يمكن القول دون خشية الاتهام بالمبالغة، أن الأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة ومحددة في ما يتعلق بالمستقبل السياسي ليوسف الشاهد. ذلك أن الرهانات قد تعددت هذه الأيام وسيجد رئيس حكومة الوحدة الوطنية نفسه مدعوا للمواجهة على ثلاث جبهات داخلية وخارجية تتراوح بين مكافحة الفساد والتحوير الوزاري والزيارة المرتقبة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. فعلى المستوى الداخلي أكدت عدة معطيات أن يوسف الشاهد يكاد يكون وحيدا في المواجهة، إذ لم يعد خافيا على احد أن العلاقة بين يوسف الشاهد وحافظ قائد السبسي متوترة إلى حد القطيعة وهو ما يجعل من الدعم الذي قدمه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ليوسف الشاهد بمناسبة عيد الفطر غير ذي معنى بعد "تصعيد" قيادات النداء ضد رئيس الحكومة والوصول إلى اتهامه بضرب الحزب وإرباكه. التحوير الحكومي وقد حاولت تلك القيادات تجنب مواجهة الرجل على جبهة مكافحة الفساد- باستثناء خالد شوكات الذي اتهم صراحة رئيس الحكومة بانتهاجه حربا انتقائية ضد الفساد - واختارت "مقايضته" على جبهة التحوير الحكومي بان رفعت سقف مطالبها من خلال الدعوة إلى "تحوير عميق " يقضي على ما اعتبره حافظ قائد السبسي في تصريح أثار جدلا واسعا "حرمانا سياسيا" يعاني منه النداء علاوة على دعوته إلى الالتفاف على صيغة حكومة الوحدة الوطنية من خلال الاقتصار على تركيبة تتكون من النداء والنهضة وشخصيات تمثل بشكل من الأشكال الاتحاد العام التونسي للشغل. هكذا مقترح هو في الاصل انهاء لحكومة الوحدة الوطنية مما قد يضع يوسف الشاهد امام اختيارين فإما المضي في المراهنة اساسا على المجتمع المدني والحزب الجمهوري وحليفه الجديد محسن مرزوق او العودة الى "بيت الطاعة الندائي" وهي عودة محفوفة بالمخاطر بالنسبة ليوسف الشاهد الذي يدرك جيدا ان "عودة الابن الضال" تعني بالضرورة تراجعا قد يساهم في خسارته لجملة المساحات الرمزية التي كسبها بعد الحرب التي قال انها حرب على الفساد. موقف قصر قرطاج ويشكو يوسف الشاهد أيضا من محدودية هامش تحركه في حربه ضد الفساد لأنه مدعو إلى أن لا ينسى دائما انه مدعو للتنسيق مع رئيس الجمهورية حتى لا يظهر بمظهر الساعي ل"تجاوز" السرعة القصوى المطلوبة وتحويل المكاسب المعنوية والسياسية لهذه المعركة إلى حسابه الخاص وهناك عامل آخر يحد من الدعم الكامل وغير المشروط للباجي قائد السبسي ليوسف الشاهد ويتمثل من ناحية في عملية توزيع السلطة بين باردووقرطاج كما حددها الدستور إلى جانب أن الرجلين يستحضران الاستحقاق الرئاسي القادم وكلاهما معني به بل أن استطلاعا أمريكيا للرأي اعتبر أن قائد السبسي والشاهد من أكثر المعنيين من غيرهم بالوصول إلى قصر قرطاج بالنسبة لرئيس الحكومة ومواصلة المشوار بالنسبة للرئيس. وتبقى أهم محدد في كل هذه المعادلة حركة النهضة التي تحسب بدقة علاقتها مع يوسف الشاهد حتى لا "يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي" لأنها لا تستطيع إلا أن تدعمه نظريا ولكن دعمها محدد بضرورة أن لا "تغضب" الباجي قائد السبسي لأنها اشد حرصا على التوافق والتماسك الوطني خاصة في ظل التحولات الدولية والإقليمية. أما الجبهة الثالثة فهي ذات بعد خارجي خاصة في سياق تطورات الأزمة الخليجية والوضع في ليبيا إذ لا تخلو زيارة يوسف الشاهد الى الولاياتالمتحدة أيضا من رهانات وان كانت قد سبقتها إشارات من واشنطن فيها دعم للرجل ولكن هل سيكون هذا الدعم الإعلامي كافيا في ظل معطيات موضوعية لعل من أهمها "تقلص" الاهتمام الأمريكي بدول الربيع العربي وما تخوضه من صراعات لتطوير نظامها السياسي وهو ما سيحرم يوسف الشاهد من دخول البيت الأبيض والتقاط صورة مع دونالد ترامب وهو ما سبق لكل من الباجي قائد السبسي والمهدي جمعة ان تمتعا به يضاف الى ذلك ان الجانب الاقتصادي للزيارة لا يخلو بدوره من تعقيدات لان المؤسسات المانحة والمقرضة لتونس تريد إصلاحات اقتصادية واضحة وهو ما لم تشرع فيه حكومة يوسف الشاهد إلى حد الآن. خليل الحناشي جريدة الصباح بتاريخ 04 جويلية 2017