولا على المؤسسة التونسية عدة أعمال تتعلق بالحوكمة الرشيدة بكل معانيها وأدواتها حتى تكون في مستوى التحديات التي تجابهها فإنه محمول على الدولة أن تهيئ لها المناخ الملائم لنجاح مهمتها. إنه لا يخفى على أحد أن بلادنا مرّت وتمر بصعوبات متعددة الجوانب طيلة هذه السنوات الأخيرة في خضمّ مرحلة الانتقال السياسي والاقتصادي الذي نعيشه بعد ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي والتّحديات الأمنية والاستحقاقات الاجتماعية والوضع الإقليمي المضطرب وصعوبات الظرف الاقتصادي العالمي. ونحن واعون بصعوبة الظرف ودقة المرحلة وكثرة التحديات والانتظارات ونحن رغم ذلك عاقدون العزم على القيام بمسؤوليتنا الحكومية في إطار ما يمليه علينا الواجب تجاه الوطن الذي تهون من أجله كل التضحيات. كما أننا ندرك أن واجبنا الأول هو المحافظة على الأمن والاستقرار واستئصال آفة الإرهاب والقضاء على البطالة المتفشية في صفوف الشباب وخاصة حاملي الشهائد العليا والرفع من القدرة الشرائية للمواطن وتحقيق التنمية المتوازنة والقطع مع مظاهر الاختلال الجهوي وتكريس مقومات العدالة الاجتماعية. ولعلكم تلاحظون أن هذه الحكومة ما انفكت تعالج هذه المعضلات باتخاذ الإجراءات اللازمة والإصلاحات الضرورية في نطاق الجهد المشترك بين مختلف فئات المجتمع. لقد بادرنا منذ سنة بالقيام بتشخيص دقيق للأوضاع في مختلف الميادين والمجالات الأمنية والاقتصادية والمالية والاجتماعية. واعتقادا منا بأن النهوض باقتصادنا لا يمكن له أن يكون في غياب الأمن فقد اعتبرنا أن من أوكد أولوياتنا استقرار البلاد ومكافحة آفة الإرهاب. ولقد بادرنا في هذا الخصوص بتطوير المنظومة القانونية المتصلة بظاهرة محاربة الإرهاب والتصدي لمختلف العوامل المساعدة على وجودها وخاصة العامل المتصل بمصادر التمويل. وتم في هذا الشأن سنّ القانون الأساسي المتعلق بمكافحة الإرهاب وغسل الأموال، كما قمنا بدعم تأمين المناطق السياحية والحدودية والأماكن الحساسة وتوسيع النسيج الأمني ليشمل كافة مناطق البلاد وأولينا اهتماما خاصة للعمليات الاستباقية للقضاء على آفة الإرهاب. أما من الناحية الاقتصادية فإنه لا يخفى عليكم الوضع الصعب الذي يعيشه اقتصاد بلادنا لذا وجب علينا لتحقيق الإنقاذ المرور بمرحلة الإنعاش وهو مجهود يتطلب مشاركة الجميع. وقد اعتمدنا لمعالجة الوضع منهجية تنقسم إلى إجراءات عاجلة وفورية وإلى إعداد خطة مستقبلية ترتكز على إصلاحات عميقة وهيكلية تندرج في إطار رؤية وأهداف واضحة. وقد أولينا ضمن هذا التمشي قطاع البنية التحتية أهمية خاصة باعتباره شرطا أساسيا لدفع الاستثمار كما قمنا بإعادة الهيكلة المالية للمؤسسات العمومية التي تعاني من صعوبات وإعادة هيكلة البنك المركزي وتنقيح القانون المتعلق بالإجراءات الجماعية وإدخال العديد من الحوافز ضمن قانون المالية لسنة 2016 قصد إيجاد المزيد من الفرص للتشغيل عن طريق الإعفاءات الجبائية وتحسين أداء الإدارة وكذلك مقاومة التهرّب الجبائي. ومن أولويات الحكومة كذلك الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن عبر التحكم في أسعار المواد الضرورية ومقاومة التهريب والتجارة الموازية. والجدير بالملاحظة أننا أخذنا بعين الاعتبار في برامج عملنا ما أثبتته الدراسات من أنه من مرتكزات المنوال الاقتصادي المراهنة على الأنشطة ذات القيمة المضافة في قطاعات الفلاحة والصناعة والسياحة والخدمات وغيرها وفي المجالات ذات المستوى المعرفي والتكنولوجي العالي إيمانا منّا أن الاستثمار يكون أساسا في الموارد البشرية والبنية التحتية والبحث العلمي وفي خصوص الناحية الاجتماعية حرصت الحكومة على الإيفاء بتعهداتها مع الاتحاد العام التونسي للشغل ورعاية المفاوضات المتعلقة بالقطاع الخاص مع الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية. رغم هذه المجهودات لا يزال اقتصادنا هشا بسبب المخاطر الإرهابية الحقيقية التي تتعرض إليها تونس وتعطيل آلة الإنتاج والتجارة الموازية وعزوف المستثمرين عن الاستثمار في انتظار المزيد من الاستقرار والأمن. لكن جميع هذه العقبات لم ولن تثنينا عن مواصلة العمل والبحث على أفضل السبل لخلق الثروة وحسن توزيعها. ومن بوادر نجاحنا في هذا الإطار ما أبرزته الإحصائيات المتعلقة بالثلاثي الأول لسنة 2016 والتي تفيد بأن اقتصادنا رغم الصعوبات القائمة بدأ يتعافى. حضرات السيدات والسادة، لئن كانت مهمة الدولة تتمثل في تهيئة المناخ الملائم للاستثمار فإن المؤسسة مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى بدعم قدراتها من حوكمة رشيدة وزيادة في الإنتاج وغزو أسواق جديدة للتصدير والتشارك مع القطاع العام. ولئن كانت هذه الأعمال ضرورية في الحالات العادية فإنها تصبح حتمية وقت الأزمات حتى تضمن المؤسّسة استمراريتها وتحافظ على وجودها بالسهر على احترامها لجميع التراتيب والمواصفات ومراقبة الجودة والتأكد من حسن أدائها. وإني على يقين بأن الخبير المحاسب مناط بعهدته دور على غاية من الأهمية في هذا المجال. وإن الحكومة على استعداد لدعم هذا المرفق العام من تأطير لأعماله وتعصير للنصوص القانونية التي ينشط على أساسها. وإن الحكومة حريصة على الإيفاء بتعهداتها بخصوص تشريك كل القوى الحية في البلاد قصد بلورة أفضل برامج الإنعاش الاقتصادي وبلورة الإصلاحات والبرامج في مختلف المجالات. وأودّ في هذا السياق أن أشيد بالمقترحات التي تقدمت بها الهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين بالنسبة إلى عديد الملفات والقطاعات على غرار مراجعة قوانين السلامة المالية ومراجعة النصوص المنظمة للمنشآت العمومية وإقرار مبدأ اعتماد المعايير المحاسبية الدولية للقطاع العمومي وإخضاعه للتدقيق الخارجي وضمان شفافية تعيين مراقبي حسابات المؤسّسات. إنّنا نتطلّع إلى أن تتمخّض أعمال مؤتمركم بمشاركة هذه الثلة من خيرة الخبراء من العديد من الدول عن توصيات وآليات تساهم في إنارة السبل حتى نتخطّى الصعوبات الحالية ونوصل بلادنا إلى شاطئ الأمان رغم التقلبات التي تمر بها والتحديات التي تواجهها. مع تجديد الشّكر للهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين ولضيوفنا الكرام ولكل المساهمين في هذا المؤتمر المتميّز. "