أعلنت ألمانيا مؤخر ا عن قائمة الدول المدعوة لحضور مؤتمر ليبيا في العاصمة برلين المزمع عقده يوم الأحد المقبل،دون أن تستضاف تونس لهذا المؤتمر،الأمر الذي سبب حالة من الأسى والأسف في الأوساط التونسية على هذا-الإستبعاد-وأثارتساؤلات عن أسبابه، وتداعياته،لا سيما في ظلّ الدور الذي يمكن أن تلعبه تونس مستقبلاً في الملف الليبي، فضلاً عن تكلفة انهيار الأوضاع الأمنية في جارتها عليها. وقالت ألمانيا إنّ الحضور سيقتصر على الولاياتالمتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والإمارات وتركيا والكونغو وإيطاليا ومصر والجزائر،في حين لم توجّه-كما أسلفنا-الدعوة إلى تونس. وعلى مستوى المؤسسات الدولية والإقليمية،ستشارك الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية في المؤتمر.كذلك،وُجهت الدعوة إلى كل من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، فائز السراج،واللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر. الحضور اللافت لكل من الجزائر ومصر في مقابل غياب تونس،طرح أسئلة حول الحجم السياسي والدبلوماسي لبلدنا دولياً، على الرغم من أنها معنية أكثر وتضررت بشكل أكبر على مدى السنوات الماضية من الأزمة الليبية،مقارنةً بالدولتين المذكورتين. في هذا السياق،قال السفير التونسي لدى ألمانيا،أحمد شفرة، يوم أمس (15/01/2020)،أن تونس فوجئت واستغربت من إقصائها عن حضور المؤتم،مشيراً إلى أن "ما أثار دهشتنا أكثر كونه يأتي من ألمانيا الشريك الذي تربطه بتونس علاقات جيدة وممتازة وقائمة على الثقة".وقال السفير التونسي إنه "لحد الآن لم نفهم ولم نتفهم هذا الموقف، ولم نفهم أي توضيحات أو مبررات بشأن إقصاء تونس، وما قدم للجانب التونسي غير مقنع". من جهته،اعتبر رئيس "المرصد التونسي لحقوق الإنسان"، الناشط الحقوقي المطلع على الملف الليبي،مصطفى عبد الكبير، في تصريح صحفي، أنّ إقصاء تونس من مؤتمر برلين "يعود إلى أسباب عدة،منها الفشل السياسي والدبلوماسي التونسي في التعامل مع ملف ليبيا،إذ ظلّت تونس تتعاملعشوائياً مع هذا الملف،ولم تكن مع أو ضد أي طرف، وبقيت من دون موقف،كما أنّ تأثيرها في المؤتمرات الدولية في هذا الشأن كان ضعيفاً". وأضاف أنّ "السياسة الخارجية التونسية ضعيفة، وعدم وجود وزير خارجية على رأس الوزارة، أثّر أيضاً، وساهم في عدم الحضور في مؤتمر برلين". في السياق ذاته،يرى مراقبون أنّ الدبلوماسية التونسية فشلت مرات كثيرة في اقتناص فرص لعب دور متقدّم في الملف الليبي على مدى السنوات الماضية، إذ كانت هناك رغبة ليبية حقيقية في قيام تونس بدور فعّال في الأزمة لأسباب عديدة، أهمها أنها ليست لديها أطماع على عكس دول عربية وغربية أخرى، ونجحت في مسألة حيادها الإيجابي من الأطراف المتنازعة. كما أنّ الرئيس الراحل، الباجي قائد السبسي، كان عدّل من انحياز حكومة المهدي جمعة (2014-2015) لمعسكر الشرق الليبي، واستطاع أن يطلق فكرة مؤتمر دول الجوار عام 2017، بما منح تونس حيزاً مهماً من المبادرة، في وقت كان فيه العالم يتفرّج على التقاتل في ليبيا. ولكن تلك المبادرة لم يكتب لها النجاح، بسبب الموقف المصري الذي انزعج من قيادة تونس للمبادرة من ناحية، ولأنه كان ولا يزال يؤمن بأنّ فرض حفتر كأمر واقع، سيعود بمنفعة أكبر على القاهرة، اقتصادياً واجتماعياً (كتوسيع سوق العمالة المصرية،والسيطرة على المشاريع شرقاً وتوسيعها غرباً،في حال نجح حفتر في مسعاه). -كاتب هذه السطور-يعبّر بأسف شديد وإحباط أشد عن انزعاجه من الصمت الدبلوماسي بشأن تغييب بلادي (تونس)عن مؤتمر برلين،وعدم توضيح الرئاسة التونسية لأسبابه، خصوصاً أنّ مسؤولين فيها كانوا أكدوا أنّ تونس ترفض حضور مؤتمر لا يتم إشراك الليبيين فيه،فيما وجّهت الدعوات للأخيرين.وكانت الرئاسة أوضحت أيضاً أنها تبحث مع ألمانيا صيغة المشاركة في المؤتمر،وكان هناك حماسة تركية وإيطالية كبيرة لحضور تونسوالجزائر،ولكن المواقف التونسية المرتبكة والمتضاربة بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتونس،قلّصت منها.وقد تكون هذه الأطراف رأت في حضور الجزائر كافياً،باعتبار أن هناك تماهيا في مواقف الدولتين من الأزمة،إلا إذا تمكّنت تونس في اليومين المتبقيين قبل الأحد-وهذا مستبعد في تقديري-من فرض نفسها على طاولة المفاوضات. ختاما،يشار إلى أن الفشل الدبلوماسي والسياسي في التعاطي مع الملف الليبي برؤية ثاقبة تنأى عن عدم الاكتراث،جعل تونس وكأنها-غير معنية-بهذا الملف،على الرغم من أنّها ومنذ عام 2011، كانت أكثر دولة دفعت الثمن اجتماعياً واقتصادياً،إذ كان لديها قرابة 300 ألف عامل في ليبيا،فيما اليوم-وفق تقدير رئيس "المرصد التونسي لحقوق الإنسان"،الناشط الحقوقي مصطفى عبد الكبير- انخفض هذا العدد إلى 20 ألفا وحتى أقل، بينما تراجعت المبادلات التجارية بين الدولتين.هذا فضلاً عن أن تونس عانت من الإرهاب وتسلل الإرهابيين إلى أراضيها،وقد تلقّت بسبب ذلك ضربات موجعة".علما أن نحو مليوني ليبي موجودون في تونس اليوم،نصفهم مستقرون،والنصف الآخر يتنقلون بانتظام.. والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقه،وبه أختم هذا المقال: لمَ لم تستغل تونس الأوراق التي بحوزتها ولم تفعّلها وهي عمقها التاريخي،وامتدادها الجغرافي،وموقعها الإستراتيجي للحضور في مؤتمر برلين،هذا بالإضافة إلى كونها عضواً غير دائم في مجلس الأمن..؟،وفي المقابل عملت الجزائر على الملف الليبي، واستعملت أوراقها جيداً،إذ أكّدت أنها معنية بهذا الملف،بل وأنها ستكون طرفاً فيه،فيما ظلّ التونسيون أنفسهم يترقبون رسائل طمأنة من رئاسة الجمهورية حول تطورات الوضع،ولكن بلا موقف واضح.. وأرجو أن تضاح المواقف من الجهات الرسمية..