شكل انطلاق الحوار الوطني أمس الجمعة بداية انفراج في الازمة السياسية التي تشهدها تونس منذ أكثر من ثلاثة أشهر وتحديدا منذ اغتيال مؤسس التيار الشعبي محمد البراهمي يوم 25 جويلية 2013 ليمثل الخطوة الاولى في ارساء أرضية توافق بين مختلف الفرقاء السياسيين تتيح استكمال المسارات الحكومية والتأسيسية والانتخابية في أقرب الاجال. وقد اجمع خبراء في القانون في تصريحات اليوم السبت لوات على الصبغة السياسية للحوار الوطني فيما اختلفوا حول استيفائه للشروط القانونية الواجب اتباعها ومدى التوفق في احترام المواعيد المضبوطة في خارطة الطريق. وقال أستاذ القانون العام فرحات الحرشاني ان الحوار الوطني سياسي بامتياز باعتباره يجرى خارج الاطر التقليدية التي أفرزتها النصوص القانونية على غرار التنظيم الموقت للسلط العمومية مرجحا ان تكون نتائجه ايجابية اذا ما توفرت الارادة السياسية وانتفت نية عرقلة المسار حسب رؤيته.
واعتبر في هذا الصدد ان الاحزاب المشاركة في الحوار ستكون ملتزمة بانجاح تنفيذ خارطة الطريق بوصفها ممثلة في المجلس الوطني التأسيسي مقترحا ضمانا للتوافق الواسع تولي الرباعي الراعي للحوار الوطني ادماج الاطراف السياسية التي لم توقع على خارطة الطريق على غرار المؤتمر من أجل الجمهورية واقناعها بالالتحاق بالحوار.
وأعرب عن الثقة في امكانية تنفيذ خارطة الطريق بما تضمنه من مواعيد متطرقا في هذا الخصوص الى مبدأ تبني المصادقة على الدستور برمته المقترح في الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني أمس الجمعة والذي صنفه ضمن الحلول التي يمكن اللجوء اليها لاحترام رزنامة الاجال. وبين ان تنفيذ هذا المقترح يتطلب ادخال تنقيحات على كل من النظام الداخلي للمجلس الوطني التاسيسي وقانون تنظيم السلط العمومية الامر الذي اعتبره اسهل بكثير حسب قوله من المصادقة على الدستور فصلا فصلا وما يقتضيه ذلك من وقت. كما أوصى بشأن القانون الانتخابي الا يقع ربحا للوقت اعتماد الورقة البيضاء المعمول بها سابقا في مشروع الدستور حسب تعبيره واستغلال المرسوم عدد 35 الذي تم بمقتضاه انتخاب المجلس الوطني التأسيسي كأساس ومنطلق لصياغة القانون الانتخابي وتكليف لجنة خبراء في الغرض. ومن جانبه صرح أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد لوات ان انطلاق الحوار الوطني لم يعتمد على شروط قانونية بل تنزل في اطار توافق سياسي بين الاطراف المشاركة فيه موضحا ان الامر الذي استجد أمس الجمعة اقتصر على تعهد رئيس الحكومة بتقديم استقالته حسب تحليله.
وقال ان وثيقة التعهد بالاستقالة لاترتقي الى مرتبة الاستقالة الملزمة باعتبار انه يتعين على رئيس الحكومة ان يقدم استقالته رسميا لرئيس الجمهورية الذي كلفه بناء على الفصل 15 من التنظيم المؤقت للسلط العمومية برئاسة الحكومة بعد ترشيحه من قبل الحزب ذي الاغلبية بالمجلس الوطني التأسيسي .
وبعد أن أكد على ان حكومة على لعريض ما زالت قائمة بنفس الاختصاصات والصلاحيات التي يخولها لها التنظيم المؤقت للسلط العمومية أشار قيس سعيد الى امكانية تعليق الاجال المنصوص عليها في خارطة الطريق في أي وقت اذا ما تعطل الحوار بسبب اضطرابات سياسية مثلا مما يوثر على نسق العد التنازلي باعتبار ان العودة الى احتساب هذه الاجال يتم دون اعتبار فترة تعطل الحوار . ورأى أستاذ القانون الدستوري ان احترام المواعيد المضبوطة في خارطة الطريق أمر صعب التحقيق حسب رأيه بالنظر الى ان كل ما يقع الاتفاق بشأنه خلال جلسات الحوار الوطني يتعين تجسيده قانونيا بتمريره الى المجلس الوطني التأسيسي بما يتطلبه هذا التمشي من حيز زمني هام.
وبشأن عدم التصويت على مشروع الدستور فصلا فصلا للمصادقة عليه أوضح قيس سعيد ان اعتماد هذا المقترح يقتضي من الناحية القانونية ادخال تعديل على النظام الداخلي للمجلس التأسيسي معتبرا ان هذا التمشي الاجرائي قد يوثر على تقدم تنفيذ خارطة الطريق طبقا للمواعيد المحددة. يشار الى ان الحوار الوطني الذي انطلق رسميا امس الجمعة بمقر وزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية بباردو قد افضت جلسته الاولى الى التوافق على تركيبة لجنة المسار الحكومي المتكونة من خمسة أعضاء وهم عامر لعريض وكمال مرجان وهشام حسني ومحمد الحامدي ومية الجريبي.