عاجل/بعد الاعتداءات الاخيرة: عميد المحامين يوجه هذه الرسالة الى رئيس الجمهورية..    كأس تونس: تحديد عدد تذاكر مواجهة نادي محيط قرقنة ومستقبل المرسى    الرابطة الأولى: الكشف عن الموعد الجديد لدربي العاصمة    وادا تدعو إلى ''الإفراج الفوري'' عن مدير الوكالة التونسية لمكافحة المنشطات    فتح تحقيق ضد خلية تنشط في تهريب المخدرات على الحدود الغربية مالقصة ؟    أول امرأة تقاضي ''أسترازينيكا''...لقاحها جعلني معاقة    أوّل أمريكيّة تقاضي أسترازينيكا: "لقاحها جعلني معاقة"    الترجي الرياضي: اليوم إنطلاق التحضيرات .. و"كاردوزو" يقصي لاعبين من النهائي    عقوبة التُهم التي تُواجهها سنية الدهماني    باجة: خلال مشادة كلامية يطعنه بسكين ويرديه قتيلا    بن عروس: اصابة 5 ركاب في اصطدام شاحنة بسيّارة أجرة تاكسي جماعي    وزراء الصناعة والتجارة والفلاحة يؤكدون ضرورة توفير الأسمدة طبقا لخصوصية كل فترة من الموسم الفلاحي    تركيز نظام معلوماتي للتقليص من مدة مكوث البضائع المورّدة بالمطار ..التفاصيل    عاجل/ الديوانة تحذر التونسيين العائدين من الخارج..وهذه التفاصيل..    تونس: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويّا    عاجل/ مستجدات الكشف عن شبكة دولية لترويج المخدرات بسوسة..رجلي اعمال بحالة فرار..    تحذير من الديوانة بخصوص المبالغ المالية بالعُملة الصعبة .. التفاصيل    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المعهد النموذحي بنابل ...افتتاح الأيام الثقافية التونسية الصينية بالمعاهد الثانوية لسنة 2024    البنك الدولي يؤكد استعداده لدعم تونس في تنفيذ البرامج الاقتصادية والاجتماعية    مدنين: انقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق    نقابة الصحفيين تنعى الزميلة المتقاعدة فائزة الجلاصي    أخبار المال والأعمال    مبابي يحرز جائزة أفضل لاعب في البطولة الفرنسية    برشلونة يهزم ريال سوسيداد ويصعد للمركز الثاني في البطولة الإسبانية    منها زيت الزيتون...وزير الفلاحة يؤكد الاهتمام بالغراسات الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي ودعم التصدير    بقيمة 25 مليون أورو اسبانيا تجدد خط التمويل لفائدة المؤسسات التونسية    هام/هذه نسبة امتلاء السدود والوضعية المائية أفضل من العام الفارط..    مع الشروق ..صفعة جديدة لنتنياهو    غوغل تطلق تحديثات أمنية طارئة لحماية متصفح Chrome (فيديو)    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    صادم/ سائق بشركة يحول وجهة فتاة ويتحرش بها ويحاول اغتصابها..    عاجل : أكبر مهربي البشر لأوروبا في قبضة الأمن    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة الى أكثر من 35 ألف شهيد وأكثر من 79 ألف جريح..    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    ملفات «الشروق» (4) كيف تغلغلوا في الجامعات التونسية؟.. عندما يتحكّم الفساد يكون المجد للصامدين    مذكّرات سياسي في «الشروق» (22) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... ...لهذا كنّا نستورد الحبوب من أمريكا    مقتل 14 شخصا بعد انهيار لوحة إعلانية بهذه المنطقة جراء عاصفة رعدية..#خبر_عاجل    الهند: مقتل 14 شخصاً بعد سقوط لوحة إعلانية ضخمة جرّاء عاصفة رعدية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الطواقم الطبية تنتشل 20 شهيداً جراء قصف للاحتلال الصهيوني على منازل جنوب قطاع غزة    الصحة الفلسطينية: القصف الإسرائيلي على غزة يُخلّف 20 شهيدا    كاس تونس لكرة القدم : برنامج مباريات الدور ثمن النهائي    القصرين : عروض الفروسية والرماية بمهرجان الحصان البربري وأيام الإستثمار والتنمية بتالة تستقطب جمهورا غفيرا    وزارة الشؤون الثقافية: الإعداد للدّورة الرّابعة للمجلس الأعلى للتعاون بين الجمهورية التونسية والجمهورية الفرنسية    المدير العام لوكالة احياء التراث والتنمية الثقافية : التشريعات الجارية المنظمة لشؤون التراث في حاجة الى تطوير وإعادة نظر ثقافة    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    اتحاد تطاوين - سيف غزال مدربا جديدا    عاجل: الإذن بالاحتفاظ بالمحامي مهدي زقروبة    سليانة: تقدم عملية مسح المسالك الفلاحية بنسبة 16 بالمائة    جراحة التجميل في تونس تستقطب سنويا أكثر من 30 ألف زائر أجنبي    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    وفاة أول متلقٍ لكلية خنزير بعد شهرين من الجراحة    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف الرمادي يكتب لكم : المفكّر محمّد الطالبي المسلم القرآني وتجديد الفكر الإسلامي
نشر في الصريح يوم 07 - 08 - 2019

تناول الطالبي موضوع الحجّ بالدرس في كتابه"الإسلام ليس حجاب بل عبادة" و أصدر "الطالبي" كتابه هذا باللغة الفرنسيّة وقد فسّر في المقدّمة أسباب عدم إصداره بالعربيّة و قد يطول شرح تفسير الطالبي لهذه الأسباب في هذا المقام إذ هو ليس موضوعنا لكن هذا لا يمنعني من أن أعلم القارئ أنّ هذا الكتاب هو تواصل مع كتاب الطالبي الذي عنوانه "ليطمئنّ قلبي"الذي كتبه باللغة العربيّة" كان الطالبي قد أوفى اللغة العربيّة حقّها في هذا الكتاب وبرهن على اقتدار في التعامل مع هذه اللغة وهو الأستاذ الذي يُشْهَدُ له في الجامعة التونسيّة بالكفاءة في التدريس والقدرة على التبليغ والإفادة بهذه اللغة. فلماذا جاء كتابه هذا بالفرنسيّة ؟ستكون لنا مناسبة أخرى للإجابة على هذا السؤال والوقوف على موقف الطالب من هذا الموضوع وأقول الآن بكلّ اختصار أرجو أن لا يكون مخلّا فالطالبي لا يرى في كتابه فائدة لمن لا يحسنون إلّا العربيّة الذين تُصَبُّ عليهم يوميّا الشريعة من مئات القنوات التلفزيّة الوهّابيّة ... والذين هم قانعون بذلك وليس لهم أي حيرة فلماذا نُقْلِقهم أو ندخل عليهم الحيرة و نُنَغّص عليهم رضاهم. في حين أنّ هنالك الملاين من المسلمين في كلّ أرجاء المعمورة لا يحسنون العربيّة وهم في حاجة لمعرفة سماحة دينهم بعيدا عن ما تبثّه الشريعة والوهّابيّة والإخوان من تعاليم لا تعكس صفاء الإسلام والذي استغلّها الخصوم لمهاجمة الإسلام عن طريق الرسوم "الكاريكاتوريّة" الذي لم نحسن التعامل معها والتي أكّدت للإنسان "الأروبي" أنّ الإسلام دين إرهاب لما قام به بعض المتطرّفين الذين ينتسبون للإسلام من أعمال هي اليوم حجّة علينا وقد حرّضتْ الشريعة ومشائخها على هذه الأفعال التي كنّا نستطيع تفاديها بالردّ المتّزن اعتمادا على ما جاء في الإسلام من سماحة وحبّ لنشر السلام.
وقبل تناول موضوع الحجّ سأحاول أن أعطي للقارئ فكرة عن محتوى "كتاب الإسلام ليس حجاب بل عبادة" فهذا الكتاب كما تدلّ عليه الجملة المدرجة تحت العنوان والمكمّلة له " تجديد للفكر الإسلامي". وهذه الفكرة هي الخيط الرابط بين كلّ كتابات الطالبي الإسلاميّة وفكره الديني في هذا الظرف الصعب الذي يمرّ به الإسلام ف"الطالبي" يدعو لإعمال الفكر والتدبّر في القرآن بقراءته قراءة محيّنة كما أمرنا الله إذ يقول تعالى": أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثير" (سورة النساء آية82) فقراءة القرآن بتدبّر وإعمال الرأي بعيدا عن القراءة السطحيّة هي وحدها التي ستجعل الإسلام على الدوام دين الحداثة والتقدّم وتُحصّين المسلمين من الاعتداءات المتكرّرة التي يعيشونها منذ ظهور الإسلام الذي حاربه اليهود بضراوة في المدينة وأرادوا القضاء عليه في المهد. أمّا محتوى كتاب"الإسلام ليس حجاب بل عبادة" فقد تناول فيه الطالبي بالدرس و التحليل قواعد الإسلام الخمس في مقارنة بين ما تقوله الشريعة وبين ما انتهى إليه هو أي "الطالبي" بعد إعمال العقل والتدبّر وتوظيف كلّ ما تُقِرّه العلوم الصحيحة للوقوف على الحقيقة. مع إقراره أنّ": العقل وحده لا ينتهي حتما مسلّما لذاته وبمحض سلطانه إلى الحقّ في نهاية المطاف لابدّ أن تعاضده العناية و الهداية بعد بذل كلّ الجهد وأقصى ما في الوسع, فالإيمان هبة من الله وفضل إذ يقول جلّ من قائل في سورة (الحديد الآية 29) :"وأنّ الفضل بيد الله يُؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" . فاعتمادا على العقل والعناية الالاهيّة وهَدْيِّ القرآن سيناقش" الطالبي" في كتابه هذا ما جاء في الشريعة حول مواضيع هي من اهتمامات المسلم اليوم أين ما كان في بلاد الله الواسعة ومهما كانت لغته وهي الصلاة والصوم والزكاة والحجّ رائد الطالبي في ذلك ما تكرّر ذكره في هذا الكتاب هو "الحريّة" ولا شيء غير الحريّة فهو لا يَفْرض شيئا على المسلم ويُنَبِّه المسلم أن لا يقبل أن يَفْر ض عليه الغير شيئا من منطلق أنّ الله خلق الإنسان حرّا واستخلفه في الأإرض ليختار بكلّ حريّة ما يهتدي إليه بعد التدبّر في القرآن الذي هو هدًى ورحمة للعالمين .
وحيث أنّ الأمّة الإسلامّة استعدّت على قدم وساق لموسم الحجّ وارتحل الحجيج الميامين لمكّة المكرّمة وبدؤوا في أداء مناسكهم فإنّي قد تَخَطَيْتُ كلّ فصول كتاب الطالبي المتعلّقة منها بالصوم والصلاة والزكاة ورَ أَيْتُ أنّ الظرف يقتضي الحديث عن الحجّ .
الحجّ عبر التاريخ:
انطلق الطالبي للحديث عن الركن الخامس من أركان الإسلام"الحجّ" اعتمادا على ما جاء في كتاب الله الذي هو "هداية" و كذلك على ما توافق مع كتاب الله من أقوال الرسول صلّى الله عليه وسلّم الذي ننزّه أن تخالف أقواله ما جاء في القرآن الكريم من كلام الله. وكانت البداية بأن أتبث الطالبي أنّ الحجّ موجود في كلّ الديانات السماويّة وحتّى الوثنيّة منها هكذا بدأ الحجّ وهكذا تواصل وخاصة عند اليهوديّة والنصرانيّة وهو زيارات لأماكن يعتبرونها مقدّسة لأنّ تلك الأماكن ظهرت فيها "ألوهيّة" ما أو لأنّ مؤسّس ديانة من الديانات مرّ بتلك الأماكن أو أقام بها وهذا وُجِد في كلّ الأقطار وكلّ الديانات القديمة :في مصر وفارس والصين واليابان وخاصة في الهند أين نجد الحجّ إلى اليوم يقام بحماس خاص إذ" بوذا "فرض على أتباعه أربع زيارات(حجّ) . لكن الحجّ بالنسبة لنا أي للمسلمين ليس ظاهرة "أنتروبولوجيّة " إنسانيّة وأنّ تعريف" روبار"صاحب المنجد الفرنسي للحجّ لا ينطبق على الحجّ كما جاء به الإسلام بل ينطبق على الزيارة التي تُجمع على زيارات أي الرحلات التي يقومون بها إلى أماكن يعتبرون لها علاقة بالممارسة الدينيّة في المخيّلة الشعبيّة وهي –بالنسبة لهم- مقدّسة لأسباب متعدّدة و لها علاقة بالخوارق وبالمصالح التي يتصوّرون إنّه من الممكن الحصول عليها والإسلام يحذّر من الزيارات وهو يُنكرها إذا تحوّلتْ إلى ما يشابه عبادة الأصنام كأن نزور شجرة أو نذبح على جدعها ديكا ويقول الطالبي أنّه عايش هذا النوع من الخرافات في صغره. فاللغة العربيّة تفرّق بوضوح تام بين الحجّ الذي لا وجود لمرادف له في اللغات الغربيّة إذْ"لفظ "pélerinage لا يعبّر إلّا على الزيارات. في حين أن الحجّ هو من أركان الإسلام وليس هو مجرّد سفر نقوم به فرادى أو جماعات لمكان نعتقد أنّه مقدّس لأسباب دينيّة وبعقليّة القيام بعمل ديني فالحجّ في الإسلام هو تنقّل لمعبد مكّة دون سواه الذي بناه إبراهيم الذي لا يشبه عندنا كثيرا إبراهيم الذي جاء في "الإنجيل(الكتاب المقدّس)-كما سنبيّن ذلك".فنحن لا نحجّ لمكّة مثلما يحجّ "لِلْلُورَدْ" للتّداوي من مرض عرف بأنّه لا يداوى إلّا من طرف "العذراء" لكنّها اليوم صارتْ غير قادرة على المُداواة لأنّ العلوم الطبيّة هي اليوم فاعلة وقادرة أن تفعل أحسن بكثير ممّا كان يتصوّر أنّ العذراء كانت تقوم به.
فاللفظ المستعمل في الغرب للحجّ و في كلّ اللغات الغربيّة يُوقِعُ في اللُبس لذلك من واجبنا توضيح هذا المفهوم إذ "كلّ حجّ(Pélerinage) نقوم به إلى مكان مقدّس لأسباب دينيّة وباعتقاد أنّنا نؤدّي واجب ديني " وليس بالضرورة مقدّس في الإسلام وهو خاصة وبالتأكيد ليس ما نسميه الحجّ في الإسلام. إذ هذا النوع من الزيارات التي يسمونها حجّ تُشبّه غالبا بعبادة الأصنام وكان الحجّ هكذا في الديانات القديمة وكذلك كان الحجّ إلى معبد مكّة عند المشركين العرب وكذلك حجّ المسيحيّن وكلّ الزيارات التي تشابهها وكذلك زيارة "الغريبة " في جربة التي يسمّونها حجّا لأسباب نعرفها. فتوضيح هذا المفهوم أساسي وضروري لتفادي كلّ خلط عندما نتحدّث عن الحجّ إذ تعريف "رويار" صاحب المنجد الفرنسي للحجّ يُحرّف المفهوم ويدخل خلطا في الفكر ولا يهمّنا إن كان هذا الخلط مقصودا من صاحبه أو غير مقصود المهمّ أن نوضّح المفهوم.
وترجع المسؤوليّة في هذا الخلط إلى ما يسمّيه الغربيون المستشرقون بكثير من الرياء"العلوم المسيحيّ الشرقيّة " التي لم توضّح للقرّاء في الغرب "حقيقة الإسلام".ومن هنا جاء عدم التفاهم مع الإسلام وسوء فهم القرّاء في الغرب له.
وفعلا عندما يتعلّق الأمر بالإسلام كدين هذه "العلوم المسيحيّة الشرقيّة" تبقى وفيّة لأصولها "القرا وسطويّة " وتزداد تجدّرا في هذه الأصول فهي تواصل ارتكاب نفس الأخطاء فالغرب مثلما جزم به رسميّا الرئيس الإيطالي "برلسكوني" وبسبب التفوّق الحضارة اليهوديّة المسيحيّة قرّر رسميّا وبصورة نهائيّة أن لا يَعْتَرف أبدا بالإسلام الذي لا يرى فيه ولا يمكن أن يرى فيه في المستقبل إلّا أنّه "محورالشرّ"وكلّ الأمور السيّئة واللا-إنسانيّة" التي اِبْتَلَى بها محمّد الإنسانيّة وقد أكّد هذا القول كذلك رسميّا وبكلّ عفويّة و نزاهة البابا "بونوا السادس عشر".
فتقديم الحجّ من طرف العلوم النصرانيّة الشرقيّة نقولها بكلّ نزاهة لا يمكن أن تَحِيدَ على الخطّ التوجيهي لهذا العلوم وهو معاداة الإسلام. .
فالحجّ بالنسبة لنا المسلمين ليس "زيارة"من بين بقيّة الزيارات التي يقوم بها أتباع الديانات الأخرى أو حتّى الزيارات التي يقوم بها المسلمون للزوايا والمقامات .فالحجّ في الإسلام ليس خيار فهو عبادة تضبطها قواعد موحّدة لكلّ الناس وهذا ما ينآ بالحجّ عن ما كان يقوم به المشركون قبل الإسلام إذ كان الحجّ بدون منازع قبل الإسلام تَوَجُّهٌ للأصنام ويمارس بتقاليد عديدة وهي فلكلوريّة يؤدّى بالموسيقى وتكون فيه الأجسام عاريّة على طريقة "الديقنبري" الهنود إلى اليوم و عندما جاء الإسلام أرجع الحجّ إلى نقاوته الإبراهيميّة الأصليّة و أعطاه معناه الأصلي الذي هو "حنيفي مكّي" والذي حافظ على ذكرى إبراهيم باني البيت الذي يعتقد في إلاه واحد سيّد الكون الذي خلق كلّ شيء والذي يرجع إليه كلّ شيء .فإبراهيم هو رجل العقيدة الصافية الذي وضع نفسه كلّها بين يدي الله الذي لا تنتهي رحمته وشفاعته
وبالنسبة للتاريخ فإنّ إبراهيم لم يوجد أي أنّ التاريخ لم يذكره ولم يحدثنا عنه لأنّه لم يكن ملكا مثل "حامورابي"لذلك لم يكن له حظّ في نصب ولا حتّى مائدة من طين التي يوجد منها الآلاف حتّى يُرْسَمَ لنا أي خطّ من المعلومات عنه وبما أنّه لا يمكننا تحديد وجوده تاريخيّا فإنّنا سنكتف بتحديد الإطار تاريخيّا من العصر أين تضعه نصوص الكتاب المقدّس وكذلك القصص القرآ ني
فالقرآن هو ليس كتاب تاريخ فهو ليس مرتّب في أقسام تَصِفُ مجموعة من الأحداث في ترتيب زمني فالقرآن هو كتاب ركّز على العقيدة فالدنيا مقامة على العقيدة والآخرة هي نتيجة العقيدة.فالقرآن لم يرسم لنا سيرة ذاتيّة تاريخيّة لإبراهيم ولا حدّثنا عن مراحل حياته فالقرآن ذكر إبراهيم في 25 سورة من 114سورة يتضمّنها القرآن منها سبع عشر سورة أي الثلثي الخمس والعشرين سورة مكيّة أي في الوقت الذي كان فيه الرسول محمّد في مكّة منبوذا من قومه وقد حاصروه وجوّعوه وهذا كاف لدحض نهائيّا نظريّة العلوم الشرقيّة التي تجزم بدون حجّة ولا دليل أنّ النبيّ محمّد اكتشف إبراهيم لأسباب سياسيّة عندما واجه اليهود في المدينة المنوّرة.
فإبراهيم القرآن هو إبراهيم العقيدة والعبادة وحقيقته ليست في الأحداث التي كوّنتها القصص حوله ولكن في رسالة العقيدة التي بلّغها عقيدة الإسلام بمعني عقيدة كلّ إنسان في خالق الكون في الله وفي وَضْعِ نفسه بكلّ ثقة بين يدي الله لأنّه الحبّ الغير متناهي خلق العالمين.
أمّا إبراهيم التاريخ فلا نعرف عنه شيئا وقد يقع الإتّفاق أحيانا لوضعه في القَرْن 19قبل المسيح معنى ذلك تحت حكم العائلة الفرعونيّة الثانية عشر وأنّ إبراهيم كان له كثيرا من النسوة اللاتي أعطوه كثيرا من الأولاد وهؤلاء الأولاد بدورهم أعطوا كثيرا من النسل لذلك يجب أن لا نتصوّر أنّ بني إسرائيل هم أبناؤه الوحيدين والمالكين الوحيدين لعقيدة الإلاه الواحد الأحد . فبني إسرائيل ما هم إلّا عائلة من العائلات الكثيرة التي تفرّعت عن إبراهيم
يقول تعلى في سورة الحجّ الآية 67": لكلّ أمّة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنّك في الأمر وادْع إلى ربّك إنّك لعلى هدى مستقم" كما يقول تعالى في الآية 69 من نفس السورة :" الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون "ففي هاتين الآيتين هنالك جواب للذين يشكّكون في الحجّ لمكّة و من الممكن أن يكون المقصود هم اليهود الذين يقولون أنّ المعبد الوحيد هو بيت المقدس وهو المكان الوحيد للحجّ ومن يوم أن أزيل لم يبق هنالك حجّ إلى مجيء موسى وموضوع معبد بيت المقدس سيتناوله الطالبي بالدرس لاحقا ولكن من الآن يقول لنا أنّه من المؤكّد أنّ إبراهيم لم يبني لأي معبد في أرض كنعان.
وبالنسبة لنا المسلمين وعلى عكس ما تقوله التوراة الذبيح ليس إسحاق بل هو إسماعيل أكبر أبناء إبراهيم وقد أقام في مكّة قبل موت والده التي كانت تسمّى "بكّة" وهي عبارة على ملتقى القوافل حول عين ماء غزيرة ونجد على بعد 40 كم منها ميناء جدّة على البحر الأحمر وكلّ الطرق التي تؤدّي لإفريقيا ومصر تتقاطع هنالك في مكّة وإبراهيم "قائد القوافل" لم يكن غريبا عنه هذا المكان(مكّة) وكان له فيها مركز تجارة. وعندما بلغ ابنه البكر السنّ التي تسمح له بتسيّر هذا المركز التجاري وبعامل السنّ ترك إبراهيم لابنه مسؤوليّة تسيّره وكان يزوره من وقت لآخر لمساعدته وكان موقع مكّة هو الوحيد المؤهّل ليكون في المستقبل وعندما تحين الساعة المكان للحجّ لأنّه أقيم في مكان تتوفّر فيه كلّ الظروف المساعدة على المحافظة عليه في أحسن الظروف من تأثيرات الشرك وهو المكان الذي لم تمارس فيه أبدا التضحيّة بالبشر الذي كان من العادات المتواترة في أرض كنعان وأبناء ووأبناءبنا إبراهيم لم يدنّسوا أبدا معبد مكّة بالدماء البشريّة فأبناء إبراهيم حافظوا على عقيدة والدهم الذي لم يضحّي إلّا بالحيوانات وغالبا بالخرفان وهذا ما وجد عليه الإسلام أبناء إبراهيم عندما نزل سنة 610.
العصر الملكي 1030-70 ق م ونزع القدسّة عن مدينة القدس:
كان نبّي الله موسى هو الوحيد القادر بإذن من الله على إقامة معبدا وحيدا مع حجّ لهذا المعبد كواجب لكلّ بني إسرائيل لكنّه لم يفعل ذلك فموسى يجهل تماما القدس إذ هو أتى بالقانون ولاشيء غير ذلك ولدعم كلمة الله وحمايتها من كلّ تدليس لاحقا أمر بأن تُنْقش على نصب وأن يقام في مكان ظاهر للعيان يمكن معه رأتها وقراءته من الجميع وكان ذلك على جبل "إيبل"الذي ينتصب على" شيسام"في نفس المكان الذي أعلن فيه إبراهيم لأوّل مرّة الإذعان التلقائي وبثِقَة مطلقة "أسلم"لله الواحد الأحد مالك الخلق خالق الكون .
فمتى عُرٍفَتْ القدس إذا؟ يجب أن نترقّب حكم دافيد101-970 ق م لتظهر القدس على مصرح التاريخ ولكي يظهر المعبد وذلك تحت حكم "سلامون"لأسباب تحديدا سياسيّة لا غير بدون أي عماد الإلاهي ديني "فدافيد" استغلّ وضع سياسي مناسب جعل من ما لم يكن سوى
قرية بين الجبال مدينة "رمزا" فمن بنى إذا القدس ؟ هو"دافيدا" ليمكّن ملكيّته فكّر للأسباب سياسيّة بحتة .فدافيد وابنه سلامون الذين حدّثنا عنهما الإنجيل لم يكن لهما أي سلطة دينيّة لإقامة معبد وحيد لكلّ أبناء إسرائيل فكلاهما كان ملكا ولم يكونا نبييّن.
وقد أسهب الطالبي في توضيح هذا الموضوع وذلك بتفنيذ أقوال الكتاب المقدّس الذي اعتراه التدليس وكعادته فالطالبي يقيم الدليل ويقارع الحجّة بالحجّة .
مكّة:معبد وحيد ومكان وحيد للحجّ لكلّ الإنسانيّة
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز(السورة آل عمران الأية95)"إنّ أوّل بيت بني للناس لهو الذي في بكّة"ّ فالحجّ هو الركن الخامس من أركان الإسلام وأوج للعقيدة و العبادة فقد شرّعه إبراهيم بإذن من الله لكن من هو إبراهيم ؟فنحن لا نعرف شيئا عن إبراهيم التاريخ فنحن المسلمين لا نعرف إلّا إبراهيم العقيدة و القرآن هو مختلف تماما مع إبراهيم الإنجيل ونحن المسلمين ليس لنا أي سبب لتصديق ما جاء في كتبهم التي دلّست في العديد من الحقبات .فبالنسبة لنا إذا إن كان إبراهيم قد أقام معبدا بسيطا عند قدومه للسيشام التي لم يقم بها بل كان عابر سبل فإنّ في مكّة وبإعانة ابنه إسماعيل قد أقام لله الواحد الأحد أوّل بيت بالحجارة الصلبة ذات بعد عالمي أين ذكراه باقية إلى اليوم .إذا في مكّة وفي مكّة فقط رغم سيطرة المشركين على الوضع (القرآن سورة البقرة الآية-124و 141) نادى للصلاة وتتدفّق جماعات من الحجّاج كلّ سنة من كلّ أرجاء المعمورة لذبح الأضاحي التي ترمز للقطع مع وحشيّة آلهة المشركين الذين كان يضحّى لهم بالبشر.
فإبراهيم كما جاء في الإنجيل ليس هو إبراهيم الإسلام فإبراهيم الإنجيل كان لعبة في يدي زوجته الجميلة جدّا سارة التي فرضتْ عليه أن يطرد ولا يورّث ابنه إسماعيل لفائدة ابنها المدلّل إسحاق وكان إبراهيم لا يستطيع ردّ أي طلب لها لأنّها هي التي كانت وراء ثروته حيث قاسمت فرعون ذلك الزمان الفراش وعندما ملّ من معاشرتها أطردها و أدن بمرافقتها مع زوجها وقد كسب ثروة كبيرة إلى بلاده فلسطين.وهذا تحريف واضح ولنا من الأدلّة ما يمكن بها ضحضه.
فإبراهيم بالنسبة لنا هو أبّ الإسلام وليس أبّ لشعب يغالي في التباهي بنفسه(اليهود) فهو الرجل الذي من خلال تجربة نفسيّة قويّة والذي جعلته يمرّ بالشكّ وجد الله ووضع فيه ثقته الكاملة وقد كلّمه الله وجعل منه أوّل رسول للإسلام فوضع نفسه بين يدي الله بكلّ ثقة وبسلامة القلب والعقل لإنّه إبراهيم الذي بنى الكعبة( الآية95-97 من سورة أل عمران) هذا ما قاله الله والله لا يقول إلّا الحق الحقّ بالنسبة للإنجيل اليهودي النصراني الذي لا يذكر مكّة التي جاءت في القرآن "بكّة"والتي بنيت من طرف إبراهيم فإبراهيم كما جاء في الإنجيل وظّفوه لأشاء أخرى تخدم مصالح محرّفيه.
بالنسبة لنا المسلمين فإبراهيم خلافا لما يدّعيه" اليهو نصرانّة" لم يبني أي معلم ليكون في حياته أو بعد مماته مكانا للحجّ إلّا مكّة .كما أنّه بالنسبة لنا فإسماعيل لم يحرم من ميراث إبراهيم كما يدّعون فقد كان يقوم بعبادته التي تركّزت في مكّة أي عبادة الحنيف وقد ساهم إلى جنب أبيه في بناء الكعبة الشريفة والوحيدة من نوعها وهذا المقام كان وبقيّ إلى أن بعث محمّد صلّى الله عليه وسلّم مكان الحجّ الحقيقي لأبناء إسماعيل على قدم المساواة مع أبناء إسرائييل إذ القبيلة ترجع لنفس الأجداد.فالله هو إلاه إبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد فهو الإلاه الواحد الأحد مالك الكون .وكلّ القبائل تعلن نفس العقيدة عقيدة إبراهيم والله اختار المكان الذي تقيم فيه قبيلة إسماعيل ليضع هنالك اسمه وجعل من ذلك المكان مكان حجّ للعالمين لكلّ الأمم وقد أعلن ذلك في الثوراة وكذلك محمّد النبي أعلن في التوراة ليكون النبيّ الذي يأتي بعد موسي لكن اليهو نصرنيّة بتفسيراتها وتأويلاتها المختلفة جعلوا من ذلك إعلان عن نبيّ لبني إسرائيل ولوضع حدّ لهذه المعركة السخيفة الله يقول لنبيّه في سورة الحجّ الآية -67 يقول تعالى :" وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون " وكذالك الآية 69 من نفس السورة :"الله يحكم بينكم يوم القيامة بما كنت فيه تختلفون" فبالنسبة لنا وبالنسبة لله محمّد هو آخر رسول للناس أجمعين ومكّة التي بناها إبراهيم هي بيت الله الذي هو الوحيد لكلّ الناس الذين يعتقدون في الإلاه الواحد ويعبدونه في الحجّ بالطريقة التي نصّ عليها في كتابه.
لقد تبيّن لنا أنّ موسى لم يقم أي مكان مضبوط للحجّ لبني إسرائيل في مصر فقد كانوا يقدّمونا القرابين في كثير من الأماكن في الصحراء وهذا قد أكّده القرآن فموسى وهارون طلبا من قومهما أن يجعلوا من بيوتهم أماكن للعبادة(سورة يونس الآية87)
إذا قرابة 40 سنة تحت توجيهات موسى وأخيه أبناء إسرائيل يواصلون عباداتهم في سينا ثمّ عندما كانوا في فلسطين كانوا يقدّمون القربان في أماكن متعدّدة تبعا للظروف السياسيّة ويختارون الأماكن المرتفعة .

القدس التي لم تكن أبدا مدينة مقدّسة ولا أوّل القبلتين ولا المكان الذي انطلق منه المعراج:
كلمة القدس وكذلك كلمة المعبد لم يذكرا في القرآن فالقرآن يجهلهما جهلا تاما ويمكن أن نجزم نهائيّا أنّ القدس والمعبد ليس لهما أيّ صفة مقدّسة في القرآن وكذلك بالنسبة الذين عاشوا عند نزول القرآن .فالقرآن لا يحدّثنا إلّا على "الواد المقدّس"سورة طه الآية 12 قول تعالى :"إنّي أنا ربّك فاخلع نعليك إنّك بالواد المقدّس" أين موسى عليه السلام تلقّى نداء الله.كما حدّثنا عن الأرض المقدّسة أين شعب موسى بعد أن تخلّص من فرعون سمح له أن يقيم فيها يقول تعالى في سورة المائدة الأية21:" يا قومي أدخلوا الأرض المقدّسة التي كتب الله لكم ولا ترتدّوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين " فما عدى معبد مكّة فالقرآن لا يعرف أماكن أخرى مقدّسة. وبداية من القرن الرابع بدأ االمفسّرون بتأثير من الإسرائليات أي الخرافات اليهوديّة الذين جعلوا من القدس مدينة مقدّسة.ومن المعبد القبلة الأولى وهذه العادة لا تعتمد على أركان عقائديّة واقعيّة فما هي إلّا مزايدات جاءت متأخّرة وتحكيميّة ففي مكّة كان للرسول عليه السلام مهمّته وكذلك لجمع من سكّان مكّة وهي اتّباع ديانة الذين نسميهم "الحنفاء "وهذا ما لا تقبله "اليهونصرانيّة" وتعارضه.وكلمة حنيف جاءت في القرآن 12 مرّة و8 منها بعلاقة مع إبراهيم عليه السلام و4 منها لها معنى أكثر عموميّة فما هو الحنيف كما جاء في القرآن ؟
فمحمّد الحنيف صلّى الله عليه وسلّم عندما دعاه الله ليكون آخر رسوله
فإلى أين يتّجه حين يصلّي؟لا يمكن أن نجد أي آية في القرآن تذكر أي قبلة معيّنة من الله.فالله قد ترك له المبادرة وبما أنّه "حنيف"فقد توجّه عند الصلاة إلى مقام إبراهيم عليه السلام الذي أقامه في مكّة فلا يمكن للرسول أن يتوجّه عند صلاته للكعبة التي كانت وقتها مؤثّتة بالأصنام إذ يقال أنّ عدد الأصنام التي كانت موجودة في الكعبة 360 صنما .
كان الأمر الوحيد الذي جاء إلى محمّد هو أن يقيم الصلاة في سورة الكوثر الآية 2 حيث يقول تعالى :"فصلّ لربّك وانحر" ثمّ جاءه الأمر بدعوة عائلته أن تقلّده وذلك في صورة طه الآية 132 حيث يقول تعالى :" وآمر أهلك بالصلوات واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للمتّقين" فأين كان يؤدّي الرسول الصلاة؟ من المؤكّد أنّه كان في أغلب الأحيان يؤدّي الصلاة في بيته ومن المؤكّد أنّه كان أحيانا يؤدّيها في معبد مكّة والعادة تقول أنّه كان يقف في الجنوب ويتّجه نحو الشمال ليكون مواجها لمقام إبراهيم والصلاة لم تفرض كواجب عقائدي على كلّ المسلمين إلّا بعد المعراج أي بعد صعود الرسول إلى السماء ويؤرّخ له ب27 من الشهر القمري رجب في السنة الثانية قبل الهجرة وهذا يوافق سنة 620ميلادي وإن نضع نزول القرآن وبداية الإسلام سنة 610 ميلادي معنى ذلك أنّ المسلمين الأوائل بقوا عشر سنوات بدون أن يعرفوا أو يمارسوا الصلاة وتبعا لهذا ومن الطبيعي أن لا يتّجهوا لأيّ قبلة وعندما فرضت الصلاة كعبادة على كلّ المسلمين فإنّ المجتمع المسلم المكيّ المضطهد سيتوجّه في صلاته في نفس التوجّه الذي اختاره الرسول بدون أن تكون هنالك تعليمات إلاهيّة فرضت عليه هذا التوجّه فمسلمي مكّة يقلّدون ويتبعون تلقائيّا الرسول ومن المعلوم أنّه على امتداد الفترة المكيّة لم يكن بمكّة أي مسجد.
وبعد الهجرة وعندما استقرّ الرسول في المدينة المنوّرة أقام الرسول وجماعته مسجدا وحافظ الرسول على نفس القبلة أي في اتّجاه الشمال.إذ لم يكن من الممكن أن يتوجّه لمكّة المكان الذي طرد منه أو الذي هرب منه للحفاظ على حياته من الموت الذي كان محدقا به و إذا لم يكن في إمكان الرسول أن يأخذ قبلة أجرى باجتهاد شخصي لا نحو الجنوب ولا نحو الشرق ولا نحو الغرب لأنّه لم يكن له أي مبرّر ليغيّر قبلته فكلّ تغيّر للقبلة بدون أمر إلاهي واضح لا يمكن إلّا أن يكون إلّا تحكيمي فما هو الداعي ليغيّر قبلته بانتقاله من مكّة للمدينة؟ خاصة أنّ كلّ توجّه نحو مكّة بلاد الشرك والعداوة للإسلام قد لا يرضاها سكّان المدينة المنوّرة الذين آووه عند الشدّة وفي نفس الوقت قد يستغلّ المشركين توجّه الرسول لمكّة لصالح آلهتهم .إذا كان التوجّه للشمال هو الأنسب خاصة أنّ فيه محافظة على عادة قديمة نسبيّا أي 12سنة.وهذا من شأنه أن يحفظ المجموعة المسلمة التي أطردتْ من ديارها من البلبلة في حين أنّ جهة "سوريا-فلسطين"كانت لها مكانة مرموقة سياسيّا وتجاريّا وعقائديّا فالرسول والمسلمون يعرفون أنّ إبراهيم قد استقرّ في أرض كنعان إين أقام أوّل مكان للعبادة لله الواحد الأحد وأين دفن فالمحافظة على نفس القبلة هو في الأخير المحافظة على التوجّه للأماكن التي أقامها إبراهيم في "شيسام" و كذلك أين موسي عليه السلام أذن لشعبه بإقامة لموائد أي التوجّه نحو الواد المقدّس ونحو الأرض المقدّسة وهما المكانان المقدّسان اللذين ذكرهما القرآن
لقد وضحنا بما فيه الكفاية أنّ توجّه الرسول نحو الشمال لم يكن لوجود القدس أو المعبد لكن بقى الإشكال فيما يدّعيه المسلمون من أنّ القدس هي القبلة الأولى أو أولى القبلتين.إنّ ذلك كان تحت تأثير القصص اليهوديّة التي تسرّبت للإسلام من الذين اعتنقوا الإسلام من اليهود وهي تفسّر الرغبة الساذجة والمغالطة كما نجد ذلك عند الطبري خاصة .
بقي علينا أن نحلّ إشكال "المسجد الأقصى والذي نصّ عليه القرآن والذي جعل منه الاعتقاد وحدّده بالمعبد والقدس وقد بينّا أنّ حصنا كاتوليكيّة أقيمت مكان المعبد والذين خلقوا هذه الحكاية لا يمكنهم نكران هذا ولا بدّ أن يكونوا قد فكّروا في الموقع أو في بعض البقايا التي وجدت في المكان وهذا ما يقوله القرآن :"سورة الإسراء الآية 1 :" سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السميع البصير" هل وجد في هذه الآية المسجد الأقصى مع المعبد والقدس؟لا شيء يسمح بهذا الاستنتاج بل كلّ شيء يدعو لرفضه فالقرآن لا يذكر في أي مكان –كما بيّنا ذلك لا القدس ولا المعبد كما أنّ موسى لم يذكرهما وذكر" شيسام" التي تحفظ ذكرى إبراهيم .ولاشيء يثبت أنّ الصخرة التي أقام عليها عبد الملك بن مروان مسجدا يحمل اسمه (685-692) لتكون كما يروّج لذلك نقطة انطلاق الرسول للسماء في لحظة فاصلة أو واسطة بين النوم واليقظة حيث يكون قريبا من الله الذي أطلعه على البعض من آياته وفي هذه الحالة لو أراد الله أن يجعل هذه الصخرة هي مكان وصول من الإسراء للسماء لفعل ذلك بكلّ وضوح كما عوّدنا في القرآن .
فكلّ حكاية الإسراء والمعراج كما جاءت عن الرواة التقلديّن قد أخذت" من الأحاديث الموضوعة وهي التي أوحت للفيلسوف "دانت" فهي أدب شعبي وزُوّق بكثير من الخوارق. ويعبّر الطالبي عن موافقته -في هذه النقطة- للمترجم للقرآن "بوبكّر حمزة" الذي ينقل :"أنّ تفسير الإسراء من مكّة لبيت المقدس هي اختلاق حديث لم تكن يعلمه الجيل الأوّل من المسلمين الذي جاء قبل الخليفة عبد الملك بن مروان" الذي كان في خلاف وخصام كبير مع عبد الله بن الزبير فأراد بالرفع من أهمّية القدس عند المسلمين أن يحرم خصمه الخطير من الامتياز الكبير وهو أنّه مستقرّ في مكّة. فعبد الملك بن مروان الذي لم يجرأ على الحطّ من قيمة مكّة لأنّ ذلك لم يكن مُرْبحا سياسيّا فقد عمد إلى استخدام الرواة التقليديّن فوضعوا له مجموعة من الأحاديث التي تعجبه لذلك لم تكن من الصدفة أن جعل من الصخرة مكانا لإقامة مسجده فكان يهدف إلى اكساء المكان صبغة مقدّسة ويأتي بدليل ليؤيّد الأحاديث الموضوعة والتي تجعل من ذلك المكان منطلقا للصعود نحو السماء .وقد تواصل التدليس إلى درجة أن أظهروا آثار أقدام الرسول لذلك فإنّ ّحميد الله" عند ترجمته للقرآن كان على حقّ عندما قال أنّ المسجد الأقصا لا يمكن أن يكون إلّا في السماء وليس في القدس لأنّ السورة الروم في الآية3 تنعت فلسطين بأدنى بالأرض يقول تعالى :"في أدنى الأرض وهم بعد غلبهم سيغلبون".إذن في الإسراء لم يكن هنالك سفر بمحطّتين إسراء ذهب إلى القدس ثمّ معراج نحو السماء مع رجوع مباشرة إلى مكّة فهذا اختلاق ديني وسياسي .فالقرآن لا يتكلّم على المعراج فكلمة معراج لا وجود لها في القرآن فهو يتكلّم فقط على إسراء في لحظة من الليل مباشرة وفي زمن قصير بزمننا الأرضي بدون أي محطّة من مكّة لمكان في السماء يرمز له "بسدرة المنتهى"وهو المكان الذي لا يمكن أن نقترب من الله أكثر منه.
فقد كان للرسول رأيتين : الأولى في الأرض في أوّل بعثته والثانيّة في السماء في نزلة في مكان لا يمكن أن نحدّده أي جاء سبحانه لملاقاة عبده ورسوله في منتصف بعثته في ظرف صعب جدّا عندما نبذ الرسول من قومه ولم تكن له أي حماية وكان يخشى أن يغتال في أي لحظة.فسورة النجم بفقرتين تلخّصان هاتين الرؤيتين":
الرؤية الأولي:"والنجم إذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى وما ينطق على الهوى إن هو إلّا وحي يوحى علّمه شديد القوى ذو مرّة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثمّ دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى"
الرؤية الثانية:" ولقد رءاه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنّة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربّه الكبرى"
عندما نُرْجِع شعائر الحجّ لعناصرها الأساسيّة نجد أنّها ليست جديدة فهي ترجع إلى إبراهيم. والإسلام عندما وجدها لم يزد على أنّه طهّرها من ما لحق بها من مظاهر الشرك والوثنيّة.فالحجّ كما نمارسه اليوم بعد أن طُهِّر من التحريف والفلكلور الذي أدخله المشركون عليه يعتبر تواصل في استمرار مع الحجّ الذي كان قبل الإسلام الذي استمرّ العرب في ممارسته كذكرى لإبراهيم باني مكّة .فالرسول صلّى الله عليه وسلّم قد ساهم في هذا النوع من الحجّ وقد نَقل لنا الصحابي جُبير بن عبد الله: أنّ رسول الله صلّى الله عله وسلّم حجّ ثلاث مرّات اثنان قبل الهجرة وواحدة بعدها" فمتى حجّ هاتين الحجّتين قبل الهجرة وكيف كان ذلك ؟ فنحن لا نعرف تقريبا شيئا عن هاتين الحجّتين لكن لا يمكن أن نتصوّر أنّ ذلك وقع عندما بُعث بالرسالة لأنّ وقتها كان محاصرا ومضطهدا من المشركين لذلك نقدّر أنّه قام بالحجّتين قبل البعث عندما كان مع الآخرين من سكّان مكّة يمارسون عقيدة ال"حنيف" بما في
ذلك الحجّ. فمن المؤكّد أنّه حجّ على طريقة الحنفاء .فالحجّ هو العبادة الوحيدة التي تمارس جماعة وتبعا لما أقرّه إبراهيم فهو مفتوح لكلّ الناس فالقرآن يقول في سورة الحجّ الآية27 :"وأذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق" هذا هو الأمر الذي أصدره الله لإبراهيم وقد حافظ سكّان مكّة على هذه العادة بالاحتفالات في الحجّ حتّى جاء الإسلام . ففي أي تاريخ من السنة كان يقام الحجّ؟ كان يقام في الثلاثيّة الأخيرة من السنة القمريّة وذلك لضمان أمن الحجّاج الذين يأتون من كلّ أرجاء الجزيرة العربيّة .وهذه الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة أُعْلِن أنّها محرّمة فلا يقع فيها أي قتال وبالتوازي مع الحجّ يقام معرضين الأول في ذي القعدة الشهر الحادي عشر والثاني في الشهر الثاني عشر ذي الحجّة.والرسول عليه السلام قبل بعثته شارك مرّتين في الحجّ الذي كان يشرف عليه المكّيّون حجّ بشعائر جماعيّة للذين يعبدون آلهة مختلفة فما هي الشعائر الجماعيّة التي كانت تمارس؟والتي وضعها إبراهيم والتي فتحها لكلّ الناس المختلفي العقيدة فلنسأل القرآن يقول تعالى في سورة الحجّ الآية26:"وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهّر بيتي للطائفين والقائمين الركّع السُجُود " والآية 12 من سورة البقرة إذ يقول تعالى :" وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتّخذوا من مقام إبراهيم مُصلّى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعَاكفين والرُكّع السُجّد" هاتين الآيتين تلخّصان مناسك الحجّ كما كان يقع في أيام إبراهيم بأمر من الله.فالحجّ هو طواف حول الكعبة وهو دعاء (صلاة) وقوفا مع انحناء وسجود فكلّ أنواع العبادة واحدة في كل الديانات في العالم تمارس هذا النوع من العبادات تقرّبا لله "ربّ العالمين"الذي ذكر 36 مرّة في القرآن.فالحجّ هو طواف وهذا النوع من العبادة الأكثر فرجوّة فهي في نفس الوقت الصيغة الأكثر عالميّة والعبادة الأقدم التي تقام لخالق الكون. فالطواف موجود في كلّ الديانات منذ الديانات البدائيّة إلى يومنا هذا فالإسلام هو دين الفترة دين الطبيعة و الإنسانيّة الأصليّة فهي الديانة المحفورة في شعور الإنسان فمنذ ظهور الإنسان في نهر الحياة فهو ينتصب واقفا يستمع لخالقه ف"كمبيوتر" مخّه وصل إلى مستوى الضروري والكافي ليلتقط رسالة الله بطبيعته بفطرته. فالإسلام يعني بالفعل وضع الإنسان نفسه بدون شرك وبتلقائيّة وبالكامل بين يدي الرحمان الرحيم التي يفعل الرحمة والذي برحمته هذه ينقض دائما الإنسان ويكون في عونه. .ففي مناسك الحجّ كما وضعها إبراهيم للذين يأتون من الأماكن القاصية من العالم عبرة وتذكّر فالإسلام هو وضع الإنسان نفسه بين يدي الله الرحيم وهذا يظهر بوضوح في مستوى اللإنسانيّة العالميّة.
و في مناسك الحجّ الناس كلّ الناس يطوفون حول الكعبة مع بعضهم وقد التفوا بقطعتين من القماش الأبيض والحجّ هو كذلك صلاة ودعاء بالصيغة الكاملة للدعاء..إذ الصلاة هي دعاء بالجسم والروح وهي في نفس الوقت موجودة في كلّ ديانات العالم من يوم أن صار الإنسان إنسان.
في كلّ ديانات العالم كان الإنسان دائما يدعو واقفا و في حالة ركوع وسجود .في الحجّ ينتصب الناس واقفين يركعون ويسجدون أمام خالقهم فهم يشكرونه على أن أعطاهم الحياة والتفكير ولّا يحيطون بشيء من علمه إلّا ما شاء. كما جاء في الآية 255من سورة البقرة . ففي الإسلام الله لا يمنع الإنسان من الدخول إلى علم الله لأنّه جعل من الإنسان خليفته في الأرض كما جاء في الآية30 من سورة البقرة:"وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك قال إنّي أعلم ما لا تعلمون". في الحجّ الناس يقومون بنفس العبادة التي تقدّم لسيّد الأكوان في الماضي والحاضر والمستقبل لا للعالم الذي نعيش فيه فقط الذي ما هو إلّا عالم من بين عدد غير معروف لنا من العوالم .ففي الحجّ تعي الإنسانيّة معنى الاختلاف وأهميّة الوحدة و التساوي في واقع عملي.
بالنسبة للإسلام الإنسان ليس نكرة فهو مكلّف بمهمّة والحجّ يمكّنه من الوعي بشموليّة مهمّته فبيت الله كما سنرى لاحقا لابدّ أن تفتح لكلّ الناس الحجّ هو دعاء شمولي لكلّ الإنسانيّة وهو في نفس الوقت دعاء لكلّ إنسان بمفرده حسب خصوصيّته إذ للدعاء مكانة خاصة في الحجّ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.