قاتل الطفل ياسين"ممثل بارع".. وهذه مراحل "التشريح النفسي" 60 * معفيا جزائيا بعضهم قضى أكثر من 20 عاما والبعض تخلت عنهم عائلاتهم.. * 10نساء "اتهمن" في جنايات من الوزن الثقيل بلا مأوى.. تونس-الصباح هل أن كل مرض نفسي بالضرورة جنونا وهل أن كل مريض نفسي يُعفى من العقاب ..أسئلة عدة تطرح اثر كل جريمة فظيعة سواء كانت قتلا أو اغتصابا أو أي نوع آخر من الاعتداءات التي تستهدف الإنسانية..جرائم ترتكب بإتقان.. سيناريو محبوك بدقة بكل تفاصيل مشاهده ولكن وبعد جلسات طويلة من المحاكمة وبعد انتظار مرير لعائلات ضحايا الاعتداء يصدر الحكم لينقذ الجاني من أحكام مطولة خلف القضبان أو حتى من حبل المشنقة.. تساؤلات عدة تطرح هنا حتى أن البعض يذهب إلى التشكيك في عدالة المحكمة والشعور بالظلم والقهر لا سيما وأن أناسا دفنوا تحت التراب وفارقوا الحياة بشكل فظيع في حين أن قاتلهم حر طليق.. كيف نجح في ذلك؟ هل هو مجنون فعلا أم أنه تظاهر بالجنون ووجد في ذلك مخرجا من العقاب؟ وهل أن حيل المجرمين تمر بسهولة على لجنة خبراء محلفين..؟ "الصباح" حاولت الخوض في ملف الطب الشرعي النفسي وعلاقته بالأحكام الصادرة في القضايا الجنائية باعتبار تقرير الطب الشرعي النفسي يعد من الأوراق الهامة في القضية والتي تشكل مؤيدا هاما وفاعلا على وجه الفصل في القضية. في أوت 2007 استهدفت جريمة بشعة الطفل نعيم الذي لم يتجاوز عشر سنوات،موته كان الأكثر فظاعة في ولاية المنستير وتحديدا أحواز منطقة "بنبلة"،القاتل لم يبلغ بعد سن العشرين في تلك الفترة وربما قدر "نعيم" وضعه في طريقه في ذلك اليوم الأسود.. قطف "نعيم" البعض من ثمار التين من ضيعة بأحواز "بنبلة" وغادر مع رفيقيه لجمع القوارير البلاستيكية غير أن مراهقا معروفا بملاحقة الأطفال والاعتداء عليهم كان يمتطي فرسا عندما لمح الأصدقاء الثلاثة فلحق بهم وظل يطاردهم كالمجنون ولئن تمكن اثنان من الفرار من براثنه فقد تمكن من الإمساك ب"نعيم" وأصابه بقطعة آجر على رأسه ثم اعتدى عليه بقضيب حديدي على الجبين ثم وضع كيسا في رأسه وشد يديه بحبل وربطه إلى الحصان وراح يجره بطريقة وحشية حتى فارق الحياة.. جريمة قتل الطفل نعيم خلفت حزنا وألما في قلوب أفراد عائلته ورغم مرور تسع سنوات على الجريمة إلا أنهم لازالوا يتذكرون بشاعتها، أقارب العائلة المنكوبة أفادونا أن القضاء أطلق سراح الجاني لعدم تحمله المسؤولية الجزائية واليوم هو حر طليق. المحامي.. والمجنونة جريمة أخرى جدت منذ سنوات استهدفت محام والمتهمة كانت فتاة في مقتبل العمر أسعفها تقرير الطب الشرعي النفسي ونجت من عقوبة السجن المؤبد في الطور الإستئنافي حيث بينت التقارير الطبية أن الفتاة تعاني من مرض نفسي ولا تتحمل المسؤولية الجزائية. الدكتور فتحي ناصف أستاذ في الطب النفسي ورئيس اللجنة الطبية بمستشفى الرازي بمنوبة كان لنا لقاء معه حدثنا من خلاله عن الطب الشرعي النفسي والاختبارات الطبية النفسية ومدى أهميتها على وجه الفصل في القضايا الجزائية، فقال إن الشائع في الذهنية الشعبية أن كل شخص تلقى علاجا بمستشفى الرازي هو بالضرورة "مجنون" ولكن الواقع غير ذلك وبعيدا كل البعد عما هو شائع وقد ينجح الشخص في الإدعاء أنه أعمى أو أصم ولكنه من الصعب جدا أن ينجح في الإدعاء أنه "مجنون" حتى وإن كان ممثلا بارعا. الإجراءات.. إن عملية "التشريح النفسي" هي عملية بالغة الدقة ولإجرائها يتم التنسيق بين السلطة القضائية وقسم الطب الشرعي النفسي بمستشفى الرازي حيث ترسل أي محكمة من محاكم الجمهورية متهمين فيما يعرف ب"جرائم الدم" ويطلب القضاء إجراء اختبار طبي نفسي ويجب أن تكون اللجنة التي ستجري الاختبار متكونة من ثلاثة خبراء وفي بعض الحالات يطلب القضاء إجراء اختبار تكميلي إذا ما لاحظ اضطرابات في السلوك والتصرف وبإمكان القضاء أن يطلب في الاختبار التكميلي طبيبا واحدا أو ثلاثة أطباء ويجب أن يكون طبيبا نفسانيا ومعترفا بكفاءته في الاختبارات وقد تم وضع جداول بأسماء خبراء في هذا الاختصاص من كامل تراب الجمهورية وبإمكان القضاء أن يطلب قائمة بأسمائهم ثم يقوم بتسخير خبير أو لجنة خبراء وقد ينتقل الطبيب إلى السجن لمعاينة السجين المتهم أو يتم جلب السجين إلى المستشفى وتتم معاينته هناك من قبل الخبير أو الخبراء الذين عينتهم المحكمة. الطب الشرعي النفسي في قفص الاتهام بصفة عامة الخطأ غير وارد في اختبارات الطب الشرعي النفسي هذا ما أكده رئيس اللجنة الطبية بمستشفى الرازي الدكتور فتحي ناصف ل"الصباح" ردا على بعض المشككين في نتائج الاختبارات خاصة من عائلات الضحايا مضيفا أن الاختبارات تتم إما في مستشفى الرازي أو المستشفى العسكري أو في عيادة الخبير النفسي الذي عينه القضاء لذلك لا مجال للتشكيك في نتائج تلك الاختبارات خاصة وأنه إذا ما شعرت اللجنة أنها لم تتوصل إلى نتيجة واضحة حول حالة المريض فهي تراسل القضاء وتطلب منه تعيين خبراء تكميليين. هناك حالات يصدر فيها القضاء حكمه بالإدانة في الطور الابتدائي في حين يتم نقض ذلك الحكم والقضاء بعدم سماع الدعوى في حق المتهم لأن اختبار الطب الشرعي النفسي أثبت أنه لا يتحمل المسؤولية الجزائية على غرار جريمة قتل جدت منذ سنوات المتهمة فيها فتاة في مقتبل العمر والضحية محام شاب... القضاء أدان المتهمة في الطور الأول وحكم عليها بالسجن المؤبد في حين برأت ساحتها محكمة الدرجة الثانية وقضت في حقها بعدم سماع الدعوى لعدم تحملها المسؤولية الجزائية..الدكتور فتحي ناصف أجابنا عن هذه النقطة وقال هناك حالات لا يظهر فيها المرض منذ البداية وتتفاقم حالة المريض بعد مدة معينة وقد يكون الخبراء لم يلاحظوا ذلك. قاتل ياسين مسؤول عن أفعاله وهناك حالات أخرى يصر فيها المتهم على أنه خضع للعلاج في مستشفى الرازي ويحاول أن يجد مخرجا ينقذه من الإدانة على غرار المتهم بقتل الطفل ياسين بالملاسين قبل أشهر قليلة الذي كان يخضع للعلاج بالمستشفى المذكور ويشكو من أمراض نفسية غير أن لجنة الخبراء التي عاينته رأت أنه يتحمل المسؤولية الجزائية وهو مسؤول عن أفعاله. من الجرائم الأخرى التي هزت الرأي العام جريمة العقبة التي أكل خلالها الجاني البعض من كبد الضحية ورغم محاولته إثبات أنه غير مسؤول عن جريمته وأنه تعاطى مواد مخدرة ومواد كحولية فان لجنة الخبراء أثبتت أن الاضطرابات النفسية التي يعاني منها لا تجعله غير مسؤول عن جريمته. وحدثنا الدكتور فتحي ناصف عن جرائم قتل انتهى فيها الخبراء إلى أن المتهم مريض ولا يتحمل نتيجة أفعاله على غرار شاب قتل والده وبعد عرضه على اللجنة تبين أنه يعاني من مرض "فصامي ذهاني" مزمن وذلك ما جعل القضاء يصدر في حقه حكما بعدم سماع الدعوى. مفيدة القيزاني الصباح بتاريخ 29 سبتمبر 2016