مع الشروق .. قمّة بكين ... وبداية تشكّل نظام دولي جديد    انطلاقا من غرة جوان: 43 د السعر الأقصى للكلغ الواحد من لحم الضأن    رئيس الحكومة يستقبل المدير العام للمجمع السعودي "أكوا باور"    توقيع مذكرة تفاهم تونسية سعودية لتطوير مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس    شهداء وجرحى في قصف لقوات الاحتلال على مدينة غزة..    بطاقتا إيداع بالسجن ضد أجنبيين تورّطا في تنظيم عمليات دخول أفارقة لتونس بطرق غير نظامية    بداية من اليوم: خدمة جديدة للمنخرطين بال'كنام' والحاصلين على الهوية الرقمية    صفاقس: إيقاف 21 افريقيا وصاحب منزل أثر معركة بالاسلحة البيضاء    جنيف: وزير الصحة يؤكد أهمية تعزيز قدرات الدول الإفريقية في مجال تصنيع اللّقاحات    عاجل/ هذا ما قرّرته 'الفيفا' بشأن المكتب الجامعي الحالي    وزارة الصناعة: توقيع اتفاقية تعاون بين أعضاء شبكة المؤسسات الأوروبية "EEN Tunisie"    مفقودة منذ سنتين: الصيادلة يدعون لتوفير أدوية الإقلاع عن التدخين    كلاسيكو شوط بشوط وهدف قاتل    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    بالفيديو: بطل عالم تونسي ''يحرق'' من اليونان الى إيطاليا    مراسم استقبال رسمية على شرف رئيس الجمهورية وحرمه بمناسبة زيارة الدولة التي يؤديها إلى الصين (فيديو)    عاجل/ فرنسا: إحباط مخطّط لمهاجمة فعاليات كرة قدم خلال الأولمبياد    وزارة المرأة تحذّر مؤسسات الطفولة من استغلال الأطفال في 'الشعوذة الثقافية'    بن عروس: حجز أجهزة اتصالات الكترونيّة تستعمل في الغشّ في الامتحانات    بطاقة إيداع بالسجن ضدّ منذر الونيسي    مجلس نواب الشعب: جلسة استماع حول مقترح قانون الفنان والمهن الفنية    رئيس لجنة الفلاحة يؤكد إمكانية زراعة 100 ألف هكتار في الجنوب التونسي    المنتخب الوطني يشرع اليوم في التحضيرات إستعدادا لتصفيات كأس العالم 2026    النادي الصفاقسي في ضيافة الاتحاد الرياضي المنستيري    الرئيس الصيني يقيم استقبالا خاصا للرئيس قيس سعيّد    قبلي : تنظيم اجتماع تشاوري حول مستجدات القطاع الثقافي وآفاق المرحلة القادمة    وزير التعليم العالي: نحو التقليص من الشعب ذات الآفاق التشغيلية المحدودة    عاجل/ حريق ثاني في حقل قمح بجندوبة    مستشفى الحبيب ثامر: لجنة مكافحة التدخين تنجح في مساعدة 70% من الوافدين عليها على الإقلاع عن التدخين    منظمة الصحة العالمية تمنح وزير التعليم العالي التونسي ميدالية جائزة مكافحة التدخين لسنة 2024    صفاقس: وفاة امرأتين وإصابة 11 راكبا في اصطدام حافلة ليبية بشاحنة    تطاوين: البنك التونسي للتضامن يقرّ جملة من التمويلات الخصوصية لفائدة فلاحي الجهة    بمشاركة اكثر من 300 مؤسسة:تونس وتركيا تنظمان بإسطنبول أول منتدى للتعاون.    رولان غاروس: إسكندر المنصوري يتأهل الى الدور الثاني لمسابقة الزوجي    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    آخر مستجدات قضية عمر العبيدي..    الانتقال الطاقي: مشروع للضخ بقدرة 400 ميغاواط    انتخاب التونسي صالح الهمامي عضوا بلجنة المعايير الصحية لحيوانات اليابسة بالمنظمة العالمية للصحة الحيوانية    رولان غاروس: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة 34 عالميا    حادث مروع بين حافلة ليبية وشاحنة في صفاقس..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    بعد الظهر: أمطار ستشمل هذه المناطق    جبنيانة: الإطاحة بعصابة تساعد الأجانب على الإقامة غير الشرعية    الرابطة المحترفة الأولى: مرحلة تفادي النزول – الجولة 13: مباراة مصيرية لنجم المتلوي ومستقبل سليمان    الأوروغوياني كافاني يعلن اعتزاله اللعب دوليا    عاجل/بعد سوسة: رجة أرضية ثانية بهذه المنطقة..    إلغاء بقية برنامج زيارة الصحفي وائل الدحدوح إلى تونس    تونس والجزائر توقعان اتفاقية للتهيئة السياحية في ظلّ مشاركة تونسية هامّة في صالون السياحة والأسفار بالجزائر    بنزرت: الرواية الحقيقية لوفاة طبيب على يدي ابنه    الإعلان عن تنظيم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024    منبر الجمعة .. لا يدخل الجنة قاطع صلة الرحم !    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    شقيقة كيم: "بالونات القمامة" هدايا صادقة للكوريين الجنوبيين    محكمة موسكو تصدر قرارا بشأن المتهمين بهجوم "كروكوس" الإرهابي    مدينة الثقافة.. بيت الرواية يحتفي ب "أحبها بلا ذاكرة"    الدورة السابعة للمهرجان الدولي لفن السيرك وفنون الشارع .. فنانون من 11 بلدا يجوبون 10 ولايات    عندك فكرة ...علاش سمي ''عيد الأضحى'' بهذا الاسم ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهاجرون غير نظاميّون زمن الكورونا..دروب الآلام لا تنتهي في تونس !!
نشر في الصباح نيوز يوم 02 - 12 - 2020


تحقيق: تبر النعيمي
"فقدت ثلاثة توائم لأنني لم أستطع إنقاذهم في الوقت المناسب " تتحدث "ماري" (إسم مستعار) 38 سنة و هي تتأوه من الألم و تتصبب عرقا من شدة الحرّ في شهر أوت القائظ ، فلم يمض على إجهاضها سوى أيام معدودات " كنت في الشهر الثاني من الحمل حين ظهرت الكورونا في تونس ( مارس 2020)، استبدت بي الآلام في أحد الأيام، ذهبت إلى مصحة خاصة لكنهم رفضوا استقبالي، و لم يستقبلوني في مستشفى عمومي و انتهيت إلى العلاج عند طبيب نساء و توليد ". و تضيف ماري" يوم العاشر من جويليية حصلت لي مضاعفات توجهت على إثرها إلى مستشفى عمومي لكنهم لم يستقبلوني إلا بوساطة، مكثت في المستشفى خمسة أيام لأفقد إثرها ثلاثة توائم في عمر الستة أشهر تقريبا".
تعجز "ماري" عن السيطرة على غضبها و تحمّل مسؤولية فقدان توائمها إلى المؤسسات الصحية التي عاملتها معاملة "عنصرية" حسب تقديرها و استهانوا بحالتها الحرجة و لم يقدموا لها الإسعافات اللازمة في الوقت المناسب !!
"ماري" عاملة المنازل القادمة من الكوت ديفوار منذ سنة و شهر، تقيم بشكل غير قانوني مع حوالي إثني عشر شخصا من أبناء بلدها في منزل لم تنته أشغال تهيئته، في ضاحية البحر الأزرق من العاصمة تونس.
بحث عن الأمان على هامش المجتمع !!
" البحر الأزرق" حي شعبي متاخم لأحد أرقى أحياء الضاحية الشمالية للعاصمة "المرسى" ، حيث أكبر تجمّع للمهاجرين القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء و جلّهم غير نظاميين. هنا يخرجون في مجموعات لقضاء شؤونهم خشية الاعتداءات التي يتعرضون لها بشكل يومي و كادت تودي بحياة أحدهم مؤخرا . يحدثني " ألان" و هو يرافقني عند مغادرتي الحي أن منسوب العنف ضدهم ما انفك يرتفع حتى فقدوا الأمان بسبب عنصرية بعض التونسيين. و لكن هذا لا يحجب طيبة الشعب التونسي عموما و خاصة الدعم و المساندة التي وجدوها زمن الكورونا حسب قوله .
الكورونا التي جعلت الكثير منهم يفقدون موارد رزقهم و لولا الهبات من المواطنين و المساعدات من المنظمات و الجمعيات لكانت حالتهم أسوأ ، يقول "بوريس" (اسم مستعار) زوج ماري ( 47 سنة) الذي يعيش البطالة منذ شهر. هو الذي التحق منذ إحدى عشر شهرا بأخيه المقيم في تونس بحثا عن مورد رزق لإعالة أبنائه الخمسة الذين تركهم في الكوت ديفوار . اشتغل في شركة لغسل السيارات في منطقة سكرة لمدة ثمانية أشهر لكن حصل عطب تقني بالآلة لتكون تلك تعلّة صاحب الشركة لطرده بل و الامتناع عن دفع راتبه للشهر الأخير .
و رغم حالة الخصاصة التي يعيشها في ظل بطالته و بطالة زوجته مع فقدانهما ثلاثة توائم لا يرغب إيميلي و لا زوجته في مغادرة تونس بل يأملان في الحصول على الإقامة القانونية و الاستقرار بها .
عدد مجهول.. معاناة معلومة !!
و تضاعف عدد المهاجرين من دول جنوب صحراء إفريقيا إلى تونس بعد ثورة 2011 و خاصة من الكوت ديفوار، جلّهم يدخلون إليها بطريقة نظامية (بتأشيرة) لتتحول إلى غير نظامية عند انتهاء مدة الإقامة القانونية (المحددة عادة بثلاثة أو بستة أشهر) . كما تضاعف عدد الوافدين إليها من ليبيا بعد الثورة الليبية متسللين عبر الحدود الصحراوية أو بعد إنقاذهم و هم في طريقهم إلى أوروبا عن طريق البحر .
و هذا ما صعّب عملية إحصائهم ، فحسب المرصد الوطني للهجرة يبلغ عددهم 12 ألف من بين 53 أجنبي مقيمين في تونس . فيما يؤكد رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة بتونس عزوز السامري أن عدد الأجانب بها يقدر بحواي 60 ألف مع تأكيده على صعوبة تحديد أعداد المهاجرين غير النظاميين ، مبينا أن المنظمة بصدد الاشتغال مع السلطات التونسية للقيام بدراسات تمكن من تحديد أرقام أقرب إلى الصواب خاصة و أن أزمة الكورونا بينت الحاجة لهذه الدراسات حتى تعكس واقع المهاجرين في البلاد .
و تبيّن حنان بلقاسم المسؤولة عن متابعة جائحة الكورنا بالمنظمة الدولية للهجرة بتونس، أن المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء المقيمين بتونس هم أساسا من الكوت ديفوار و الكونغو والكاميرون و السينغال و التشاد و مالي و كونغو كينشاسا و غينيا كوناكري. و تضيف أن أغلبهم مقيمون بطريقة غير نظامية (باستثناء الطلبة) و فقد الكثير منهم موارد رزقهم خلال أزمة الكورونا و خاصة خلال الحجر الصحي العام بالبلاد و حتى بعده بسبب الأزمة الاقتصادية .
و وضعت المنظمة الدولية للهجرة رقما أخضر على ذمة هؤلاء المهاجرين للاتصال و طلب المساعدة ، و قدمت مساعدات مالية و عينية بالتعاون مع السلط المحلية و الجمعيات و المواطنين . هذا إضافة إلى الرعاية الصحية و النفسية و الاستشارات القانونية، و حملات تحسيسية لمكافحة الوباء إذ أن وسائل الإعلام التونسية تبث ومضاتها التحسيسية أساسا باللغة العربية ما صعّب عملية التواصل معهم .
و منذ بداية الجائحة بالبلاد في مارس 2020 و إلى حدود 10 سبتمبر من السنة نفسها انتفع أكثر من 16400 مهاجر بمساعدات المنظمة . تقول حنان بلقاسم " قد يكون لأزمة الكورونا وجه إيجابي أيضا، فقد جعلتنا نصل إلى أكبر عدد ممكن من المهاجرين، هذه المرة نحن من ذهبنا إليهم فعادة هم الذين يتصلون بنا . قربنا منهم أكثر في الأحياء التي يقطنوها، و تعرّفنا عليهم و على مشاغلهم، إذ نتلقى يوميا حوالي 200 مكالمة هاتفية ما ساعدنا على معرفة جغرافية إقامتهم في البلاد ".
و كذلك خصّص الاتحاد العام التونسي للشغل فضاءات للمهاجرين زمن الكورونا في جهات تونس و سوسة و صفاقس و مدنين يلجؤون إليها وقت الحاجة . و يؤكد راضي بن حسين منسق هذه الفضاءات أن وضعية المهاجرين غير النظاميين هشة ، فهم محرومون من الإقامة القانونية و من عقود عمل . و في فترة الكورونا زادت وضعيتهم تأزما إذ فقد الكثير منهم موارد رزقهم ما سبّب مشاكل على مستوى التغذية و السكن خاصة . حتى أن هناك من وجدوا أنفسهم في الشارع بعد طردهم من قبل مالكي المنازل التي عجزوا عن سداد معاليم إيجارها .
و يضيف محدثنا " تم التدخل لحل مشاكلهم في مرات عديدة خاصة على مستوى خلاص أجورهم من قبل أرباب العمل و استخلاص فواتيرهم . و تم بالتعاون مع البلديات خلاص معاليم إيجار سكناهم إضافة إلى مبادرات تضامنية بالتعاون مع الجمعيات . و تدخّلنا لدى المستشفيات الجهوية و حتى مصحات خاصة للتكفل بالحالات الصحية (ولادات، عمليات جراحية) ، كما تدخلنا لفائدة مهاجرين كانوا سيرحّلون خارج الحدود " .
الكورونا .. بداية الغيث للتغيير
و لا ينفي راضي بن حسين العمل الكبير الذي ينتظر الاتحاد العام التونسي للشغل في ملف المهاجرين، حتى أن الاتحاد قرر تمكينهم من الانخراط صلبه لتكون لهم نقابات تدافع عنهم و تضمن حقوقهم في تونس . و يصف بن حسين الإطار التشريعي التونسي بغير الملائم إذ تمنع مجلة الشغل تشغيل الأجانب إلا في حالات استثنائية و بترخيص من وزارة التشغيل ، و كذلك لا يتمتعون بالإقامة إلا في حالات استثنائية . مؤكدا أن عدد المهاجرين غير النظاميين في تونس أصبح هاما و يجب أن يتأقلم القانون مع هذا الواقع . فهم يساهمون ، حسب قوله، في الدورة الاقتصادية لكن الدولة ما تزال تغض الطرف عن وجودهم .
و تؤكد نعيمة الهمامي الأمينة العامة المساعدة المسؤولة عن العلاقات الدولية و العربية و الهجرة بالاتحاد العام التونسي للشغل، أن الاتحاد يؤمن بحقوق الإنسان الكونيّة و هذا مضمّن بنظامه الداخلي و مؤتمراته و شعاراته "لذلك نحن ندافع عن المهاجرين، و قد طالبنا بضرورة تسوية وضعياتهم لكن عدم استقرار الحكومة عطّل مسارات التفاوض " و تضيف أنه و منذ سنة 2014 تم إرساء شبكة خاصة بالهجرة و هي الشبكة النقابية الأورومتوسطية جنوب الصحراء و تضم شمال إفريقيا و إفريقيا الصحراوية و أوروبا الجنوبية، و تهدف أساسا إلى الدفاع عن المهاجرين و إيجاد حلول لمشاكلهم .
و تمخضت عن الشبكة لائحة كازبلانكا و أسند التنسيق للاتحاد العام التونسي للشغل منذ 2014 . و تضم الشبكة 17 بلدا و 30 منظمة نقابية تعمل على أن لا تبقى المقاربة الدولية للهجرة حمائيّة فقط و إنما حقوقيّة أيضا "فنحن نفتقد إلى وعي عالمي بحقوق المهاجرين ".
و لأن تونس أصبحت حديثا وجهة لاستقرار المهاجرين بعد أن كانت فقط بلد عبور، فإنها لم تسن بعد قانونا أساسيا خاصا بالهجرة و ينظم إقامة الأجانب في تونس القانون عدد 7 لسنة 1968 مؤرخ في 8 مارس 1968 يتعلق بحالة الأجانب بالبلاد التونسية والقانون عدد 40 المؤرخ في 14 ماي 1975 المتعلق بجوازات السفر ووثائق السفر.
كما لم تصادق تونس على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتشغيل المهاجرين و أبرزها الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، رغم أن تونس أمضت على مواثيق دولية تخص الهجرة من بينها بروتوكول بلارمو الذي ينص على منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية و التي صادقت عليها تونس سنة 2002 و هذا يبين أن تونس ما تزال تتعاطى مع الهجرة أمنيا بدرجة أولى !!
تضامن اجتماعي و فراغ تشريعي
و عرّى فيروس كورونا الواقع البائس للمهاجرين غير النظاميين في تونس في ظل غياب قوانين تحميهم، لكن و كما أن الأزمات تخرج أسوأ ما في المجتمعات فإنها تخرج أجمل ما فيها أيضا، يقول عماد الزواري مدير حملة "مازال" التي ينظمها المعهد العربي لحقوق الإنسان بالشراكة مع منظمة التعاون السويسري بتونس . و "مازال" (من اللهجة التونسية) تعني أن عدوى الكورونا ما تزال متفشّية و أنه ما تزال هناك أمور كثيرة يجب القيام بها لفائدة المهاجرين و اللاجئين حتى تتحقق الكرامة للجميع .
و لا يخفي الزواري الوضعيات الإنسانية الصعبة في صفوف المهاجرين ، مطالبا الدولة التونسية بحماية حقوقهم مثلما تدافع عن حقوق أبنائها في بلدان أجنبية . و أكد أن الأرقام غير دقيقة بشأن المهاجرين في تونس و لكن الدولة تقدم سنويا 5500 تصريح عمل و إقامة للأجانب ، 51 بالمائة منهم أوروبيون و 30 بالمائة عرب و مغاربة و 14 بالمائة آسيويين و أقل من 8 بالمائة من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء .
و يقدّر محدثنا عدد المهاجرين غير النظاميين بتونس بين 20 ألف و 30 ألف تقريبا بجنسيات مختلفة، مؤكدا أنه ليس بالعدد الكبير حتى يؤثر سلبا على المجتمع أو الاقتصاد كما يتخوّف البعض في حين تضمن تسوية وضعياتهم عيشهم بكرامة .
و رغم انتفاعهم بالخدمات الصحية في المؤسسات الاستشفائية العمومية فإن المهاجرين غير النظاميين يخشون الالتجاء إليها خوفا من الإبلاغ عنهم و ترحيلهم زمن الكورونا و خاصة في الحجر الصحي العام . و تعرض العديد منهم إلى تعكرات صحية هددت حياتهم و اضطرت إحداهن إلى الولادة في شرفة منزل و ظلت هناك ثلاثة أيام حسب عماد الزواري . و هذا ما دفع الحكومة التونسية إلى اتخاذ إجراءات استثنائية لصالح المهاجرين من بينها تعليق احتساب الآجال القانونية للإقامة بتونس ابتداء من غرة مارس 2020 وإلى غاية انقضاء الموجب على المستوى الوطني والبلدان الأصلية للمقيمين، فضلا عن تعليق احتساب آجال انقضاء تأشيرة الدخول للبلاد التونسية والتمديد فيها والآثار المالية المترتبة عن ذلك إلى غاية انقضاء الموجب.
و هذا ما شجعهم على الخروج للانتفاع بالخدمات الصحية و من المنظمات التي تعمل على تسهيل نفاذهم إليها "أطباء العالم" التي انتصبت بتونس منذ سنة 2015 و لها فروع بالعاصمة و صفاقس و مدنين .
و تقول إيناس عوادي المسؤولة عن الحماية بالمنظمة، إن 80 بالمائة من الذين التجأوا إليهم هن نساء و 80 من هؤلاء النساء من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. و تمت مساعدتهم عن طريق الهاتف و بشكل مباشر عبر العيادات المتنقلة . كما أبرمت المنظمة اتفاقيات مع صيدليات و مخابر و مراكز تصوير بالأشعة حتى ينتفع المهاجرون بخدماتها بشكل مجاني .
مبادرات من المنظمات و الجمعيات و المواطنين أعادت الطمأنينة و الأمان إلى نفوس المهاجرين غير النظاميين فخرجوا من ديارهم و عادوا إلى حياتهم اليومية خاصة في الأحياء الشعبية المتاخمة للعاصمة حيث يقطنون بشكل جماعي بحثا عن الأمان .
و تعد "دار فضّال" من بين هذه الأحياء حيث يلحظهم المار من هنا و هم يمشون في الشوارع جماعات، أو يتجمعون في الأنهج أمام المنازل التي استأجروها و الهاربين من غرفها الحارة إلى نسائم المساء الصيفي . في هذا الحي و في الطابق الأرضي لأحد المنازل استقرت " ليا ساندرين " هي و زوجها بغرفة مع ابنتهما المولودة الجديدة . في حين استقرت بالغرفة الأخرى مواطنتين من بلدها الكوت ديفوار .
كنت قد وصلت لمنزلها للتو حين استفاقت ابنتها من النوم و ما إن أكملت إرضاعها حتى نزلت فتاة من الطابق العلوي و أخذت الرضيعة بلهفة و فرح . أحست " ساندرين" بفضولي و حدثتني أن الفتاة إبنة صاحبة المنزل الذي تستأجره، وهي تناديها "ماما" ( كما ينادي التونسيون أمهاتهم ) لشدة محبتها لها، فهي التي كانت سندها في أوقات شدتها حين كانت عاطلة عن العمل هي و زوجها خاصة زمن الحجر الصحي العام حتى أنها أطلقت إسمها "مليكة" على مولودتها "فلا شيء أملكه حتى أهبه إياها لذلك سميت إبنتي باسمها ردا للجميل كما في عرف بلادي، فأنا أقيم هنا منذ ثلاث سنوات و لم أصادف أطيب منها إنها بمثابة أمّا لي و أكثر" تتحدث بتأثر كبير .
منذ ثلاثة أسابيع أنجبت "ليا ساندرين" طفلة ، و اضطرت للتوقف عن العمل مربية أطفال بسبب حملها . و في بداية الكورونا و بسبب الحجر الصحي الشامل اضطر زوجها أيضا للتوقف عن العمل في شركة للأثاث . اليوم صارت الأمور أحسن بعد عودة زوجها إلى العمل و تأمل أن تعود هي أيضا لعملها في أقرب الآجال يحدوها أمل في أن يكون الآتي أفضل .
تبتسم و هي تلوّح ببطاقة علاج "مليكة" التي تهبها الدولة التونسية للأطفال على أرضها دون تمييز . فقد صادقت تونس على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل منذ سنة 1991 ، كما أن الدستور و القوانين (مجلة حقوق الطفل خاصة) تضمن حماية كل طفل على أراضيها و رعايته .
الحياة أرحم .. على الحدود الليبية
بعيدا عن العاصمة بحوالي 450 كلم و تحديدا بولاية مدنين يستقر العدد الأكبر من المهاجرين مقارنة ببقية الجهات، هنا يصل من كان محظوظا بعد إنقاذه من الغرق في البحر أثناء الهجرة السرية إلى أوروبا، أو بعد تسلّله عبر الصحاري الممتدة إلى الحدود التونسية، فهو يعلم أنه سيحظى برعاية من قبل المنظمات و الهيئات الدولية . و هذا ما يؤكده منجي سليم رئيس الهيئة الجهوية للهلال الأحمر بولاية مدنين و يقول "تعدّ مدنين وجهة المهاجرين غير النظاميين من بلدان جنوب صحراء إفريقيا خاصة بعد الثورة الليبية، بحكم موقعها على الحدود الليبية و الأزمة التي تعيشها جارتنا . و نظرا لطريق الهجرة المفتوح إلى أوروبا فإنهم يواجهون عراقيل يلتجؤون على إثرها إلى مدنين لمعرفتهم بالعمل الإنساني فيها، بعضهم هرب إليها من الحرب في ليبيا ، البعض الآخر تم إنقاذهم من الغرق ، و الكثيرون يتسللون عبر الحدود الصحراوية ."
يعترضهم الحرس الحدودي أو الجيش بعد التحقيق الأمني معهم، يتم جلبهم إلى مراكز الإغاثة لإغاثتهم ( الأكل، اللباس، الصحة ، السكن) ثم يتم التعاطي معهم حسب مطالبهم . فهناك من يطلبون اللجوء يوجّهون إلى مراكز المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين(الهاربون من بلدانهم التي تعاني أزمات و خاصة الحروب و النزاعات ). لكن الأغلبية منهم يرغبون في تحسين أوضاعهم الاقتصادية و الاجتماعية هؤلاء يتم عادة توجيههم إلى مبيتات المنظمة الدولية للهجرة حيث لهم الحق في البقاء ستين يوما فإذا أرادوا العودة لبلدانهم تساعدهم في ذلك منظمة. فيما يختار جلّهم البقاء و يعتمدون بالتالي على أنفسهم في كسب قوتهم .
و يقدّر منجي سليم عدد المهاجرين بولاية مدنين ب 1200 مهاجرا، يشتغلون في مجالات الصناعة و البناء و الفلاحة و السياحة و في المنازل .العديد منهم يجمعون المال لتحقيق حلمهم بالهجرة إلى أوروبا سواء من تونس أو من ليبيا، و هناك من يرغبون في الاستقرار في مدنين حدّ مطالبتهم بالسماح لعائلاتهم الالتحاق بهم .
و رغم إغلاق الحدود التونسية بسبب جائحة الكورونا فإن هناك من يجتازون الحدود خلسة إلى البلاد و إن بأعداد أقل . و هؤلاء يخضعون إلى الحجر الصحي الإجباري و إلى التحاليل " فمؤخرا تم إنقاذ سبعين مهاجرا من ليبيا في البحر، خمسة منهم كانوا مصابين بالكورونا و تم عزلهم حتى الشفاء ".
و يضيف رئيس الهيئة الجهوية للهلال الأحمر بمدنين أنه و في ظل تقلّص سوق الشغل بسبب الكورونا تتم مساعدة المهاجرين ماديا و عينيا و هناك تعاطف شعبي كبير معهم فمن الأهالي من وهبوهم مساكنهم للسكن مجانا .
و تم أيضا بالتعاون مع البلدية و الجمعيات تعقيم المبيتات و توزيع مواد صحية و مواد نظافة عليهم، إضافة إلى تقديم خدمات تسهيلا لتعاملهم مع الإدارة التونسية و أساسا من قبل رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان و يقول رئيسه مصطفى عبد الكبير إن فترة الكورونا صعبة على الجميع لكنها أخف وطأة على المهاجرين في مدنين فقد تعوّد الأهالي على وجودهم بينهم .
و بعيدا عن مركز ولاية مدنين بحوالي 45 كلم يستقر عدد كبير من المهاجرين في مدينة جرجيس الساحلية التابعة لها، هذه المدينة القريبة من إيطاليا و التي تنطلق منها مراكب الهجرة السرية منذ تسعينات القرن الماضي فعدد كبير من سكانها بحارة. و أصبحت اليوم منطقة استقرار للمهاجرين الذين وجدوا الترحيب الكبير من قبل الأهالي كما يؤكد رئيس بلدية جرجيس مكي العريض .
و في جرجيس مبيتان للمهاجرين يتبعان منظمة الهجرة الدولية يؤويان حوالي 225 مهاجرا يسكنون ستين يوما ثم يكترون منازل و يعتمدون على أنفسهم في كسب قوتهم . و ما انفك عددهم يتضاعف مع السنين و رغم ذلك تغضّ السلط الطّرف على إقامتهم غير القانونية، و على عكس بقية الجهات لم يفقدوا مواطن رزقهم خلال فترة الكورونا خاصة في مجالي الفلاحة و البناء . كما أن البلدية ساعدتهم ماليا و عينيا بالتعاون مع المنظمات فمثلا تم توزيع 190 أكلة يوميا في شهر رمضان كما بيّن رئيس بلدية المدينة .
حدائق إفريقا لا تسقبل سوى الموتى !!
و جرجيس هي المدينة الوحيدة التي قبلت أن تبنى فيها مقبرة للمهاجرين سميت "مقبرة الغرباء" امتلأت حتى لم تعد قادرة على استيعاب قبور إضافية . فتم بناء مقبرة ثانية سميت "حدائق إفريقيا" يدفن فيها المهاجرون سواء ماتوا في البر أو في البحر.
"مقبرة ساهم في إقامتها مواطن جزائري فقد أحد أقربائه في طريق الهجرة عبر البحر" يقول مكي العريض، و يضيف "هي مثالية ذات تصميم عالمي دفن فيها حوالي 150 مهاجرا جلهم لفظهم البحر على شواطئ جرجيس و جربة . و يتم التحضير حاليا لإقامة غرفة الأموات فيها و التعاقد مع طبيب تشريح ".
تلفظ شواطئ جرجيس يوميا جثث المهاجرين الذين تؤخذ عيناتهم الجينية في مستشفى قابس إن أمكن، و يتم دفنهم هنا في هذه المقبرة المحاذية لمركز الإيواء التابع للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين .
و على أطراف جرجيس و وسط غابات الزياتين تمتد على مساحة 2500 متر مربع مقبرة "حدائق إفريقيا" حيث القبور دون شواهد سوى أرقام تحيل على ملفات سجلت أغلبها لمجهولين . هنا يدفن المهاجرون الناجون جثث مهاجرين لم يسعفهم الحظ في النجاة !!
كان مهاجران منهمكين في إتمام تهيئة قبور سبعة مهاجرين دفنوا بالأمس بعد أن لفظ البحر جثثهم، يعرج "بوريس"( اسم مستعار39 سنة) و هو يتقدم نحوي حين سألته عن رحلته من بلاده الكامرون إلى تونس " أنا هنا منذ أكثر من سنة، هربت من سجن الزاوية بليبيا حين قبضوا علينا و نحن نحاول الهجرة إلى إيطاليا ، تعرّضنا إلى الاعتداء و التعذيب و كانوا يطلبون منا المال الذي لا نملكه، و ها أنني أعاني إلى اليوم مخلفات الإصابات " يشير إلى ساقه .
و ينتظر "بوريس" الحصول على اللجوء في تونس فيما يشغل وقته بالعمل في المقبرة " أقوم بهذا العمل حتى لا أصاب بالاكتئاب من كثرة التفكير في المستقبل، رغم شعوري بالحزن عند حفر القبور فقد كنت قريبا من الموت، كما أنني تركت أخوين في ليبيا و لا أعلم عنهما شيئا !! و ربما أحببت القيام بهذا حتى تنام أرواح الموتى بسلام !! "
يتمنى بوريس أن يحصل على اللجوء في تونس و يعيش في جرجيس لأن الأهالي طيبون ، و هي رغبة " أوديل " أيضا (اسم مستعار36 سنة) التي تتمنى أن تظل في تونس بعد أن هدّدت بالترحيل !!
هي التي قدمت من النيجر منذ جويلية 2019 لتشتغل مربية أطفال لكنها لم تجد ما تتمناه !! فقد تعرضت إلى التشغيل القسري حتى أضحت ضحية اتجار بالأشخاص . تقول إنها تعرضت لشتى أنواع الاعتداءات حتى الحرمان من الأكل، لكنها عرفت أسوأ معاملة خلال الحجر الصحي العام زمن الكورونا "حبست في المنزل لأنني طالبت بجواز سفري للمغادرة نتيجة سوء المعاملة من قبل مشغلتي، و حين تمسكت بطلبي جلبت لي الشرطة و اتهمت بالشغل و الإقامة غير القانونين . تم إيداعي بمركز الإيواء و التوجيه بالوردية (مركز يحتجز فيه المهاجرون غير النظاميين) مدة شهر و تمت محاولة ترحيلي بالقوة لكن تدخلت الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص و المنظمة الدولية للهجرة في آخر لحظة و محام، و أعادوني من المطار ليتم إيوائي بمبيت تابع لإحدى الجمعيات "
ضحايا الاتجار بالأشخاص
و ما تزال قضية" أوديل " جارية لدى المحكمة و كل رجائها أن يتم إنصافها خاصة و أن تونس سنّت قانونا أساسيا لمكافحة الاتجار بالأشخاص . و مثلها تعرض عديدون للاتجار بالأشخاص خاصة من المهاجرين غير النظاميين بسبب هشاشة وضعيتهم التي تأزمت أكثر زمن الكورونا، ما سبّب ااستغلاهم و استعبادهم أكثر . و يؤكد رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة بتونس عزوز السامري على ارتباط ظاهرة الاتجار بالأشخاص بالهجرة حتى أصبحت ثالث تجارة غير شرعية على المستوى العالمي (بعد تجارة الأسلحة و المخدرات) و يبلغ عدد ضحاياها 40 مليون شخص حول العالم .
و لا ينفي رئيس المنظمة خطورة الظاهرة في صفوف المهاجرين غير النظاميين سواء في بلدان العبور أو بلدان الاستقرار، فيما تؤكد إيمان نعيجة المكلفة بمشروع الاتجار بالأشخاص في المنظمة أن عدد الضحايا ناهز 953 إلى موفى جويلية 2020 (41 ضحية تونسية) جلهم مهاجرون في وضعية غير قانونية و أغلبهم نساء و هناك نساء مع أطفالهن .
و تم التعرف عليهم في فترة الكورونا بالتنسيق مع الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالاشخاص و الحكومة التونسية و تمت مساعدة 712 ضحية عينيا و ماديا حيث خصصت المنظمة ميزانية هامة لهذا الأمر .
فيما تقول أمينة بوكمشة المكلفة بملف الضحايا بالهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص "وصلنا 256 إشعار بالتعرّض إلى الاتجار بالأشخاص زمن الكورونا و تحديدا بين شهري مارس و سبتمبر 2020 ، من بينهم 116 إشعار تخص المهاجرين الإيفواريين و لولا إغلاق الحدود الجوية التونسية لكان العدد أكبر !! "
و تضيف أمينة أن أغلبهم ضحايا العمل القسري (النساء في الأعمال المنزلية و الرجال في حضائر البناء و المزارع و المصانع) و كانوا في وضعية احتجاز، احتجازهم أو احتجاز جوازات سفرهم . و تم التكفل بهم و معالجتهم و إيواؤهم .
وضعيات هشّة للمهاجرين غير النظاميين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الموزّعين على كامل تراب الجمهورية التونسية، زادت حدّتها زمن الكورونا ، فيروس اختبر القيم الإنسانية و دعا الدولة إلى إعادة التفكير في وضعية المهاجرين الذين أصبحوا جزءا من المجتمع بقوة المعاهدات الدولية و بفعل حاجة البلاد إلى يد عاملة !! .
ملاحظة: أنجز هذا التحقيق بدعم من منظمة "أنتارنيوز" العالمية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.