ما زال ملف الأطفال التونسيين في السجون الليبية يثير الجدل ويسفر عن تداعيات ومستجدّات بشكل متواتر، وفي آخر تطوّرات هذا الملف أعلن المتحدّث باسم وزارة الدفاع الليبية التابعة لحكومة الوفاق العميد محمّد الغصري في تصريحات إعلامية منذ أيام أن الهلال الأحمر الليبي بالتنسيق مع قوات البنيان المرصوص سيعلن خلال هذه الأيام خلو مسؤوليتهما من كل الأطفال التونسيين المتواجدين بالسجون التي تحت سيطرة هذه القوات مع أمهاتهن اللواتي تم إلقاء القبض عليهن بعد تورّطهن في أعمال إرهابية وفق ما أفادت به بعض المصادر الرسمية الليبية. وفي تصريح سابق ل"الصباح" أكّد لنا الناطق الرسمي باسم قوات الردع الخاصّة أحمد بن سالم أن عدد الأطفال التونسيين في معيتيقة في حدود 22 طفلا تونسيا، كما رجّحت مصادر أخرى أن عدد الأطفال في مصراطة هم في حدود 11 طفلا وأن مجمل عدد الأطفال التونسيين في ليبيا ممن يوصفون بأنهم "أبناء الدواعش" من التونسيين الذين قاتلوا في ليبيا هم في حدود 34 طفلا.. هؤلاء الأطفال يواجهون اليوم مصيرا غامضا ومرعبا في ليبيا خاصّة اذا تم التخلّي عنهم علما وأن الأطراف الذين هم بعهدتها اليوم يهدّدون بإخلاء مسؤليتهم بعد أن رفضت الدولة تسلّمهم. على الدولة التحرّك سريعا تقول عضو لجنة شؤون التونسيين بمجلس نواب الشعب خولة بن عائشة في تصريح ل"الصباح" حول ملف الأطفال التونسيين العالقين في ليبيا"، نحن تعهّدنا بهذا الملف منذ اتصلت بنا جمعية التونسيين العالقين بالخارج وأطلعتنا على حيثيات هذا الملف الشائك والخطير، وقد عقدت اللجنة جلسة عمل مع كل من جمعية التونسيين العالقين بالخارج وبعض ذوي هؤلاء الأطفال الذين أمدونا بمعلومات عن حالة كل طفل،خاصّة وأن أحد أقارب هؤلاء الأطفال رفضت والدته منحه ترخيصا لرؤيته أو التكفّل به، وقد اكتشفنا من خلال هذا اللقاء ومن خلال تحرّياتنا أن بعض الأطفال دون هوّية ودون مضمون ولادة، كما أن بعض الأمهات يردن العودة صحبة أبنائهنّ ونظرا لحساسية الملف اتفقنا أن نحاول معالجة هذا الملف بسرّية بعيدا عن الإعلام". وبالنسبة لموقف الدولة التونسية وتحديدا وزارة الخارجية التونسية إن طبيعة الوضع الليبي تعقّد مهمة التفاوض والتسليم باعتبار أن أغلب الأطراف الليبية المتدخّلة في الملف لا تملك الشرعية التي تؤهلها للتفاوض معها باعتبارها تمثّل الدولة الليبية، وتقول خولة بن عائشة "هذه الإجابة الرسمية لم تكن مقنعة بالنسبة لنا كلجنة برلمانية باعتبار أن المتحدّث عنهم في هذا الملف هم أطفال قُصّر وهم في كل حالات ضحايا حتى ولو كان أولياؤهم من الدواعش، وقد راسلنا وزارة الخارجية بخصوص ذلك وأكّدت لنا أنها بصدد التحرّك في هذا الملف ولكن مع ذلك لم تُشرك لجنة التونسيين بالخارج في أي من أعمالها المتعلّقة بقضية هؤلاء الأطفال". كما أكّدت لنا بن عائشة أن بعض الملفات تتطلّب أحكاما قضائية كالأذون على العرائض وتقارير مندوب حماية الطفولة الذي قد يقضي في حالات بانتزاع الحضانة. وبالنسبة للزيارة التي كانت أدّتها رئيسة لجنة التونسيين بالخارج ابتسام الجبابلي رفقة النائب منجي الحرباوي ورجل الأعمال المودع حاليا بالسجن شفيق الجراية، أّكدّت خولة بن عائشة أن تلك الزيارة كانت زيارة حزبية ولا تمثّل اللجنة، مضيفة "عبّر أعضاء اللجنة عن رفضهم لهذه الزيارة وأكّدنا أن ذلك قد يضع الأطفال في خطر وقد يعرّضهم لعملية مساومة باعتبار أن الجهات التي هم في عهدتها تشتكي من ارتفاع مصاريف العناية بهم وخاصّة وأنه كان ضمن الوفد رجل أعمال". وبالنسبة لما أعلنته قوات البنيان المرصوص مؤخّرا حول إمكانية تخليها عن هؤلاء الأطفال واخلاء مسؤوليتها تجاههم قالت بن عائشة إن الأمر بات خطيرا وإن الدولة التونسية عليها أن تأخذ هذه التهديدات على محمل الجدّ وتتدخّل بصفة عاجلة لإنقاذ هؤلاء الأطفال من الخطر المحدّق بهم وحمايتهم بإعادتهم إلى تونس. طمس الحقيقة من بين الأطفال الذين تحدّثت عنهم وسائل الإعلام المحلية والعالمية بإسهاب الطفل براء ابن إحدى التونسيات بسجن معيتيقة وهي وحيدة الدريدي التي كانت تعتقد أن ابنها توفي بعد أن ظلّ بعيدا عنها لمدّة أربعة أشهر خضع خلالها لعدد من العمليات الجراحية بعد أن أصيب برصاصة أثناء عملية القبض على والدته، واليوم يقبع براء في سجن معيتيقة مع 22 طفلا تونسيا، دون أمل قريب في العودة وحول ذلك يقول خاله المنصف العبيدي الذي طالب الجهات التونسية الرسمية وفي أكثر من مرّة تمكينه من استرجاع الطفل براء وإعادة والدته وحيدة الدريدي لينظر القضاء التونسي في ملفها، خاصّة وأن التحريات في ليبيا أثبتت أن لا علاقة لها بالإرهاب وفق ما أفادنا به، ويضيف المنصف العبيدي "براء ووالدته في سجن ميعتيقة تحت إشراف قوات الردع الخاصّة وهذه القوات تعتبر الأطفال التونسيين وأمهاتهن عهدة لديها وترفض تسليمهم دون طلب رسمي". ويضيف محدّثنا "هناك سرّ وراء التونسيين المعتقلين في ليبيا وكأن هناك في تونس من لا يريد عودتهم حتى ولو تمت إحالتهم للقضاء.. نعتقد أن هناك خشية من المعلومات التي بحوزتهم وكأنهم يريدون طمس الحقيقة التي يعرفونها، ففي اتصال هاتفي مع المتحدّث باسم قوات الردع الخاصّة قال لي حرفيا إن القوات بحوزتها معطيات خطيرة تهم الدولة التونسية وقد راسلت في ذلك الجهات الرسمية التونسية ولكنها لم تتفاعل أبدا مع الأمر". منية العرفاوي