أعلن أمس الفريق الأول وقائد أركان الجيوش الثلاثة، رشيد عمار، انه تقدم بطلب كتابي إلى رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي لإعفائه من الخدمة وأضاف ،رشيد عمار ، أن رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي قبل الاستقالة. وتعليقا على الموضوع ولقراءة مختلف جوانب ودلالات استقالة رشيد عمار وتصريحاته التي أدلى بها أمس على قناة التونسية، أوضح لل"الصباح نيوز" علية العلاني المحلل السياسي والخبير في التنظيمات الإسلامية ان إعلان رشيد عمار انسحابه من الحياة العسكرية كقائد للأركان له 3 دلالات تتمثل الدلالة الأولى لاسقالة رشيد عمار في انه ينوي التفرغ للحياة الخاصة بعد ان تجاوز سن التقاعد منذ 2006 كما جاء في تصريحه لكن في الكثير من الحالات نجد بعض الجنرالات ممن تجاوزوا سن التقاعد يواصلون الخدمة العسكرية اذا كانت أوضاع بلادهم تقتصي ذلك. اماّ الدلالة الثانية فتتمثل في ان اصرار رشيد عمّار على التقاعد فيه رسالتين الاولى امنية عسكرية والثانية سياسية. فبالنسبة للرسالة الامنية العسكرية، اراد من خلالها رشيد عمار ان يعبر عن تخوفه من "صوملة" تونس بعد ان اصبح للجهاديين قدم راسخة في البلاد في فترة معينة من خلال تخزينهم للأسلحة وتنظيم للتدريبات وتخطيطهم للانقضاض على الحكم ، ولكن الامر المسكوت عنه في حوار رشيد عمار ليلة امس على قناة التونسية هو هل هناك اطراف ساهمت بسياستها الخاطئة في ان يصبح الجهاديون يشكلون خطرا على تونس؟ ومن كان يغض الطرف عن هؤلاء الجهاديين؟ وبالنسبة للرسالة السياسية، للاستقالة قال محدثنا انها تتمثل في ان رشيد عمار ربما كان ينتظر الى ما بعد الانتخابات القادمة اذ كان يتصور ان الاحزاب التي امضت على بيان بقائها في الحكم وفي المجلس الوطني التاسيسي لمدة سنة واحدة ستلتزم بهذا الموقف ويصبح تنحيه من اجل التقاعد تتويجا لحلمه في وضع تونس على سكة الدول الديمقراطية بعد ان حماها من خطر السقوط في المجهول. وفيما يتعلق بالدلالة الثالثة فتتمثل في ان رشيد عمار - وهو ما يفهم من حواره- انه بدأ يفقد ثقته في الطبقة السياسية الحالية التي عجزت لحد الان عن وضع خارطة طريق نهائية لتاريخ الانتخابات والدستور خاصة في ظل اخبار تتحدث عن مرحلة انتقالية ثالثة ب3 سنوات ستمدد من عمر الطبقة الحاكمة الحالية ذات المردود الضعيف والعاجزة عن لم شمل التونسيين حول مجتمع الديمقراطية والرفاه الاقتصادي والاجتماعي. وقد عبر رئيس الاركان الثلاثة عن مرارته من عدم الاخذ بمقترحه في انشاء حكومة تكنوقراط اثر اغتيال شكري بلعيد والتي رفضها الغنوشي بقوة. كما ان اصراره على التقاعد يفهم منه كذلك ان مشوار الاصلاحات السياسية الحقيقة مازال يطول وفي مقدمته دستور مدني لا يفتح مسالك للعودة الى الاستبداد ويسعى الى سن قوانين للوئام الوطني لا للعزل السياسي مما يجعل من الانتخابات القادمة حلما كالسراب ومن مؤسسات ديمقراطية مدنية ثابتة مطلبا صعب التحقيق في الفترة الحالية والاشهر القادمة. ويرى العلاني من خلال تصريحه لل"الصباح نيوز" ان إصرار رشيد عمار على التقاعد هو احتجاج على وجود انسدادات خطيرة تضع البلاد واقتصادها وديمقراطيتها الناشئة على حافة الخطر مؤكدا في نفس السياق ان رسالته موجهة بالاساس الى الترويكا الحاكمة وفي مقدمتها حركة النهضة وكذلك الى بعض الاحزاب التي بدأت تساوم على بعض المناصب قبل الانتخابات القادمة عوض الدفاع عن مشروع مجتمعي يقطع مع ما يحضر له من طرف بعض الأحزاب والتيارات الدينية لفرض نمط مجتمعي معين. وذهب محدثنا الى ابعد من ذلك حيث اعتبر تقدم عمار باستقاله ربما يكون كذلك نتيجة فهمه لغياب التناغم بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الحكومة حيث انطلق المشكل بينهما منذ تسليم البغدادي المحمودي اخر رئيس وزراء في عهد القدافي الى ليبيا وتواصل المشكل بين المؤسستين حول مسالة الدستور وابداء المنصف المرزوقي لرايه حوله. وإجمالا شدد العلاني على ان رشيد عمار نجح في إبلاغ تحذيره وان المسالة الان ليست في تنحيه أو تقلد شخص آخر للمسؤولية بدله بل في فهم الطبيعة السياسية للتحذير البليغ الذي أطلقه رشيد عمار كما أفاد محدثنا انه يمكن للشعب التونسي ان يطمأن لان القيادات العسكرية السامية في تونس بعيدة إلى حد الآن عن التجاذبات السياسية والحزبية وهو ما يجب ان يقع التمسك به بقوة. وذلك احتراما لتقاليد المؤسسة العسكرية التونسية منذ ما يزيد عن نصف قرن واكد العلاني ان القيادات العسكرية ستنجح في الاقتراح ثم الالتفاف حول خلف جديد لمنصب رشيد عمّار وان التاريخ سيذكر لهؤلاء الرموز أياديهم البيضاء على الثورة التونسية . وفيما يتعلق بإدلاء رشيد عمار لتصريح تلفزي باعتباره رئيسا لأركان الجيوش الثلاثة وكان من المفروض احترام واجب التحفظ، أوضح علية العلاني ان إدلاء رشيد عمار بجملة من المعلومات المفصلة تتجاوز المسؤولية العسكرية في التحفظ. وأضاف ان تصريحه دليل على انه مصّر على التقاعد وعلى عدم الرجوع الى المسؤولية العسكرية وقال محدثنا: اعتقد ان هناك الكثير الذي لم يقله رشيد عمار وربما سيطلع الناس عليه من خلال مذكراته القادمة ويعتقد محدثنا ان رشيد عمار لن يدخل النشاط السياسي مستقبلا.