باتت مكةالمكرمة هذه الأيام مربوطة بجسرين لنقل الحجيج, واحد جويّ يتدفق من خلاله ضيوف الرحمان عبر مطار جدّة, وآخر بريّ يتوافد عبره الحجيج إلى بيت الله الحرام من المدينةالمنورة تحديدا وسائر ولايات المملكة العربية السعوديّة. كحال الحجيج المستقلين للحافلات الخمس لطائرة 5003 وغالبيتهم من ولايتي سليانة والكاف- , يفضل عدد من ضيوف الرحمان , ممن تحدثت إليهم البعثة الإعلاميّة الشروع في مناسك الحج انطلاقا من المدينةالمنورة مرورا بميقات "آبار علي" حيث يدخل الحاج في الإحرام والتلبية تأسيا بفعل الرسول صلى الله عليه وسلّم. وبمجرّد الوصول إلى الميقات , توحدت الألوان والأزياء والألبسة في لباس الإحرام الأبيض واتحدت النداءات والأصوات تحت عنوان "التلبية" , فلا تسمع إلا لبيك اللهم لبيك ولا ترى إلا بياضا ممتدا على طول مرأى العين. تصطف الحافلات جنبا إلى جنب تنتظر الحجيج الذين ملأوا "آبار علي" صلاة وتسبيحا وتهليلا , متجردين من لباسهم ومرتدين إحرامات التزهد في الدنيا والتوق إلى جنات النعيم. لم تفتر ألسنة الحجيج من ترداد التلبية طيلة الرحلة نحو مكةالمكرمة التي تدوم أكثر من أربع ساعات في مسار صحراوي صخريّ لئن بثّ في القلوب شيئا من الروع فإنّه سكب على الوجدان مياسم الروعة لا فقط لارتباط المسيرة بمنسك الحجّ ولكن أيضا استحضارا لجهد الرسول محمّد صلى الله عليه وسلّم في التنقل بين المدينةومكة سواء في الهجرة أو عند الحجّ بعد الفتح. يتوقف الحجيج لبرهة من الزمان لأخذ قسط من الراحة ولأداء الصلوات المكتوبة في إحدى الاستراحات قبل استئناف الرحلة التي تأخذهم إلى مكةالمكرمة. ليل مكةالمكرمة مشرق ومضيئ , بإشراقة بيت الله الحرام وببياض إحرام ضيوف الرحمان وبضياء الصفا والمروة... تصافحك مكة ليلا , فيتساوى النهار مع الليل , وتدخل في الزمان التعبدي وفي المكان الأقرب إلى السماء..