عاد السيد الباجي قائد السبسي أمس ومن جديد الى لغة التحذير.. والتنبيه.. والصراحة وقال للتونسيين جميعا أن الوضع الاقتصادي لا يبشّر بأي خير وأننا على أبواب أزمة اقتصادية اذا استفحلت وكشّرت عن أنيابها فإن الضرر سيكون فادحا وجماعيا وكارثيا.. لقد تكلّم السيد الباجي بلغة الصدق ووضع التونسيين جميعا أمام مسؤولياتهم.. وأوضح لهم الصورة.. وقال لهم: هذا ما ينتظركم.. ولكن يبدو لي وأرجو أن أكون مخطئا أن هذا الكلام الذي لم يقله السيد الوزير الأول لأول مرة والتقى فيه مع السيد وزير المالية سوف يدخل من أذن ويخرج من الأذن الأخرى.. أقول ذلك بناء على ما نلمسه ونراه ونشهده من وقائع لا تدل على وعي بالحالة الاقتصادية التي وصلت اليها البلاد بل تدل على «صحّة راس».. و«عناد».. وإصرار على الاستمرار في الممارسات والسلوكيات التي من شأنها أن تسمّم الأجواء.. وتزيد الطين بلّة.. وتعفن الأوضاع الاجتماعية والأمنية والاقتصادية.. إنني لا أرى في الأفق ما يشير الى أننا حزمنا أمرنا و(فهمنا أرواحنا).. وشعرنا بالخطر وقررنا أن نشارك كل من موقعه في إنقاذ السفينة من الغرق.. وسيقول قائل: أنت متشائم فاترك فسحة من الأمل وانظر الى الأمور نظرة أقل سوداوية.. وأرد على هذا القائل بقولي: إنني بالفعل متشائم.. بل وخائف.. متشائم لأنه ليس هناك ما ينبئ بأننا دخلنا مرحلة جديدة بعد مرحلة التأزم الاقتصادي فالحال على ما هو عليه بل هو بصدد التراكم.. والتراجع.. والضعف.. وخائف لأنني عندما أقيّم الأوضاع الآن وفي هذه اللحظة بالذات لا أراها إلا مفضية إلى أوضاع أسوأ.. فالسوء متواصل ومستمر ويزداد يوما بعد يوم من حيث الكمّ ومن حيث التأثير.. وسيبلغ حدّ الكارثة بعد فترة قصيرة لا تتجاوز بضعة شهور.. وأخشى ما أخشاه أن يكون هناك من يراهن على تعكير الأجواء.. وتعفين الأوضاع.. والتحريض على كل ما من شأنه أن لا يساعد تونس على طيّ صفحة الماضي والانتقال إلى صفحة جديدة تستجيب لطموحات ومطالب وآمال الثورة.. إننا الى الآن لم نفهم أن تونس بحاجة الى الهدوء الذي يساعدنا على التفكير العميق والمنطقي وعلى تحديد الاتجاه السليم والصحيح.. وعلى النظر الى المستقبل نظرة واقعية تضع امكانيات البلاد في الاعتبار.. أن إشعال الحرائق.. وإطلاق العواصف.. وزرع الألغام.. و«فشان العجل».. كلها أساليب لن تزيد الوضع الاقتصادي في البلاد إلا تأزما وانخراما وانحلالا.. ووضع اقتصادي من هذا القبيل لن يستفيد منه إلا أولئك الذين يدّعون أن لديهم مفاتيح الجنّة على الأرض.. ولا أحبّ أن أدخل في التفاصيل وأكتفي بالإشارة.. واللبيب بالإشارة يفهم فأقول أنه إذا جعلنا «رأس المال» الوطني «يجفل».. ورأس المال الأجنبي «يخاف».. والتجار الصغار والكبار لا يشعرون بالإطمئنان.. وأصحاب المؤسسات الضخمة وغير الضخمة لا يسمعون تقريبا إلا نغمة تشبه نغمة: «شركاء لا أجراء».. فماذا تتوقعون؟ هل تتوقعون غير استفحال الأزمة.. وما يتبع ذلك من تفاقم للمشاكل التي قامت بسببها الثورة؟