قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم الخميس مع إصدارها التقرير العالمي 2013، إن حالة النشوة الغامرة التي أدى إليها الربيع العربي قد أفسحت المجال لتحديات الواقع المتمثلة في بناء نظم ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان. وأضافت أنّه سوف تحدد قابلية الحكومات الجديدة لاحترام حقوق الإنسان ما إذا كانت هذه الانتفاضات قد جلبت معها ديمقراطية حقيقية أو مجرد المزيد من الاستبداد في أشكال جديدة. ويمثّل التقرير الصادر في 665 صفحة السنوي الثالث والعشرين استعراضا لممارسات حقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم، وفيه تلخص المنظمة القضايا الحقوقية الأساسية في أكثر من 90 دولة ومن بينها تونس، وفق ما جاء في بيان صادر عن المنظمة نشرته صباح اليوم على موقعها الالكتروني. فيما يخص أحداث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قالت "هيومن رايتس ووتش" إن تأسيس دولة احترام الحقوق قد تكون مهمة شاقة للغاية تتطلب بناء مؤسسات حُكم رشيد فعالة وإنشاء محاكم مستقلة وتنظيم شرطة احترافية ومقاومة إغراء تجاهل الأغلبية في شتى دول المنطقة لحقوق الإنسان وسيادة القانون. وقالت المنظمة إن صعوبة بناء النظام الديمقراطي لا تبرر السعي للعودة للنظام القديم. وقال "كينيث روث"، المدير التنفيذي ل هيومن رايتس ووتش: "ليس في ما تجلبه الحرية من احتمالات جديدة سبباً للنكوص إلى الحكم الاستبدادي بسبب ما يتسم به من ثبات في سير الأحداث على وتيرة واحدة. دائماً ما يكون الطريق إلى الأمام محفوفاً بالمخاطر، لكن البديل هو تسليم دول بأكملها إلى مستقبل استبدادي مظلم"، وفق نصّ البيان. كما قالت هيومن رايتس ووتش إن التوتر القائم فيما بين حكم الأغلبية واحترام الحقوق ربما كان أكبر تحدٍ تواجهه الحكومات الجديدة. ربما كان قادة الشرق الأوسط بطبيعة الحال متلهفون على ممارسة السلطة بموجب انتصاراتهم الانتخابية الجديدة، لكن عليهم أن يحكموا دون التضحية بالحريات الأساسية أو حقوق الأقليات والمرأة وغيرها من الجماعات المعرضة للخطر. يمكن للدول الأخرى أن تقدم الدعم، بأن تضرب النماذج الجيدة في ممارساتها، وأن تحترم هي بنفسها حقوق الإنسان، وأيضاً من خلال دعم الحقوق دائماً في علاقاتها بالحكومات الجديدة والأطراف الأخرى. قالت هيومن رايتس ووتش إن غض الطرف عن القمع قد يكون مسألة مريحة لأسباب سياسية لكنها تضر كثيراً بالسعي لبناء نظم ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان. وقالت هيومن رايتس ووتش في مقدمة التقرير: " إن الصراع على الدستور المصري الذي يرجح أن يكون الأكثر تأثيراً بين دول المنطقة التي تمر بمراحل التغيير، يُظهر صعوبة حماية حقوق الإنسان. في الدستور بعض العناصر الإيجابية، بما في ذلك الحظر الواضح على التعذيب والاحتجاز القسري. إلا أن هناك بنوداً أخرى في الدستور فضفاضة ومبهمة، عن حرية التعبير والمعتقد الديني والأسرة، ولها تداعيات خطيرة على حقوق المرأة وممارسة الحريات الاجتماعية التي يحميها القانون الدولي. كما يعكس الدستور على ما يبدو التخلي عن أي جهود لفرض السيطرة المدنية على الجيش. وأضافت المنظمة في تقريرها، وفق نصّ البيان" أنه من بين الدول العربية التي تغيرت حكوماتها، يتضح من ليبيا تبعات مشكلة ضعف الدولة، وهي الظاهرة التي تعتبر نتيجة لقرارات معمر القذافي بإبقاء مؤسسات الدولة في حالة من التدهور والتخلف في محاولة لإحباط أي تحدٍ لحُكمه. وعن الوضع في ليبيا، قالت هيومن رايتس ووتش إن خطورة هذه المشكلة تظهر بحدة فيما يتعلق بسيادة القانون؛ فالميليشيات المسلحة تسيطر على أجزاء عديدة من ليبيا وفي بعض الأماكن ترتكب انتهاكات جسيمة مع الإفلات من العقاب. في الوقت نفسه، أضافت أن آلاف الأشخاص ما زالوا وراء القضبان، وجاري احتجاز بعضهم على يد الحكومة وبعضهم الآخر لدى الميليشيات، مع ضعف احتمال اتهامهم قريباً أو مواجهتهم في المحاكم بأية أدلة أو قرائن ضدهم. وفي سوريا، حيث قُتل نحو 60 ألف شخص في القتال الجاري، طبقاً لأحدث تقديرات الأممالمتحدة، قالت المنظمة إنّ القوات الحكومية ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بينما ارتكبت بعض قوى المعارضة بدورها انتهاكات جسيمة، بما في ذلك أعمال تعذيب وإعدام خارج نطاق القضاء. إذا أصدر مجلس الأمن قراراً بإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية فهذا كفيل بإحقاق العدالة لجميع الضحايا وهو الإجراء الكفيل بالمساعدة في ردع وقوع المزيد من أعمال القتل والانتقام الطائفي. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه رغم أن حكومات عديدة تقول إنها تدعم هذا الإجراء، فهي لا تمارس الضغوط العلنية المطلوبة الكفيلة بإقناع روسيا والصين بالتخلي عن سياسة الفيتو الدائم والسماح بإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة. كما توجد حاجة إلى الضغط على المعارضة المسلحة السورية لكي تضع وتلتزم برؤية لسوريا تُحترم فيها حقوق جميع الناس. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه مع اكتساب القوى الإسلامية لانتصارات انتخابية في دول عديدة، أصبحت حقوق المرأة من بواعث الخلاف. يقول بعض المعارضين لحقوق المرأة إن الغرب هو من فرض هذه الحقوق وأنها تتعارض مع الإسلام والثقافة العربية. لا يمنع القانون الدولي لحقوق الإنسان السيدات من الالتزام بأسلوب حياة محافظ أو متدين إن رغبن في هذا. لكن كثيراً ما تلجأ الحكومات إلى فرض قيود على السيدات الساعيات إلى المساواة أو الاستقلالية. إن وصف هذه الحقوق بأنها مفروضة من الغرب لا يعالج أو يخفي القمع عندما تضطر المرأة لتبوء مركز خاضع أو تابع. وقال كينيث روث: "مع تجذر الحكومات التي يهيمن عليها إسلاميون في دول الربيع العربي، فربما لا يوجد موضوع يُعرّف ويؤطر سجل هذه الحكومات المتعلق بالحقوق قدر معاملة المرأة". وأضاف : "كما أن الخطاب الذي يُرى على أنه متجاوز لبعض الحدود يغري من في السلطة في أغلب الأحيان بتقييد حقوق الآخرين. تخضع لذلك تحديداً التصريحات المنتقدة للحكومة أو الإهانات لجماعات بعينها أو الخطاب المسيئ للمشاعر الدينية. قالت هيومن رايتس ووتش إن في هذه الحالات يكون الخطر على حرية التعبير في أقصاه في حال غياب مؤسسات قوية ومستقلة قادرة على حماية الحقوق. يجب على الحكومات ممارسة ضبط النفس وأن تحترم الحق في الخلاف والانتقاد والتعبير عن الآراء التي لا تتمتع بشعبية أو قبول واسع". وقالت هيومن رايتس ووتش إن بإمكان الحكومات تبرير بعض القيود على حرية التعبير، بما في ذلك الخطاب المستخدم في التحريض على العنف. لكن من المهم أيضاً أن تتم السيطرة على من يستخدمون العنف في قمع أو معاقبة الخطاب المغاير. أولئك الذين يتفاعلون بشكل عنيف مع خطاب غير عنيف لأنهم يعترضون على محتواه هم الجناة، وعلى المسؤولين واجب وقف عنفهم لا أن يراقبوا ويحظروا الخطاب المسيئ. قالت هيومن رايتس ووتش إن مشكلة حُكم الأغلبية بلا ضوابط لا تقتصر على العالم العربي. هناك مثال واضح في بورما، حيث أفسح النظام العسكري القائم منذ فترة طويلة المجال أمام حكومة مدنية ذات عقلية إصلاحية. لكن ترددت الحكومة البورمية في حماية الأقليات أو حتى رفض الانتهاكات التي تُمارس ضد الأقليات، والنموذج الأوضح على ذلك هو الاضطهاد العنيف للروهينغيا المسلمين. وبينت هيومن رايتس ووتش أن الانتقال من الثورة إلى نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان هي المهمة الأولى والأساسية للشعوب التي تمر بالتغيير، لكن يمكن للحكومات الأخرى – بل وعليها – أن تكون ذات تأثير واضح. غير أن الدعم الغربي لحقوق الإنسان والديمقراطية في شتى أنحاء الشرق الأوسط كان غير متسق على الإطلاق، كلما كانت المصالح النفطية أو القواعد العسكرية أو إسرائيل على المحك. عدم الاتساق هذا فيما يخص محاسبة المسؤولين المنتهكين للحقوق يغذي مقولات الحكومات القمعية بأن العدل الدولي مسألة انتقائية ونادراً ما تُطبق على حلفاء الحكومات الغربية، كما يقوض من قدرة المحكمة الجنائية الدولية على الردع. وقال كينيث روث: "سوف يحتاج قادة الشرق الأوسط الجدد إلى إظهار تصميم يستند إلى المبادئ إذا كانوا يريدون تحسين حقوق الإنسان في منطقة دأبت على قاومت التغيير الديمقراطي". وتابع: "وسوف يحتاجون إلى دعم متسق ومستمر من الأطراف الخارجية صاحبة التأثير"، وفق نصّ البيان.
تونس في نظر المنظمة أمّا عن تقييم الوضع في تونس، فبينت المنظمة خضوع السلطة القضائية لقرارات وأوامر وزارة العدل في ظلّ غياب هيكل شرعي وتحدثت أيضا عن الاطاحة ببن علي في جانفي 2011، وانتخاب المجلس الوطني التأسيسي لصياغة دستور جديد، على أن تليها انتخابات تشريعية ورئاسية في الفترة القادمة. كما بينت المنظمة تولي "الحزب الإسلامي النهضة" مقاليد الحكم صحبة المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات. وتطرّق تقرير المنظمة إلى مسودة الدستور الذي صاغته مجموعة من اللجان داخل التأسيسي وتعطل صياغته إلى هذه الساعة، مبينة احتواء مسودة الدستور إلى قوانين تقوض حقوق المرأة وكذلك حرية التعبير والفكر. وبين تقرير "هيومن رايتس" وجود محاولات من قبل السلطة التنفيذية لممارسة السيطرة على وسائل الإعلام، ومقاضاة جرائم التعبير، وفشل السلطة في التحقيق ومقاضاة الاعتداءات الجسدية ضد الأفراد المنسوبة إلى من قالت أنّهم "جماعات أصولية". ومن جهة أخرى، تطرقت المنظمة في تقريرها إلى محاكمة قتلة شهداء وجرحى الثورة في المحاكم العسكرية وبينت أسباب تعطلها والتي أرجعتها إلى عدم تحديد المسؤولية، وعدم الكفاءة في مقاضاة كبار المسؤولين إضافة إلى عدم وجود قدرة سياسية لتشديد طلب تسليم بن علي من قبل السلط السعودية. أمّا في ما يهمّ وضع الإعلام في تونس، فبينت المنظمة في تقريرها غياب الإطار القانوني الذي ينظم القطاع وكذلك المرسومين 115 و116. كما تحدّث التقرير عن محاكمة ما بات يعرف بقضية "الزواولة" بسبب رسوم على جدران وتغريم نبيل القروي مدير قناة نسمة بعد عرضه لفيلم "برسيبوليس" ومحاكمة أيوب المسعودي المستشار السابق لرئيس الحكومة. وتطرق التقرير إلى تصريح أدلى به سمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية أكّد فيه أنّ حرية التعبير لها حدود وأنّ الشذوذ الجنسي انحراف يستوجب علاجا. وحول حقوق المرأة في الدستور، بيّن التقرير إمكانية التراجع في مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة باعتبارها مكملا للرجل. وأبرز التقرير العالمي لمنظمة هيومن رايتس تعرّض المثقين والحقوقيين والإعلاميين في تونس إلى اعتداءات جسدية رأت المنظمة أنّها من قبل أطراف محسوبة على تيارات دينية. وأضافت المنظمة أنّ تونس خلال سنة 2012 قد تلقت مساعدات من قبل الاتحاد الأوروبي ومجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة.