كان من المتوقع أن يتم افتتاح السنة القضائية اليوم غير أن بلاغا صادرا عن رئاسة الجمهورية المؤقتة أجّلها إلى أجل غير مسمى معللا ذلك بتزامن الافتتاح مع انطلاق الحملة الانتخابية ... وفي الوقت الذي كانت فيه أشغال إعداد بهو قصر العدالة للحدث قائمة على قدم وساق كانت أروقة ذات القصر تشهد حركية غير عادية حاملة صورتان متناقضتان عن تونس ما بعد الثورة :صورة قلة تتكلم ولا تعمل رافعة شعارات تطالب بتطهير القضاء ومقاطعة افتتاح السنة القضائية ... وصورة من لا يتكلم لكنه يعمل ليلا نهارا لتطهير البلاد من رموز الفساد بما فيهم القضاة في إطار التشاريع والقوانين الجاري بها العمل وفي إطار احترام الذات البشرية وتوفير كل الضمانات للمتهمين عوض إلقاء التهم جزافا على من هب ودب ...تلك الصورة التي انطبعت في الذهن عندما تحوّلت " الصباح نيوز " مساء الخميس الى قصر العدالة حيث ظل قضاة التحقيق ووكلاء الجمهورية يعملون الى ساعة متأخرة من النهار في نبش ملفات تنأى لحملها الجمال ، كيف لا وهي التي تلخص تجاوزات 23 سنة من خرق القانون على يد المخلوع. مساعد وكيل الجمهورية السيد مكرم المديوني واحد من ضمن 17 مساعد لوكيل الجمهورية يعملون منذ الثورة على أكثر من واجهة في ظروف عمل استثنائية وقودها الحركات الاحتجاجية والاعتصامات التي شهدها شارع باب بنات والمحكمة الابتدائية بتونس على امتداد الأشهر المنقضية ، أشهر عاشت فيها البلاد زخما من الحوادث التي تصب كلها في شكل قضايا على مكتب وكيل الجمهورية ، مكرم المديوني التقته " الصباح نيوز " بمكتبه بعد الساعة السادسة مساء حيث لا يزال منكبا على دراسة الملفات والشكايات ... قال معلقا عن ظروف العمل أن كل وكلاء الجمهورية أمضوا الأشهر المنقضية في العمل على امتدد ساعات طوال وقل وندر ان يغادروا المكتب دون أن يحملوا معهم بقية الملفات للسهر معها ليلا ، فزخم الأحداث التي شهدتها البلاد بدءا بحوادث القتل والجرح ، مرورا بالحرق والنهب ،انتهاء لفتح ملفات الفساد وتحجير السفر زد على ذلك حجم العمل العادي جعلت من السنة القضائية سنة استثنائية بأتم معنى الكلمة لم تشهد مثلها رحاب العدالة قط . لكن كان لزاما على النيابة العمومية أن تتهيأ لمواجهة الظرف الاستثنائي من خلال ادخال هيكلة مرنة على نفسها فتم تخصيص ممثلين للنيابة في قضايا الفساد اثنان منهم في الدائرتين الجنائيتين وآخر في الدائرة الجناحية وجميعها دوائر مختصة في نفس الملفات ..وبالتوازي تم تخصيص 4 مساعدين لوكيل الجمهورية يمثلون النيابة في الطور التحقيقي في الشكاوى المتأتية من لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة ومن وزارتي أملاك الدولة والمالية ومن بعض المحامين ... لكن كم ترى بلغ حجم هذه القضايا المفتوحة ، عن هذا يجيب محدثنا بالقول أن العدد يناهز ال 1800 قضية تحقيقية ورد زهاء ال 300 منها عبر لجنة تقصي الحقائق والبقية وردت في شكل شكايات من المواطنين أو من طرف بعض المحامين ،وعن هوية المشتكى بهم قال محدثنا أنها تختلف إذ يوجد بن علي وزوجته وأقاربه وأصهاره على رأس القائمة ثم يوجد وزراء سابقون ورؤساء مديرون عامون لمؤسسات عمومية وبنوك ومسؤولون بوزارات ورجال أعمال وتتعلق التهم أساسا بالفساد المالي واستغلال النفوذ للحصول على منافع لا وجه لهم فيها .غير أن هذا الكم الهائل من القضايا يوازيه نزر قليل من قضايا النهب والحرق التي جدت إبان الثورة إذ لم تصل محكمة تونس الا زهاء الخمسين قضية في حين يفترض العدل أن يعامل الفاسدون والناهبون والحارقون لممتلكات الغير على قدم المساواة على مستوى آخر أفادنا محدثنا أن عدد تحجير السفر ارتفع الى أكثر من 450 تحجير منذ فتح القضايا التحقيقية حول الفساد المالي ....وردا عن تساؤلات أكثر من جهة حول عدم مبادرة النيابة بفتح تحقيقات وانتظار أن ترد عليها الشكايات قال محدثنا أن دور النيابة تحدده فصول قانونية تنظم هيكلتها ووظائفها ومنها تقرير الشكايات التي يتلقاها وكيل الجمهورية أو التي تنهى إليه وبالتالي فانه من غير صلاحياته إثارة القضايا دون شكايات أو إعلامات