منذ أن تكونت حكومة الفخفاخ في شهر مارس المنصرم و الجميع يعرف الظروف السياسية التي رافقت التصويت عليها في مجلس نواب الشعب وهي ظروف أقل ما يقال عنها أنها خضعت لإكراهات دستورية حتى لا تعاد الانتخابات التشريعية التي كان الجميع يخشى من إعادتها خسارة مواقعهم إذا ما فشلت مبادرة رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي مكنه الدستور من صلاحية اختيار الشخصية الأقدر بعد فشل حركة النهضة في تمرير حكومتها برئاسة الحبيب الجملي ، حتى بدأت المشاكل ترافقها والصعوبات تكبلها فمن أزمة انتشار فيروس كورونا الذي فرض على الحكومة تحديات طبية وصحية واجتماعية كبيرة إلى معركة تفويض الصلاحيات لرئيس الحكومة ومنحه إصدار المراسيم اللازمة إلى أزمة شبهة تضارب المصالح التي تلاحق إلياس الفخفاخ بعد اكتشاف امتلاكه لأسهم في عدة شركات خاصة لها ارتباط مالي مع الدولة مرورا بمعركة توسيع الحكومة المطلب الذي تمسكت به حركة النهضة لضمان أكبر قدر ممكن من التضامن والاستقرار الحكومي بتشريك قلب تونس وبدرجة أقل نواب ائتلاف الكرامة وهو تصور تعتبره النهضة الصيغة الأمثل لتقوية الحزام السياسي للحكومة حتى تستطيع مواجهة التحديات التي تنتظر البلاد والاستجابة إلى الاستحقاقات الاجتماعية والخروج من الصعوبات المالية وهذا كله لا يكون حسب رأيها إلا من خلال حكومة قوية بأكبر طيف سياسي ممكن. تعتبر حركة النهضة أن الحزام السياسي لحكومة الفخفاخ الذي تشترك فيه مع حركة الشعب والتيار الديمقراطي ضعيف ولا يمكن أن يصمد في ظل غياب التضامن الحكومي وفقدان الانسجام داخل البرلمان للكتل التابعة للأحزاب الحاكمة حيث تشتكي النهضة من تصرفات حليفيها في الحكومة ومن كثرة انتقادهما لها والتصويت إلى جانب نواب أحزاب المعارضة وضدها وهو سلوك تعتبره النهضة لا يخدم الحكومة ويفقدها التماسك والمتانة لذلك فإن موقفها من موضوع تضارب المصالح قد ربطته بقبول الفخفاخ توسيع الحكومة بإدخال قلب تونس داخلها وهو ما يعني عمليا خروج التيار والشعب من الائتلاف الحاكم إذ أن هاتين الحركتين قد صرحتا عن موقف مبدئي وهو رفض المشاركة في حكومة تضم قلب تونس الذي تلاحق رئيسه اتهامات خطيرة لا تقل خطورة عن تهمة تضارب المصالح التي علقت بإلياس الفخفاخ وقد عبر مجلس شورى الحركة عن موقف أول أبدى من خلاله الوقوف إلى جانب الحكومة ورئيسها إلى أن يأتي ما يخالف التهمة التي تلاحقه أي انتظار نتائج التحقيقات الادارية والقضائية بخصوص شبهة تضارب المصالح غير أن المكتب التنفيذي قد غير من موقف الحركة بعد أن تأكدت أن الفخفاخ ليست له نية توسيع الحزام الحكومي الأمر الذي جعلها تراجع موقفها من قضية تضارب المصالح بناء على ما جاء في تصريحات شوقي الطبيب رئيس هيأة مكافحة الفساد الذي اتهم فيها صراحة إلياس الفخفاخ ونسب إليه اخفاء معلومات مهمة تثبت وجود تضارب للمصالح جدي وحقيقي. وهذا الموقف الثاني لحركة النهضة قد عرف هو الآخر تطورا في الساعات الأخيرة بعد الموقف الذي اتخذته حركة الشعب بتصويت نوابها مع لائحة عبير موسي الرامية إلى تصنيف حركة الإخوان المسلمين حركة إرهابية وبعد الخطاب الواضح والمباشر والذي عبر عنه رئيس الحكومة وقصد به رأسا حركة النهضة والذي جاء فيه قوله " إذا لم يعجبك الوضع فما عليك إلا مغادرة الحكومة " في إشارة صريحة إلى عدم الاستجابة لمطلب توسيع الحكومة وفي موقف بيّن يطالب النهضة بالخروج من الائتلاف الحكومي إذا كانت منزعجة من طبيعة الحكومة وأن الحكومة يمكن أن تواصل من دون وزراء النهضة . الموقف الجديد بعد هذه التطورات الأخيرة يتمثل في تخلي حركة النهضة عن المطالبة بتوسيع حزام الحكومة الذي تعتبر أن الزمن قد تجاوزه والانتقال إلى مطالبة رئيس الحكومة بالاستقالة وتغيير تركيبتها من دون التلويح بسحب الثقة منه بما يعني أن حركة النهضة دخلت مرحلة جديدة في معركة لي الذراع في معركة توسيع الحكومة تنبئ بحدوث قطيعة مع الفخفاخ وتجعل الوضع مرشحا لمزيد التأزم والغموض خاصة وأن فرضية استقالة رئيس الحكومة تعيد المبادرة في تعيين شخصية تخلف الفخفاخ إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد وتعيد عملية الحسم إلى قصر قرطاج بدل قصر باردو وهنا يطرح السؤال المحير لماذا لم تذهب حركة النهضة في الخيار الذي يناسبها وهو سحب الثقة إذا كان التعايش مع الفخفاخ لم يعد ممكنا ؟ ولماذا لا تحل الأزمة الحكومية بإعادة العهدة إلى البرلمان بدل مؤسسة الرئاسة وهكذا تكون السلطة التشريعية هي صاحبة المبادرة في تعيين خلفا للفخفاخ من خلال استعادة الحزب الأغلبي زمام تشكيل حكومة جديدة ؟ هذه كلها أسئلة مشروعة غير أن الواضح اليوم هو أنه ليس أمام الفرقاء السياسيين الكثير من الحلول إزاء الأزمة الحكومية التي تسبب فيها رئيس الحكومة بوقوعه في وضعية تضارب للمصالح كما لا يتوفر للأحزاب المتصارعة الكثير من الفرضيات فسواء استقال الفخفاخ ومن ورائها استعاد رئيس الجمهورية زمام المبادرة أو تم سحب الثقة منه داخل قبة البرلمان وبذلك ترجع العهدة لحزب الأغلبية فإن الذي ينتظر الجميع نفق مظلم وبدائل غير مضمونة في ظل وضع مالي محرج للمالية العمومية التي تعرف ثغرة في ميزانيتها تقدر ب 8 مليار دينار لا ندري كيف سيتم التعامل معها وعدم انفراج الوضع الاجتماعي بعد أزمة الكورونا ومواصلة الكثير من المؤشرات في الانحدار خاصة ما تعلق منها بالاحتجاجات الاجتماعية التي تطالب بالتشغيل وتوفير مرافق الحياة الأساسية من ماء وكهرباء وغيرهما..