عاجل/ البكالوريا: شُبهة تسريب في هذه الولاية.. ومباشرة الأبحاث مع أستاذ    عاجل/ جيش الاحتلال يكشف عن حصيلة قتلاه منذ 7 أكتوبر    اريانة: افتتاح المؤسسة العموميّة "أم الخير" لرعاية كبار السنّ    بكالوريا: حالة غش وحيدة بهذه الولاية منذ انطلاق الاختبارات    هند صبري تسترجع مهنتها الاصلية في "مفترق طرق"    وزارة الدفاع تدعو هؤلاء للتقدم تلقائيا للمراكز الجهوية للتجنيد    بسبب اشتداد الحرارة...توجيه بإختصار خطبة وصلاة الجمعة في موسم الحج    يوم تحسيسي حول المستجدات الدولية والوطنية في مجال مكافحة المنشطات    وزيرة الأسرة تُعلن عن انطلاق أشغال إعداد الخطة الثانية لقرار مجلس الأمن 1325 حول "المرأة والأمن والسّلم"    هام/ كشف أسباب توجيه تهم إرهابية للحطاب بن عثمان    ل20 عاما: الترخيص لشركة باستغلال وحدة انتاج كهرباء من الطاقة الشمسية بهذه الجهة    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    تونس تشتري 50 ألف طن من القمح اللين و75 ألف طن من الشعير في مناقصة    الحرارة تكون عند مستوى 31 درجة هذه الليلة بالجنوب    عاجل/ اصطدام سفينة أجنبية بمركب صيد تونسي.. وجيش البحر يتدخّل    هيئة الانتخابات تعقد جلسة عمل مع وفد من محكمة المحاسبات    بنزرت: الاحتفاظ بإمرأة محكومة ب 48 سنة سجنا    اجتماع فني بين مسؤولي الشركتين التونسية والجزائرية للسكك الحديدية لإعادة خط نقل الركاب بين البلدين بواسطة القطار    مسؤول بال"شيمينو": هذا موعد عودة نقل المسافرين بالقطار بين تونس والجزائر    مفتي السعودية: "هؤلاء الحجّاج آثمون"..    قبلي: انطلاق فعاليات المنتدى الاقليمي حول فقر الدم الوراثي بمناطق الجنوب التونسي    لرفع معدل الولادات في اليابان...طوكيو تطبق فكرة ''غريبة''    الرابحي: قانون 2019 للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية فرض عدة إجراءات والتزامات على مُسدي الخدمات    الحماية المدنية 12حالة وفاة و355 مصابا في يوم واحد.    مناخ: 2023 في المرتبة الثالثىة للسنوات الأشد حرارة    بقيادة التونسي "مكرم دبوب": المنتخب الفلسطيني يتأهل إلى الدور الحاسم لمونديال 2026    إنتقالات: تشيلسي يتعاقد مع مدافع فولهام    نابل: اقتراح غلق 3 محلات بيع لحوم حمراء لهذا السبب    الجبل الأحمر: تستدرجه إلى منزلها...ثم يتعرّض للسرقة والتهديد    اليوم: نشر أعداد ورموز المراقبة المستمرة لمترشحي البكالوريا    كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الدور نصف النهائي للبطولة    مديرة الخزينة بالبريد التونسي: عدم توفير خدمة القرض البريدي سيدفع حرفائنا بالتوجّه إلى مؤسسات مالية أخرى    الإعلان عن موعد عيد الاضحى.. هذه الدول التي خالفت السعودية    مناسك الحج بالترتيب...من الإحرام حتى طواف الوداع    وزارة التربية: صرف أجور المتعاقدين بالتزامن مع عطلة عيد الأضحى    نظّمه المستشفى المحلي بالكريب: يوم تكويني لفائدة أعوان وإطارات الدائرة الصحية بالمكان    موعد صيام يوم عرفة...وفضله    في تونس وبن عروس: قائمة الشواطئ الممنوع فيها السباحة    الحرس الديواني يحجز بضائع مهربة قيمتها فاقت المليار    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    لأجل قضية عملت عليها زوجته.. جورج كلوني ينتقد بايدن    عاجل/ قتلى ومفقودين في حادث سقوط حافلة تقل أطفالا في سوريا..    المنتخب الوطني التونسي يصل إلى جنوب إفريقيا    وكالات إغاثة تحذر من انتشار المجاعة في 18 دولة    الخارجية اليابانية: روسيا تهدّد باستخدام الأسلحة النووية    اكتشاف السبب الرئيسي لمرض مزمن يصيب الملايين حول العالم    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    المهدية...أصرّ على تحقيق حُلمه بعد 20 سنة من الانقطاع عن الدّراسة ...شاكر الشّايب.. خمسينيّ يحصل على الإجازة في الفنون التشكيليّة    الإعلان عن الفائزين في المسابقة الوطنية لفن السيرك    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة: وزارة الصحة تصدر بلاغ هام وتحذر..#خبر_عاجل    الدورة 65 لمهرجان سوسة الدولي: يسرى محنوش في الافتتاح ومرتضى في الاختتام    النادي الافريقي يصدر بلاغ هام..#خبر_عاجل    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الخامسة والعشرين    بطولة رولان غاروس : الألماني زفيريف يكمل عقد المتأهلين الى المربع الذهبي    الصحة العالمية تعلن تسجيل أول وفاة بشرية بمتحور من إنفلونزا الطيور..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على وزن قرد قرود إفريقيا..
نشر في الصريح يوم 26 - 03 - 2011

طالعت بصحيفة مشرقية مقالا كان دقيقا في سرد الوقائع التي جمعها عن ليبيا القذافي، محزنا في محتواه. من مرتكزات دقته عنوانه الفرعي وهو كالآتي: "إرادة الشر القذافية". أما بعض الطرافة فيه فهو عنوانه الأساسي وكان يطرح هذا السؤال: أيهما أخطر "الأخ" معمر أم أسامة بن لادن؟. يتبادر للذهن فورا أننا أمام أشرس عميلين نكبت بهما الأمة العربية، ومع هذا فإني أتصور أن أسامة بن لادن نفسه لا يستطيع أن يرفع رأسه أمام أستاذه القذافي في مسألة "الإرهاب العالمي" ، أولا لأن بن لادن أقصر منه زمنا في الشهرة التعيسة التي اكتسبها الاثنان وأقل مالا، فالفارق الزمني بينهما يمتد على عقدين من السنين، بدأ خلالها القذافي يفكك الدولة الليبية في مذبحة سياسية مطرّزة، ثم سرعان ما انتقل إلى المرحلة الدموية الرهيبة لتمزيق أوصال الشعب الليبي وطرحه في سجن دولة جديدة فبركها، أهم سماتها أنها دولة لا وجود فيها للدولة، واخترع لها من الأسماء أكثرها بهلوانية مزج فيها الاشتراكية بالعظمة ما يناسب "البهلوانية والجنون" وذهب به الوهم وقلة الذوق والاستبداد السلطوي الإمبراطوري إلى اختراع تاج يضعه على رأسه فوق عرش مزيف سماه "ملك ملوك إفريقيا" على وزن: قرد قرود إفريقيا!
يبقى القاسم المشترك بينهما أن الاستخبارات الأمريكية بأجهزتها المعقّدة قد اختارتهما لهدف محدد يتمطط بحسب الظروف وبما تقتضيه مصلحتها، هدف يرمي أساسا لإبقاء العالم العربي في حالة من الرعب والمساءلة الدولية والتشرذم السياسي واستحالة الإجماع على كلمة واحدة، ما يقطّع أوصاله ويبدد ثرواته ويسدّ أمامه منافذ الاتفاق على موقف موحد من قضاياه الكبرى الحاضرة والمستقبلية، ويجعل هذا العالم العربي المفترض أنه عملاق بثرواته المتنوعة والمتكاملة عالما يُضرب به المثال في التناقض وفي التخلف.
وإذا كان بن لادن قد تمّ استهلاكه، فإن أستاذه "الأخ معمر" قد بلغ به الانحراف درجة من الجنون أضحى معها يستهلك نفسه ويمارس الإبادة الذاتية متلذذا بأن يشرب على نخب شعبه، نخبا من الدم، دم الشباب الليبي، ويأكل من طراوة الكبد، كبد أطفال ليبيا، وقد أطلق عليهم جحافل من المرتزقة جلبهم بالمال الليبي من ثماني دول إفريقية وجعلهم يأكلون معه أكباد الأطفال! هل رأت شعوب الدنيا أشرس من هذا "القائد" وأشد وحشية منه؟! هكذا تحوّل ملك ملوك إفريقيا إلى آكل لأكباد البشر، حتى قرد قرود إفريقيا لا يفعلها.
صحيفة "النهار" اللبنانية التي طرحت سؤال "من الأخطر" قدمت نبذة من التاريخ القاتم للقذافي وبعض التفاصيل عن وحشية "ملك الملوك"، نسوق منها هنا بعض اللقطات:
" مدينة سرت في وسط الساحل الليبي، لا أهمية لها إلا لأنها مسقط العقيد القذافي. هي، مع مدينة سبها الصحراوية الداخلية في الوسط، موطن قبيلته القذاذفة الصغيرة. لذا عوّض العقيد عن تصفيته زملائه الضباط، بعقده حلفاً بين قبيلته وقبيلة الروافلة، مستعيناً بأبناء القبيلتين في أجهزته وكتائبه الأمنية والعسكرية الخاصة، بديلاً عن الجيش الوطني، الذي همشه وأضعفه لأنه لا يضمن ولاءه، ما دام مؤسسة لا تخضع لسلطته المباشرة. أما قبيلة المقارحة التي ضمها أيضاً إلى حلفه القبلي، فأطلق أيدي أبنائها في التجارة والإدارة. وعلى هذا الحلف القبلي المثلث، إضافة إلى قبائل أخرى من الغرب الليبي، نهض تسلط القذافي على إقصاء قبائل الشرق الليبي ومدنه الساحلية المعروفة بنخبها المتقدمة على نخب مدن الغرب، منذ كانت مدن الشرق ركيزة الملكية السنوسية منذ أواسط سبعينات القرن العشرين".
وبعد أن تحدثت الصحيفة عن الاسم الذي اخترعه لليبيا تعظيماً هستيرياً لشخصه وتسلطه، قالت إنه "استكمل عظمته بلقب ملك ملوك إفريقيا. وكلما هبت على العقيد نوبة هستيرية من العظمة، كانت ليبيا التي حكمها حكم احتلال أو استعمار داخلي، تزداد بؤساً واختفاء وعزلة عن العالم، وتتشرد نخبها... ونشرت القذافية الخوف والبطالة المقنّعة والمهانة والذل في ليبيا، فيما أوغل العقيد وأولاده ورهطه في الدم ونهب عائدات النفط وتكديسها في أرصدة خاصة، وأمعنوا في قهر المجتمع وتدميره، وأقاموا على أنقاضه "جمهورية خوف" واغتيالات و"لجان ثورية"، مستدخلين حداثة الإرهاب الشمولي في البداوة والأحلاف القبلية... وطوال 42 سنة، غابت ليبيا وتاريخها وشعبها وثقافته، خلف ستار حديدي قذافي قاتل، سماه العقيد جماهيرية عظمى كتب لها مصحفاً سماه الكتاب الأخضر، على مثال كتب سلاطين الديكتاتوريات الشمولية".
ومضت الصحيفة تصف "خصال" "الأخ القائد": "العقيد موغل في الدم في بلاده وفي خارجها أيضاً. وخلف نوبات تهريجه الدموي الهاذي، سفاح مزمن في اغتيال معارضيه ومطاردتهم في بعض مدن العالم. وهو ضالع في تمويل عمليات ومنظمات إرهابية كثيرة خارج بلاده، منها تفجير طائرات مدنية في الجو. كما أنه كان سبّاقا في تمويل الحروب الأهلية بلبنان. وفي منتصف ثمانينات القرن العشرين، بادله أمراء هذه الحروب عطاياه المالية، فشحن له حزب شيوعي من مطار بيروت، حمولة أكثر من طائرة من المقاتلين المرتزقة للقتال في حروب قذافية إفريقية في التشاد التي أخذ العقيد يستورد منها ومن دول إفريقية أخرى، مرتزقة لكتائبه العسكرية والأمنية وكتائب أولاده، ليُبقي ليبيا وشعبها محتلين احتلالاً داخليا ".
ونستطيع نحن بالمناسبة أن نروي بعض "أفضال" الأخ القائد علينا وقد عايشتُ مثل جيلي المؤامرة التي دبرها لنا للإطاحة بالنظام نقمةً على الزعيم الحبيب بورقيبة والوزير الأول الهادي نويرة، وقد أراد بها أن يعصف بالنظام عندنا أو على الأقل إشعال فتنة أهلية في شعبنا كما يتوهّم، هي مؤامرة قفصة في العام 1980 منطلقة من احتلال إحدى الثكنات بالمدينة ومسندة بإذاعة سماها "إذاعة قفصة"، ومن أكاذيبها أنها كانت تدعو الجماهير التونسية إلى الخروج "لمشاهدة جحافل الجيوش الفرنسية تحتل المدن التونسية، وها هي تجوب الآن شوارع مدينة صفاقس". أكاذيب إعلام "الأخ القائد" ليست وليدة اليوم وهو يقتّل شعبه، بل عرفناها جيدا منذ أن تلقيناها بمناسبة مؤامرته الفاشلة في قفصة، وقد ركزت الأكاذيب على الوزير الأول المرحوم الهادي نويرة وعلى حياته الشخصية التي هي أشرف ألف مرة من السيرة القذافية القذرة.
كان الرئيس بورقيبة مقيما وقتها في نفطة بولاية الجريد، وقد تمكنتُ من الحصول على موعد معه لإجراء حديث صحفي عن تلك الواقعة، وأتذكر أن الرئيس قد بادرني بالقول حالما دخلت عليه: "قالوا لهم أطلقوا الطلقة الأولى وسينضم الشعب التونسي إليكم، ولما أطلقوها وجدوا كل الشعب التونسي ينضم إلى بورقيبة".
ومن "أفضال" القذافي علينا أنه لما جرى الاتفاق على الوحدة بين تونس وليبيا وتم التوقيع عليها وضع القذافي في المعاهدة قنبلة موقوتة، إذ جاء آخر سطر في قائمة تشكيلة حكومة الوحدة يتضمّن اسم زين العابدين بن علي مكلفا بالأمن العسكري. وطبعا تفطّن التونسيون للخديعة، وانفجرت القنبلة على الوحدة ولم يمض على إبرامها نصف يوم فقط!
كذلك من "أفضاله" علينا أن أرسل إلى تونس بعثة من القتلة لاغتيال الوزير الأول الهادي نويرة، لكن عين اليقظة التونسية ألقت عليهم القبض ليلا أمام بيته ، فحوكموا هنا في تونس.
هذا قليل من كثير من معاناة تونس من "الشر القذافي". وإني عندما أنظر الآن إلى الوضع على الحدود التونسية في منطقة رأس جدير، أتذكّر تلك المنطقة بالذات وأرتال العربات الليبية التي كانت تصل ذلك المكان في العام 1985 لتطرح فيه عشرات الآلاف من العمال التونسيين وقد حملتهم كقطعان الأنعام مطرودين من ليبيا، تشفيا من النظام وتآمرا على الوزير الأول المرحوم محمد مزالي الذي لم يكن يتجانس أبدا مع تصرفات العقيد.
اليوم ومن "أفضال القذافي" أيضا يزحف على تلك المنطقة بالذات مئات الآلاف من العباد من مختلف الجنسيات بما فيهم الليبيون فارين من جحيم ليبيا حيث يذبح القذافي الشباب الليبي ويتصرف مع عائلاتهم بقطع الماء والغذاء والكهرباء عليهم، حتى الدواء لعشرات الآلاف من الجرحى محرّم عليهم. أما الذين تمكنوا من الإفلات من جحيم القذافي فيلوذون بتونس في رأس جدير وبنقردان ومدنين وجرجيس وجربة وغيرها من المدن حيث وجدوا التضامن الحقيقي والمعاملة الإنسانية المثالية، وحيث التونسيون يكرسون الآية الكريمة: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.