قريبا إلغاء 33 ترخيصا إداريا    دعوة الى ترشيد استهلاك المياه    خطة لإطلاق الجيل الخامس للاتصالات    مع الشروق .. تمويلات لتونس.. رغم «فيتو» صندوق النقد الدولي    البنوك تفتح شبابيكها غدا    بعد أكثر من 20 ساعة: السيطرة على حريق مصفاة نفط في شمال العراق    بايدن يتهم "حماس" بتعطيل تنفيذ خطة وقف إطلاق النار في غزة    الوسلاتية.. السيطرة على حريق اندلع بجبل زغدود    اليمين المتطرّف يجتاح أوروبا.. أي تأثير على تونس ؟    الإيقاع بالجاني في جريمة المرسى ...يقتل زميله في الشارع بسبب خلاف في العمل    فظيع في منوبة:شيخ ال «كتّاب» متورّط في اغتصاب ابنة ال 5 سنوات؟!    تكليف ربيعة بالفقيرة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    الصحة السعودية تحذر الحجاج من أخطار التعرض لارتفاع حرارة الأسطح بالمشاعر المقدسة    بنزرت: النيابة العمومية تأذن بفتح بحث تحقيقي من أجل القتل العمد في حادثة حريق منزل برفراف أسفر عن وفاة طفل    كأس أوروبا للأمم 2024: استخدام تقنية الحكم المساعد "الفار" سيكون مرفوقا بالشرح الاني للقرارات    كاس امم افريقيا المغرب 2025: سحب قرعة التصفيات يوم 4 جويلية القادم بجوهانسبورغ    بطولة نوتينغهام: أنس جابر تواجه اليوم التشيكية ليندا فروفيرتوفا    وفاة عون أمن وإفريقي من دول جنوب الصحراء إثر مداهمة أمنية لأحد العمارات تأوي مجموعة من مهاجرين أفارقة    سليانة: وضع 7 أطباء بياطرة على ذمة المواطنين للإجابة عن تساؤلاتهم وتأمين المراقبة الصحية البيطرية للأضاحي أيام العيد    تونس تسجل ارتفاعا في عجز ميزان الطاقة الى 6ر1 مليون طن مكافئ نفط مع موفي افريل 2024..    الكاف: تقدّم هام في مشروع تعبيد الطريق المؤدية الى مائدة يوغرطة الأثرية وتوقعات بإتمامه خلال شهر جويلية القادم    رهانات الصناعات الثقافية والإبداعية في الفضاء الفرنكفوني وتحدياتها المستقبلية محور مائدة مستديرة    كتاب.. لاهوت التعدّدية الدّينية ل عزالدّين عناية    165 حرفيا ومهندسا داوموا على مدى 10 أشهر لحياكة وتطريز كسوة الكعبة المشرفة    رئاسة الحكومة تعلن أن يومي 16و17 جوان عطلة لأعوان الدولة بمناسبة عيد الاضحى    تونس توقع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الاوروبي لتعزيز امكانيات الاستثمار في الطاقات المتجددة    تأييد قرار تمديد الاحتفاظ بمحرز الزواري ورفض الإفراج عنه    وزارة التربية تتثبّت من معطيات الأساتذة النواب خلال الفترة من 2008 الى 2023    ارتفاع حركة مرور المسافرين والشاحنات التجارية في معبر الذهيبة    الشركة الجهوية للنقل بنابل : برنامج إستثنائي بمناسبة عيد الإضحى    المرسى: بسبب خلاف في العمل...يترصد نزوله من الحافلة ليقتله طعنا    باجة : اعتماد طائرات درون لحماية محاصيل الحبوب    مرضى القصور الكلوي يستغيثون اثر توقف عمل مركز تصفية الدم بمستشفى نابل    تفكيك وفاق اجرامي للاتجار بالمنقولات الأثرية    بسبب كأس العالم للأندية 2025: قضية جديدة ضد الفيفا    الرابطة المحترفة الاولى (مجموعة التتويج): الترجي الرياضي على بعد نقطة من حصد اللقب    توزر: الجمعية الجهوية لرعاية المسنين تحتفل باليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين    بطولة كرة السلة: تعيينات منافسات الدور النهائي    مفتي الجمهورية: "هكذا تنقسم الاضحية في العيد"    انطلاق أولى رحلات قطار المشاعر المقدّسة لموسم حج 2024    إستعدادا لكوبا أمريكا: التعادل يحسم مواجهة البرازيل وأمريكا    الكنام تشرع في صرف مبالغ استرجاع مصاريف العلاج لفائدة المضمونين الاجتماعيين    الرابطة المحترفة الاولى: الجولة الختامية لمرحلة تفادي النزول    باجة: تقدم موسم حصاد الحبوب بنسبة 30 بالمائة وتوقع وصول الصابة الى 2,6 مليون قنطار    محمد بن سلمان يعتذر عن عدم حضور قمة مجموعة السبع    تجربة جديدة للقضاء على الحشرة القرمزية..التفاصيل    عاجل: تفاصيل جديدة في حادثة وفاة أمنيّ اثناء مداهمة بناية تضمّ مهاجرين أفارقة    هكذا سيكون الطقس في أول أيام عيد الأضحى    اليوم: طقس مغيم مع ظهور خلايا رعدية بعد الظهر والحرارة بين 25 و46 درجة    بعد استخدامها لإبر التنحيف.. إصابة أوبرا وينفري بمشكلة خطيرة    دواء لإعادة نمو أسنان الإنسان من جديد...و هذه التفاصيل    120 مليونا: رقم قياسي للمهجرين قسراً حول العالم    صديق للإنسان.. جيل جديد من المضادات الحيوية يقتل البكتيريا الخارقة    قربة تحتضن الدورة التأسيسية لملتقى الأدب المعاصر    «غفلة ألوان» إصدار قصصي لمنجية حيزي    بهدوء ...أشرار ... ليس بطبعنا !    صابر الرباعي يُعلّق على حادثة صفع عمرو دياب لمعجب    شيرين تصدم متابعيها بقصة حبّ جديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النهضة "تُموقع" الأحزاب والجبهات
نشر في الصباح نيوز يوم 05 - 04 - 2017

لا مفر للأحزاب من إعداد برامج عملية تبتعد فيها عن المألوف في الخطاب السياسي المتآكل
من بين الأسئلة التي لا جواب حاسما لها ومقنعا ما يتعلق بعدد الأحزاب في تونس وما إذا كانت كثرة الأحزاب ظاهرة صحية أم أنها تُعدّ ترفا وديكورا لمشهد سياسي كان قبل ست سنوات أسير الحزب الواحد مع هامش رمزي لنشاط أحزاب كرتونية وفي تماس مع حزبين معترف بهما لكنهما ظلا مهمشين (الحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل من أجل العمل والحريات) وأخرى تنشط في السرية ورغم ذلك تصل أصداؤها إلى جانب من الرأي العام بطرق ووسائل شتى.
يستمد السؤال مشروعيته من مستجدات على الساحة السياسية بالإعلان رسميا عن تأسيس جبهة الإنقاذ والتقدم وتقديم مهدي جمعة مشروعه السياسي من خلال حزب البديل، ولعل مجرد التركيز على ما لا يمكن اعتباره حدثا، بما أن جبهة الانقاذ وحزب مهدي جمعة لا يشكلان مفاجأة بقدر ما يعتبران محاولة خلط الأوراق في مشهد ما قبل الانتخابات البلدية.
انعدام النقد الذاتي
ولعل من المفارقات أن نجد جبهة الانقاذ وحزب البديل وقد أعلنا عن وجودهما والحال أن استطلاعات الرأي كشفت عن تراجع الاهتمام بالشأن السياسي إضافة إلى تراجع الثقة في الأحزاب وفي الطبقة السياسية وهو ما يعني أن مختلف حيثيات السنوات الست الماضية أثرت على جانب كبير من الأحزاب وبالتالي يضع أكثر من علامة استفهام حول تعاطي الناخبين معها في الانتخابات البلدية وحتى في انتخابات 2019 الرئاسية والتشريعية.
من سوء الحظ أن انعدام النقد الذاتي لمجمل الأحزاب ضيق من هامش المناورة لديها وحرمها من التجديد على الصعيد الهيكلي وعلى صعيد الخطاب السياسي ومن ثم انعدام برامج حزبية للحاضر والمستقبل. وقد يبرر عدم اعتماد النقد الذاتي في جانب منه بانعدام وجود دراسات أكاديمية تخصص حيزا هاما لتجارب الأحزاب بعد 14 جانفي 2011، ولقد لعبت المنابر الإعلامية دورا في تسطيح المسألة الحزبية وفي التعتيم على جوهرها وذلك في وقت لم يشارك الجامعيون وتحديدا المشتغلون بالعلوم السياسية في المنابر وإن شارك البعض فيها لم يكن ذلك إلا لغايات سياسية بحتة.
ويمكن القول أن سمة المشهد السياسي الحالي ستبقى كما هي بإعطاء الأولوية للآني على حساب الاستراتيجي والمستقبلي، فهذا المشهد، من سوء الحظ، مازال يشكو من مرض اسمه النفور والتنفير من حركة النهضة بل إن الأمر يعتبر غريبا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن حزب نداء تونس تأسس للحد من تغول النهضة وأن جبهة الانقاذ والتقدم تراهن هي الأخرى على نفس المسار بل أيضا كانت عملية أكثر حينما أعربت عن رفض أي تحالف، مستقبلا، مع الحركة.
النهضة "محور" التموقعات
وأصبحنا أمام مشهد تتحدد فيه التموقعات وفق الموقف من حركة النهضة، فالجبهة الشعبية حسمت موقفها منذ انتخابات 2011 من الحركة وهو موقف يلعب العامل الإيديولوجي فيه دورا رئيسيا إضافة إلى الموقف من الإسلام السياسي الذي يشترك فيه جانب هام من التونسيين وقد أثبتت ذلك نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2014.
إذن، ماذا يعني ذلك؟ عدة إجابات ممكنة عن السؤال، إلا أن أطرفها قد تتمثل في كون حركة النهضة كانت الأسرع والأقدر، لعوامل عدة، على اكتساح الساحة منذ انتخابات2011، وهو ما يعني عمليا أهمية الالتحاق بها ومحاولة عزلها عبر مقاطعة سياسية أو التكتل ضمن حزب كبير لمنافستها وإزاحتها من المرتبة الأولى وهو ما حصل في انتخابات 2014.
إنها صورة مبسطة لكيفية التموقع على الساحة السياسية، صورة حاول نداء تونس تغييرها بالتوافق مع النهضة والتشارك معها في الحكم ضمن تحالف سياسي رباعي غير أنه بمرور الوقت شهد النداء انشقاقات من بين مبرراته التحالف مع النهضة وذلك بالتفريط في وضع الحزب الفائز في الانتخابات وحتى أول رئيس حكومة لما بعد انتخابات 2014 لم يكن من نداء تونس.
من يمثل التيار الحداثي؟
وفي ظل حالة التجاذب بين التيار الحداثي والإسلام السياسي أو الديمقراطية الإسلامية، وفق تسمية النهضة، يبقى الصراع مستقطبا أطرافا أخرى، إذ يمكن القول أن النداء خرج عمليا من الصراع الذي كان سببا في شعبيته وفي أن يكون حزبا قويا خلال سنتين ليكسب الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لكن فُتح في الآن نفسه مجالان، الأول في علاقة بالحزب الكبير القادر على كسب المواعيد الانتخابية المقبلة، والثاني الحزب أو التحالف القادر على مواجهة النهضة ضمن نظرية الصراع بين الحداثة والإسلام السياسي.
ونظرا إلى الأزمة التي يمر بها نداء تونس جاء سيناريو جبهة الانقاذ شبيها في جانب منه بسيناريو الباجي قائد السبسي قبيل انتخابات 2014 لكن هذه المرة نحن أمام تحالف حزبي يقرأ المشهد السياسي من عدة جوانب فهي قراءة تضع النهضة كفاعل رئيسي في الصورة مع تغييب للنداء وتعطي لنفسها الأولوية في تقمص دور الحزب الكبير القادر على إحياء الصراع مع النهضة إيديولوجيا وسياسيا نظرا إلى أنها مشاركة في الحكم وبالتالي تتحمل قسطا من الفشل. كما أن الجبهة، بحكم مكوناتها، تطرح نفسها على أنها ثاني أكبر تنظيم سياسي لا يمر بخلافات داخلية وموحد مثلما هو الأمر بالنسبة لحركة النهضة.
يحدث كل هذا في وقت أعلن فيه مهدي جمعة عن حزب "البديل التونسي" وفي وقت ينحسر فيه نشاط بقية أحزاب المعارضة، فحزب المنصف المرزوقي "حراك تونس الإرادة" و"التيار الديمقراطي" و"الحزب الجمهوري" و"الجبهة الشعبية " لم يكن حضورها في المشهد السياسي بالقدر المطلوب من أحزاب معارضة تسعى نظريا إلى أن تجسد التداول على الحكم.
التداول على الحكم
فكرة التداول تنحصر ظاهريا بين جبهة الانقاذ وحزب البديل لكنها تبقى فكرة مجردة لأن الساحة السياسية تبقى رهينة قوة حركة النهضة ورد فعل النداء في حالة تمكنه من إعادة تنظيم صفوفه.
مشهد سياسي يؤكد مرة أخرى أن نسبة كبيرة من الأحزاب في تونس هي مجرد أرقام وكثرتها لا تعني بالتأكيد تنوعا وبرامج ثرية مختلفة، والواقع خير دليل فهناك بضعة أحزاب،وإن كانت متفاوتة في إشعاعها واستقطابها، تبقى الفاعلة على الساحة ويبقى دوما السؤال مطروحا بخصوص البرامج والتوجهات وتحديدا تميزها ومدى استعداد الناخبين للتفاعل معها.
لا أحد في مقدوره أن ينكر أن الأحزاب الجديدة والتكتلات الظرفية تعبر عن مناخ الديمقراطية لكن بالنظر إلى قضايا تونس اليوم وغدا لا مفر للأحزاب من إعداد برامج عملية تبتعد فيها عن المألوف في الخطاب السياسي المتآكل وتتناول الملفات الكبرى استنادا إلى اجتهادات خبراء ومختصين.. حتى لا تسقط أحزابنا في "ترف" الديمقراطية بينما يتأكد استعصاء واقع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية عليها.
بقلم:نور الدين عاشور
جريدة الصباح بتاريخ 5 افريل 2017


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.