كانت الشهادة الأخيرة في الجلسة العلنية الثانية لهيئة الحقيقة والكرامة لأحد ضحايا الصراع اليوسفي-البورقيبي حمادي غرس من مواليد 1932. وقال غرس أن قدومه للإدلاء بشهادته أمام هيئة الحقيقة والكرامة كان في اطار قيامه بمهمة لها صبغة قومية وطنية وعدلية وأخلاقية للكشف عن حقيقة "نضال الربع ساعة الأخير" الذي قال أنه أنقذ تونس وأرغم فرنسا على الاعتراف للشعب التونسي بحقه في الحرية والسيادة والكرامة. وأضاف غرس بأن المهم أنه من أجل فتح ملف شهداء المعارضة اليوسفية وإعادة النظر في هذا الملف وكشف الحقائق، وكذلك ل"إدانة كل من هو حي او ميت، امر او وافق أو غض الطرف على الممارسات الإجرامية التي تعرض لها التونسيين من طرف لجان دستورية تحت غطاء حكومة الطاهر بن عمار الثانية بداية من سبتمبر 1955 الى أفريل 1956 ومن أجل إنصاف ذاكرتنا القومية وإزالة الغش على تاريخنا المعاصر وإنارة الرأي العام وخاصة للاجيال الحديثة"، على حسب تعبيره وسرد حمادي غرس الأحداث والمواقف التي تسببت في الخلاف اليوسفي-البورقيبي والذي انتهى ب"جريمة دولة" على حسب تعبيره. وقال غرس أن هذه الأحداث حصلت منذ شهر جويلية 1955 بعد قرابة العامين والنصف من حدوث الثورة التونسية المسلحة في 18 جانفي 1952، حيث أشار أن هناك مجموعة من الحوادث الدموية حدثت في تونس والتي وصفها بالحوادث "شبه الأمني والتي حصلت نتيجة اعتداءات الأمن والسلطة الاستعمارية على المناضلين والمقاومين. وأقر غرس أنه بدأ نشاطه في الحزب الحر الدستوري منذ سنة 1948 وأنه قد شارك في الثورة التونسية المسلحة بداية من 18 جانفي 1952، وأنه تم القبض عليه وحوكم في ماي 1953 من طرف السلط الفرنسية بالسجن في سجن "زنزانة باردو"، مضيفا أنه نجح صحبة مجموعة من المقاومين في الهروب من السجن بعد أن حفروا نفقا داخل الزنزانة وفروا فيما بعد في اتجاه ليبيا. وأكد غرس أنه أمام عجز السلطة الاستعمارية في القضاء على المقاومة الوطنية تدخل رئيس فرنسا "مونداس فرانس" واتصل ببورقيبة الذي كان يقيم بالمنفى. كما أكد غرس أن فرانس قرر رفع الإقامة الجبرية على بورقيبة وقام باستدعائه الى باريس، وعقد معه لقاءات سرية وافق في آخرها بورقيبة على مشروع للحكم الذاتي بتونس. وأشار غرس أن بورقيبة أعلم القيادي في الحزب الحر الدستوري صالح بن يوسف في القاهرة عن أهم المعطيات المتعلقة بهذا المشروع فقبل بن يوسف مبدأ الدخول في التفاوض، ولكنه رفض بعد ذلك فكرة الحكم الذاتي لأنه اعتبر أنه لا يضع حدا لنظام الحماية على تونس. كما سرد غرس بما حصل في مدينة تازركة من ولاية نابل، حيث أخرج الجنود الفرنسيون الرجال من المنازل وقاموا باغتصاب النساء وقتل الرضع. كما سرد غرس اطوار معركة برقو وما تسببت فيه من خسائر للفرنسيين، فكانت حجة انذر المستعمر من خلالها بورقيبة بضرورة تسليم المقاومين التونسيين السلاح وإلا فإنهم سينهون مفاوضات الحكم الذاتي. وأقر غرس بأن بورقيبة استطاع اقناع بعض المقاومين بالقاء السلاح وتسليمه إلى الجيش الفرنسي، وهو ما اعتبرها غرس "الفضيحة"، مشيرا أن بعض المقاومين رفضوا ذلك على غرار المقاوم الطاهر لسود. وأشار غرس ان يوم الإعلان عن الاستقلال كان الجميع ينتظر مصالحة وطنية شاملة. ولكن بورقيبة طلب من المقاومين والمعارضين لنهجه تسليم أنفسهم إلى السلطة الفرنسية، مضيفا أن القوات الفرنسية قامت بتعذيب مجموعات من المعارضين لبورقيبة وقتلتهم. وأشار قائلا "التونسيون في تلك الفترة كانوا يعتقدون أن الفرنسيين سيرحلون وكانوا ينتظرون مصالحة وطنية ولكنهم وجدوا أن المسألة لم تتغير". وأضاف أن هذا التصرف لم يكن له أي تفسير سوى أن بورقيبة كان مشغولا بإحداث المجلس التأسيسي أكثر من انشغاله بتوطيد الاستقلال، مشيرا أن بورقيبة كان يسعى لأن يكون المجلس التأسيسي متكونا من مسانديه وذلك ما سيمكنه عبره إعلان الجمهورية التي سيكون رئيسالها. وأردف غرس أنه في تلك الفترة فإن الجيش الفرنسي بقي بتونس وقام بقتل مئات الشبان الذين كانوا يتحصنون بالجبال. وأقر غرس أن لديه شكوكا في أن هناك جثث لأولئك الشبان لم تدفن وبقيت في العراء ببعض الأودية والجبال. واشر حمادي غرس، الذي أشار أنه كان من أنصار صالح بن يوسف أنه تم إيقافه يوم 22 ماي 1956 عندما تمت محاصرته صحبة مجموعة من المقاومين بجبل سيدي ثابت من طرف قوات الأمن التابعة للنظام البورقيبي وأنه تم الحكم عليه أمام محكمة القضاء العليا بتهمة تكوين عصابة مفسدين والنيل من أمن الدولة وحمل السلاح، وهو ما اعتبره حكما ظالما ومفاجأ خاصة وأنه كان يعتبر كلا الفريقين من يوسفيين وبورقيبيين مناضلين ضد الاستعمار. وأشار أنه قد تم اصدار الحكم في حقه بتاريخ 24 جانفي 1957 بالسجن مدة 10 أعوام قضى منها 5 أعوام فيما أخضع الى المراقبة الإدارية لمدة 10 أعوام. قضى حمادي غرس مدة محكوميته في عدة سجون على غرار سجن 9 أفريل و"زنزانة باردو" وغار الملح و"بورتوفارينا". وأشار أنه صدرت أحكام أخرى ضد البعض من المقاومين اليوسفيين تراوحت بين 10و20 سنة والإعدام.