حمّل الطيب البكوش، الأمين العام لحزب "نداء تونس الحكومات المتعاقبة بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، مسؤولية انتشار ظاهرة الإرهاب في تونس. ويوضح، في حوار مع "العرب"، أن الإخوان المسلمين في مصر غير مرغوب فيهم في تونس بعد تورطهم في الدعوة إلى العنف. "العرب" التقت الطيّب البكّوش وفتحت معه ملفّات عديدة فرضها واقع البلاد بعد ثورة 14 يناير 2011 التي أطاحت بنظام حكم البلاد حوالي 23 عاما بقضبة من حديد، وجذوره تمتدّ إلى دولة الاستقلال. ومن أبرز هذه الملفّات ظاهرة التشدّد والإرهاب التي يمكن اعتبارها ظاهرة طارئة على المجتمع التونسي. وأصبح مصطلح الإرهاب من أكثر المفردات المتداولة في تونس خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وإحدى أكثر مسبّبات القلق والخوف لدى التونسيين اليوم بعد أن عاشوا، خلال سنة 2013 بالخصوص، على وقع أكثر من عملية إرهابية استهدفت المعارضين شكري بلعيد في 6 فيفري 2013، ومحمد البراهمي في 25 جويلية 2013؛ لترتفع درجة الخطر بعد أن أضحت قوات الجيش والأمن الهدف الأبرز لهذه العمليات. وحمّل الطيّب البكّوش مسؤولية انشار هذه الظاهرة إلى حكومات الترويكا المتعاقبة فالتعامل السلبي وتساهل مسؤولين كبار في "الترويكا" مع هذه الظاهرة ساهما في تغلغلها في تونس. وقال البكّوش إن الحكومة السابقة لم تحرّك ساكنا أمام جرائم خطيرة وقعت في البلاد، وتركت المساجد تحت سيطرة عناصر دخيلة، ولم تتحمل مسؤوليتها كاملة في فرض الحياد داخل المساجد نتيجة لغياب إرادة سياسية حقيقة في محاربة الظاهرة. كما أشار إلى التغاضي عن شبكات تعمل على تسفير الشباب التونسي إلى الخارج بغية المشاركة في "الجهاد". وأوضح أن السبب الأساسي وراء تفشي ظاهرة الإرهاب في تونس، خلال الفترة السابقة، يكمن في غياب قرار سياسي حقيقي يقضي بتجريمها، كما أن غض الطرف عنها والتساهل مع المتشدّدين أدّى إلى تجذّرها. وأشار إلى أن محاربة هذه التركة الثقيلة عمل يتطلّب إرادة سياسية حقيقية مدعومة بإمكانيات مادية كبيرة. تحييد المساجد حمّل الطيّب البكّوش مسؤولية انشار هذه الظاهرة إلى حكومات الترويكا المتعاقبة الحديث عن ظاهرة الإرهاب يحيلنا إلى نقطة أخرى لا تقلّ أهمية وخطورة من ظاهرة انتشار الأفكار المتشدّدة والمتطرّفة والدعوة إلى القيام بأعمال إرهابية. هذه النقطة تتعلّق بسيطرة بعض المتشدّدين على المساجد التي خرجت عن سيطرة الدولة؛ فيما استغلها آخرون للدعاية الحزبية، خصوصا عندما كانت وزارة الشؤون الدينية تحت إمرة حركة النهضة الإسلامية. وفي هذا السياق، يشير القيادي في حركة "نداء تونس" إلى أن المحاولات في هذا الصدد إلى حد الآن لاتزال محتشمة وغير كافية؛ ودعا إلى تطبيق القانون، إذ، برأيه، لا يمكن القبول بسيطرة عصابات تتبنى فكرا متشددا لا ينتمي إلى الشريعة والدين على المساجد التي كان تحييدها عن الدعاية الحزبية- نقطة رئيسية تضمنتها خارطة الطريق. واستطرد البكوش مؤكّدا أنه لا يمكن أن ننجح في مقاومة هذه الظاهرة قبل أن نضمن ولاء الإدارة والأفراد صلبها للوطن لا للأحزاب. وقال إنه دعم بقوة مطلب إعادة النظر في التعيينات الحزبية، التي تمّت في عهد الحكومتين السابقتين صلب مؤسسات الدولة، وإدراج هذه النقطة في خارطة الطريق خوفا من تأثير هؤلاء على نتائج الانتخابات القادمة قائلا "إن كل النظم الديمقراطية التي ترنو إلى تنظيم انتخابات ديمقراطية نزيهة لابد لها من ضمان حياد الإدارة تجاه الجميع". رابطات حماية الثورة وتشكلت في تونس عقب الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي مجمعات أطلق عليها تسمية "رابطات حماية الثورة". وهذه الرابطات هي اليوم محلّ جدل في الساحة السياسية التونسية بعد أن تحوّلت بدورها إلى أداة حزبية الأمر الذي جعل جهات مدنية وسياسية كثيرة تطالب بضرورة حلها لتورطها في أعمال عنف. وكان الحقوقي والمناضل الطيّب البكوش من ضمن الذين دعوا إلى الحلّ الفوري لرابطات حماية الثورة وتقديم عناصرها إلى المحاكمة، نافيا أن تكون مثل هذه الإجراءات مخالفة للقانون أو موجبة لتدخل قضائي. وقال إن ما يسمى برابطات حماية الثورة تعد بالعشرات لا يتجاوز عدد المرخص لها ثلاث جمعيات، مؤكدا أن هذه الأخيرة ثبت تورطها في أعمال عنف على غرار التعدي على مقرات الأحزاب السياسية والنقابية وإفساد اجتماعات الأحزاب السياسية ما يبرر حلها بصفة آنية وعاجلة. وبالنسبة إلى الرابطات التي لا تتمتع بسند قانوني وهي الأكثرية، قال البكوش إن حلها لا يتطلب تدخّلا قضائيا للنظر فيها بل تتوجب إرادة سياسية تجنبا لنهجها العنيف الداعي إلى زعزعة الاستقرار. العزل السياسي ومن الملفات الأولى التي تطرح عادة بعد سقوط أي نظام، كما في كلّ ثورة، ملف قانون العزل السياسي أو تحصين الثورة، وقد كان هذا المطلب محلّ خلاف في الأوساط السياسية التونسية، بين مؤّيدين للإقصاء التام والاجتثاث الجذري لكلّ من له علاقة بالنظام السابق، وبين جماعة ترى أن الإقصاء لا يكون بسبب الانتماء أو مجرّد الوظيفة وإنما بسبب الأفعال؛ إذ لا يمكن، حسب رأي الطيب البكوش، أن تتم معاقبة الناس عقوبة جماعية لأن الجرائم ترتكب بصفة فردية. ويضيف في هذا الصدد أن قانون العزل السياسي – الذي يدعو إلى إقصاء فئات واسعة من منخرطي حزب بن علي من دخول المعترك السياسي- مخالف للمواثيق الدولية والقوانين المحلية، مؤكدا أن الإقصاء لا يمكن إصداره من مجلس تأسيسي تقترب وظائفه من الهياكل التشريعية بل هو منوط بعهدة القضاء الذي يمكنه معاقبة من يرى أنه أجرم أو أخطأ في حق الشعب التونسي. ونفى البكوش بشكل قاطع أن يكون دفاع حزبه عن "التجمعيين" – نسبة إلى كل من عمل ضمن منظومة، "التجمع الدستوري الديمقراطي" الحزب الحاكم السابق- ووقوفه صدا منيعا أمام إقصائهم من العمل السياسي بغاية الاستفادة من ثقلهم سياسيا. وأوضح أن دفاع "نداء تونس" عن هؤلاء كان مبدئيا من منطلق أخلاقي وحقوقي. ودعا الأحزاب السياسية إلى ترك حرية الاختيار أمام الشعب التونسي الذي يعرف جيدا من أخطأ في حقه ومن أنصفه. الانتخابات المقبلة في ملف الانتخابات القادمة، قال البكوش إن التحالفات التي جمعت حزبه بعدد من القوى الديمقراطية في جبهة الإنقاذ قد حققت الهدف الذي اجتمعت من أجله و هو رحيل الحكومة فيما نعمل حاليا على حسن تطبيق بنود خارطة الطريق المتوافق حولها. وأشار إلى أنه تتم حاليا دراسة إمكانية الدخول في تحالف انتخابي مع شركائه في الاتحاد من أجل تونس، نافيا فكرة التحالف مع حركة النهضة، في الوقت الحالي على الأقل. وعن علاقة حزبه بحركة النهضة الإسلامية قال البكوش إن الحزبين يختلفان جوهريا في نظرهما إلى عدد من المسائل والقضايا وبالتالي لا يمكن الحديث عن تحالف انتخابي مرتقب بينهما؛ "كما أن التناقض المبدئي مع حركة النهضة يجعلنا نرفض استقدام عناصر من الإخوان إلى تونس"، في إشارة إلى التقارير التي تحدّثت عن سعي قطري لنقل مقرّ جماعة الإخوان المسلمين من لندن إلى تونس وترحيب حركة النهضة باستقدام عناصر إخوانية مصرية للإقامة في تونس بعد تضييق الخناق عليهم في عدد من الدول الخليجية وتحرك عواصم أوروبية للتحقيق في ملفاتهم. وقد علّق البكّوش عن ذلك إنه "في حال ثبتت صحّة هذه التقارير فنحن نرفض مجيئهم لعدة أسباب منها تورطهم في الدعوة إلى العنف والإرهاب، وإساءتهم المتكررة إلى تونس وشعبها". وأوضح أن أشباه الدعاة غير مرغوب فيهم في تونس مستهجنا استقبال قيادات كبار من النهضة وحلفائها لزعماء الإخوان. تقييم المسار الحكومي الحالي وفي تقييمه لعمل الحكومة الحالية، بقيادة المهدي جمعة، قال الطيّب البكّوش إنه ورغم حصول توافق منقوص حولها فإننا قررنا مساندتها مساندة نقدية وننظر إلى ما قامت به إلى حد الآن على أنه غير كاف خاصة فيما يتعلق بتطبيق بنود خارطة الطريق وما يتعلق منها بملف رابطات حماية الثورة وتحييد المساجد ومراجعة التعيينات. وهي إجراءات عاجلة تتوجب حسما فوريا. وردا على سؤال يتعلق بتشرذم محتمل لحزبه في حالة وقوع نتيجة غير منتظرة في الانتخابات المقبلة خاصة وأنه يشمل عددا من التيارات والحساسيات الفكرية المختلفة قال البكوش "إن نداء تونس مكوّن من مجموعات كان لها في السابق مرجعيات مختلفة بينها النقابية والحزبية وأن الاختلافات التي ظهرت بين الحين والآخر هي خلافات أفراد وليس تيارات لأن المرجعية الأساسية لكل مكونات الحزب هي مرجعية نداء تونس". وأشار البكوش إلى أن اختلاف المرجعيات القديمة لأفراد حزبه يمثل عنصر إثراء له لا سببا للتشرذم.(العرب اللندنية)