ستعقد المحكمة الابتدائية بقابس غدا الثلاثاء، أولى جلسات الدوائر الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بقضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، المحالة عليها من هيئة الحقيقة والكرامة، وفق ما أعلنته جمعية القضاة التونسيين. وأفادت الجمعية في بلاغ لها اليوم الإثنين، بأن الجلسة التي ستنعقد غدا تتعلق بقضية الاختفاء القسري للضحية كمال المطماطي، وذلك طبقا للقانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المتعلق بارساء العدالة الانتقالية وتنظيمها. وكانت هيئة الحقيقة والكرامة أعلنت بداية مارس الماضي، إحالة أول ملف على الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الإنتقالية، حيث تولى وفد من مجلس الهيئة تقديم الملف إلى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بقابس، أين توجد دائرة قضائية متخصّصة في العدالة الإنتقالية، مبينة أن الملف الذي يشمل 14 مشتبها فيه، يتعلق بانتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان وبجرائم ضد الانسانية تمثلت في حالة إختفاء قسري. وقد عرضت الهيئة قضية الضحية كمال المطماطي في أولى جلسات الاستماع العلنية التي نظمتها في 17 نوفمبر 2016، باعتبارها قضية اختفاء قسري، ليتبين بعد التقصي أنها جريمة قتل تحت التعذيب لمواطن تونسي جدت أحداثها في أكتوبر1991، وقد تم آنذاك إيهام أفراد عائلته بأنه على قيد الحياة. ولم تتأكد معلومة وفاته إلا سنة 2009، ومما ضاعف حسرة وحرقة عائلته ووالدته بالخصوص هو أن قبره لا يزال مجهولا، ولم يتم إلى اليوم تسلم جثته. وقد كان الضحية كمال المطماطي، يشتغل زمن الواقعة، مهندسا بشركة الكهرباء والغاز بقابس، وفق ما روته زوجته أثناء جلسة الاستماع التي قالت إنه تم القبض عليه واقتياده إلى مركز الأمن بالجهة، ولا يعرف منذ ذلك اليوم مكان وجوده. غير أن الغريب في الأمر، في رواية الزوجة، هو أن أعوان الأمن ظلوا يطالبون أفراد عائلته طيلة 3 سنوات بجلب ملابس نظيفة له وأكل، موهمين إياهم بأنه موقوف وعلى قيد الحياة، فيما كان الضحية (وفق المعلومات اللاحقة) في عداد الأموات منذ الليلة الأولى لتوقيفه، بعد تعرضه للتعذيب والضرب. كما تطرقت زوجته إلى الهرسلة والتعذيب النفسي اللذين طالا أفراد عائلته، إذ استمرت التحقيقات معهم سنوات طويلة. ومن أوجه التضييقات التي طالت الزوجة، كونها أجبرت لفترة طويلة على الإدلاء بوجهتها لمنطقة الأمن في كل مرة تغادر فيها بيتها. وطالبت زوجة الضحية بتكريم جثة زوجها ومحاسبة قتلته. ولم تشفع الشيخوخة لوالدة المطماطي، التي نالت بدورها من الألم نصيبا، حيث جابت من أجله عديد المراكز الأمنية والسجون في كافة جهات البلاد بحثا عنه، الأمر الذي حدا بها إلى التوجه للعاصمة أين قضت 4 سنوات تبحث عن ابنها، مشتغلة في البيوت كمعينة منزلية لتعيل نفسها وعائلتها. وذكرت في شهادتها أنها اتصلت خلال إقامتها بالعاصمة بالمنظمات الحقوقية، وحاولت الاتصال بقصر الرئاسة بقرطاج لعرض ملف ابنها، غير أنها قوبلت بالتجاهل وحتى ب"الإهانة"، وفق قولها. يذكر أن القيادي بحركة النهضة والنائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب عبد الفتاح مورو، كان قد صرح في شهادة لإحدى القنوات الإخبارية أنه لما سأل عن المطماطي تم إشعاره من بعض المقربين من أفراد الشرطة الذين قاموا بالعملية، أن جثته تم وضعها في خرسانة كانت بصدد البناء لإقامة أحد الجسور. يشار إلى أنه حسب الفصل 7 من قانون العدالة الانتقالية، فإن إحالة الملفات على الدوائر القضائية المختصة تتيح المساءلة والمحاسبة، مما يمثل ضمانا لعدم التكرار. وقد تم إحداث 13 دائرة قضائية متخصّصة في العدالة الانتقالية في كل من تونس وسوسة وصفاقس وقابس والقصرين وسيدي بوزيد وبنزرت والكاف وقفصة والقيروان ومدنين والمنستير ونابل.(وات)