تصاعدت أصوات العديد ممن ركبوا سروج العمل السياسي في السنوات الأخيرة و0رتبط تموقعهم في المرحلة الإنتقالية بالفشل الذريع قبل أن تعصف بهم الإنتخابات الماضية وتعيدهم إلى أحجامهمالحقيقية، مذ علموا ببرنامج الإصلاحات التي يعتزم يوسف الشاهد إنجازها ، وخاصة منها تلك المتعلقة بالأجهزة والمؤسسات التي عصفت بها رياح الحماقة الثورجية، و0نطلقت ، تبعا لذلك، مزايداتهم الشعبوية المحمومة رفضا لهذه الإصلاحات الحيوية ، معتبرين إياها شكلا من أشكال الثورة المضادة . لا أعتقد أن هؤلاء "الثورجبين" قد إطلعوا، ولو لماما، على الكلاسيكيات الفكرية والإيديولوجية وحتى الأدبية التي عالجت واقع الثورات والإنتفاضات في العالم وإرتداداتها ، وتضمنت بأساليب مختلفة الصراع بين الثوار الحقيقيين و"سراق الثورة" أي "خونة المستقبل" كما يصفهم رجيس ديبريه ، ولا أظنهم يعرفون أن الجنوح إلى اصلاح ما أفسده التسرع والإرتجال هو سلوك ثوري نبيل ، كان أتاه المناضل الكبير الراحل نلسن منديلا، والزعيم الثوري التشيكي الراحل فاكلاف هافال . ليعلم هؤلاء الذين ركبوا سروج الحراك الشعبي في البلاد قبل أن يكتشف الشعب زيفهم ،ان الثورة المضادة التي عادوا للحديث عنها هذه الأيام بكثير من الإندفاع المحموم هي من صميم توظيفهم الإنتهازي لحراك الرابع عشر من جانفي، ومن سعيهم الهستيري للقفز العشوائي على أهدافه لخدمة أجندات شخصية وحزبية ضيقة جدا ،فالإنتهازية والرغبة الجامحة في الإنفراد بركوب سروج الحراك الشعبي، يوحدان أصحاب المصالح الدنيئة المشتركة ويشكلان مكونات ومراحل ما يسمى بالثورة المضادة ، أي ان هؤلاء الذين دأبوا على التحذير من إمكانية وقوعها هم مضرمو نيرانها وليس الذين يطالبون بالتراجع عن الأخطاء الكارثية كما يدعون . إن التراجع عن الأخطاء وتنفيذ الإصلاحات الضرورية وإعادة توظيف الكفاءات الوطنية العالية في كافة المجالات ، هي الطريق الوحيد المؤدي إلى إنهاء الإحتقان في البلاد والشروع الفعلي في البناء على قواعد سليمة ، أما خلاف ذلك فكل الطرق مقطوعة ، فبعد ست سنوات من الصراع حان الوقت ل0تخاذ القرارات الشجاعة التي تعيد الأمل للمواطنين وتمنحهم فسحة تطلع إلى الآفاق الرحبة . نقول هذا الكلام بعد أن إنهمرت سهام الفاشلين والشعبويين مستهدفة رئيس الحكومة ، لا لشيء إلا لأنه رجل اصلاح ما اقترفت أيديهم من حماقات وأول المتحمسين لتسريع تنفيذها ، إذ هي العنوان الرئيسي لبرنامجه الحكومي حتى وإن لم يشر إليها في تصريحاته. يبدو هذه المرة ان اللعبة قد إنتهت ، وان الإصلاحات في طريقها إلى الإنجاز بعد ا ن قرر رئيس حكومة الوحدة الوطنية على إنتهاجها كمسلك منقذ للبلاد ، وقد مسك بزمام المبادرة يسنده الإصلاحيون الحقيقيون والقوى الوطنية المؤثرة على الساحة ، ولا عزاء للثورجيين وأصحاب معاول التهديم الذين ركبوا سروج الحراك الشعبي ووجهوه إلى حيث منافعهم ومصالحهم وأجندات مموليهم بالخارج.