في كلمته التي توجه بها إلى الشعب الإيطالي طلب رئيس الحكومة " جوزيب كونتي " من الاتحاد الأوروبي أن يقف مع إيطاليا وأن لا يتركها بمفردها تجابه محنتها الصحية التي حلت بها بعد أن تفشى فيها فيروس الكورونا بصفة كبيرة و فرض على كافة مدنها الدخول في وضعية الحجر الصحي وتصنيفها من قبل منظمة الصحة العالمية بلدا موبوءا واعتبر أن الكارثة التي حلت بالبلاد لا يمكن لإيطاليا بمفردها أن تتجاوزها أو أن تتخطاها لضعف الامكانيات. ونفس الموقف صدر عن الرئيس الفرنسي " إمانويل ماكرون " الذي أعلن في خطابه إلى الشعب الفرنسي عن حزمة من الاجراءات تم اتخاذها لمجابهة الكارثة الصحية التي حلت بالبلاد بعد أن تمدد فيروس كورونا وبات يهدد أرواح الآلاف من الفرنسيين حيث تواصلت الإصابات بالعدوى بين الفرنسيين ما جعل الحكومة تتخذ اجراءات ضرورية وقد اعتبر هو الآخر أن هناك مسؤولية جماعية يتحملها الاتحاد الأوروبي الذي تحولت دوله وفق منظمة الصحة العالمية إلى بؤرة وباء عالمي لفيروس كورونا بعد أن اجتاحت العدوى الكثير من دول القارة العجوز بما يجعل من الضروري على الاتحاد الأوروبي وفق ماكرون أن يبدي تضامنا أكثر للخروج من هذه الوضعية الصعبة التي سوف تكون لها تداعيات وخيمة في المستقبل ليس فقط في المجال الصحي بل والاقتصادي والاجتماعي والمالي وحتى على التصور العام للعيش المشترك. من خلال كل هذه التصريحات الصادرة عن المسؤولين في كل من إيطاليا وفرنسا والكثير من قادة الدول التي وصلها فيروس كورونا يتضح أن هناك قناعة بخصوص مقاومة هذا الوباء القاتل وهذه الكارثة الصحية التي حلت بالعالم وهناك اتفاق على ضرورة الحل الجماعي للخروج من هذه الأزمة وأن الحل الفردي الذي يجعل كل بلد يصارع الوباء بمفرده لا يجدي نفعا وأن الحل الفردي لن يقدر على جعل كل بلد أصابها الوباء أن تنجح بمفردها في مقاومته مهما كانت قوتها أمام سرعة انتشاره وقدرة هذا الفيروس الكبيرة على العدوى في ظل غياب دواء يوقف تأثيره أو لقاح يحمي الإنسان من إصابته به. إن الحديث اليوم عن الحل الجماعي ونحن نواجه كارثة صحية تصيب العالم بأسره والحديث عن الخلاص الجماعي في مقابل الخلاص أو الحل الفردي يحتاج إلى وعي بهذا التوجه وإدراك كبير بهذا النوع من التفكير الذي تحتاج إليه الشعوب كلما حلت بها كارثة أو أصابها تهديد ففي الكثير من الأوقات نحتاج إلى حلول جماعية للخروج من الأزمات التي تحل بنا ونذهب إلى التفكير الجماعي والتضامن الجماعي لمعالجة إكراهاتنا ونحتاج أن نتخلى عن الكثير من أنانيتنا وحبنا لذواتنا ونكران الخصوصية والفردانية التي تعم العالم وتنتشر بقوة . فما نحتاج إليه اليوم في مثل هذه الأوقات العسيرة وهذه المحنة التي نمر بها أن ينمو فينا الحس الجماعي وأن نستعيد كل القيم التضامنية التي تربينا عليها وعشنا على وقعها وأن نستحضر كل القيم الدينية والمدنية التي تعلمناها عن التآزر والتضامن والوحدة والتفكير الجماعي . ما نخشاه في مثل هذه الأوقات الصعبة التي نمر بها أن ينمو ويتمدد لدى البعض من أفراد شعبنا الوعي الباهت الذي تطغى فيه روح الفردانية والتفكير الأناني وتغليب المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة فتطفو الأنانية وحب الذات ما يعسر على الحكومة عملها في مواجهة المشكل الرئيسي الذي يشغلها و يزيد من صعوبة تعاملها مع المحنة التي تواجهها ففي مثل هذه الحالات تكون الحكومة أمام أزمة وصعوبة مضاعفة فعوض أن تصرف جهدها وكل إمكانياتها في مواجه الكارثة التي حلت بنا وتسخر كل جهدها في محاصرة وباء كورورنا تجدها تقاوم في الآن نفسه جشع بعض الأفراد وأنانيتهم وتشتت مجهوداتها لمحاربة المحتكرين للسلع والمستغلين الفرص لتحقيق أرباح مالية من وراء الزيادة في الأسعار وإخفاء البضائع. لقد اتضح اليوم ونحن نواجه تفشي وباء كورونا في بلادنا أنه بعد خمسين سنة من التمدرس والتحديث والتثقيف لم يتحقق الكثير في تربية الشعب على القيم النبيلة التي نحتاجها وأن عقودا من محو الأمية ومقاومة التخلف والتحضر غير كافية لصناعة شعب واع ومسؤول ويمكن التعويل عليه للخروج من الأعاصير والكوارث التي تحل بنا .. لقد اتضح اليوم ونحن نشاهد صورا مؤلمة من الاحتكار والترفيع في الأسعار وإخفاء المواد الغذائية وصورا أخرى من اللامبالاة وعدم الاكتراث بما يحصل وعدم الإمتثال إلى قرارات الدولة وتوصيات المسؤولين الحكوميين أننا نتوفر على أفراد يستحقون أن نعاملهم بأكثر صرامة وبطريقة تناسبهم .. ما يحز في النفس أن الكثير من الناس مستائين من قرار غلق المقاهي في وقت محدد لأن هذا الغلق يمنع عنهم تناول الأرجيلة وهم يشاهدون مباراة في كرة القدم العالمية والبعض الآخر لم يعجبه قرار منع الصلاة في جماعة لفترة من الزمن توقيا من العدوى وما ينجر عن الالتصاق في الصلاة من إمكانية انتشار المرض وما يترتب عن الالتقاء في مكان مغلق من امكانية الإصابة بالفيروس إن وجد لا قدر الله في ظل غياب الالتزام بالتوصيات الصحية. حينما نقول أنه في مثل هذه الأوقات التي تمر بها الشعوب وفي مثل هذه المحن التي تعيشها الإنسانية فإن درس التاريخ يقول لنا إن الحل لن يكون إلا جماعيا ولن يكون من خلال التفكير الفردي وإنما الخلاص والحل لا يكون إلا جماعيا ووفق تفكير جماعي وهو تفكير نابع من صميم ثقافتنا وديننا الحنيف فحينما نصح الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم أصحابه وأوصاهم عندما ينتشر الطاعون في قوم ويكتسح في بلد من البلدان قائلا " إذا سمعتم بأرض انتشر بها الطاعون فلا تقدموا إليها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها " إزاء هذه التوجيهات لم نجد من اعترض أو ناقش أو قال لماذا يمنع عن بعضنا مغادرة البلاد من دون أن يكونوا مرضى رغم انتشار الوباء ؟ وهو سؤال مشروع حيث من الوارد جدا أن يكون هناك من الأفراد في المكان الذي حل به الطاعون أصحاء و غير مرضى فلماذا يمنع عنهم الرسول عليه السلام السفر والتنقل إلى مكان آخر ؟ لقد أوصى الرسول بعدم المغادرة توقيا من انشار المرض والعدوى خارج المنطقة الموبوءة وتحسبا من ظهور أعراض الطاعون بعد فترة حتى وإن لم تظهر أعراضه في الحين . هذه هي المسؤولية وهذا هو الوعي الديني الصحيح وهذا هو التفكير الجماعي والالتزام الجماعي الذي يقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ومصلحة الجماعة على مصلحة الفرد حتى وإن كانت التضحية بالتخلي عن كيفية وطريقة تأدية شعيرة من شعائر الدين .