بدأت فكرة إستفتاء الشعب حول تنقيح الدستور وتغيير قانون الإنتخاب ونظام الحكم تنمو في أذهان أصحاب النفوذ والتأثير داخل السلطة وفي صفوف المعارضة وتلقى حيزا كبيرا من دعم كافة فئات الشعب ، بعد أن اكتشف الجميع أن أزمة البلاد تكمن في جانب أساسي منها في هذا النظام السياسي الأعرج الذي كلما تقدمنا خطوة إلى الأمام إلا وأرغمنا على التعثر والتراجع عشرات الخطوات إلى الوراء. لقد أصبح دستور البلاد محل إنتقاد الأخصائيين وغير الأخصائيين ، بل اعتبره البعض عقبة كأداء أمام الإصلاح والنهوض والتقدم. يحدث كل هذا بعد أن أوهمونا عند صدوره بأنه " أحسن دستور في العالم " حسب قولة رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر! وقد كنا نبهنا في الإبان وعندما كان الجميع يهللون، ب:"الإنجاز العظيم" من خطورة تكليف المجالس النيابية بوضع الدساتير لكن لا أحد من أصحاب القرار كلف نفسه مشقة مراجعة الأمر. هذا الدستور الذي ننتقده اليوم هو الرابع في تاريخ بلادنا الطويل، بعد دستور قرطاج ودستور منتصف القرن التاسع عشر ودستور دولة الإستقلال والجمهورية الأولى، بمعنى أن بلادنا هي أكثر البلدان العربية والإسلامية تجذيرا للمفاهيم الدستورية ، وهي أيضا الرائدة في إصدار الدساتير المدنية وأول دولة تفكر في ذلك وتنفذه (دستور سنة 1857)، ولكن هذه التجربة الطويلة والثرية لم تشفع لنا، ولم تجنبنا مغبة إرتكاب الأخطاء التقديرية الفادحة. إن الدساتير ، ككل القوانين العضوية، يضعها الخبراء من ذوي الزاد المعرفي الواسع والكفاءة العالية وليس أعضاء المجالس النيابية بمستوياتهم العلمية المختلفة وانتماءاتهم الإيديولوجية ، ففي الحالة الأولى تكون النتيجة عملا قانونيا خاليا من الثغرات وفي الحالة الثانية تكون صيغة "ترقيعية" فيها ترضية للجميع دون مراعاة للمواصفات الضرورية لمثل هذه الأعمال. فهل من المنطقي أن يشارك في وضع الدساتير الأميون وأنصافهم ؟ والإيديولوجيون وغلاتهم ؟ وهل من الموضوعي صياغتها على أساس موازين المحاصصة الحزبية والمعادلات السياسية المتحولة؟. من الطبيعي إذن ، بعد ان إخترنا أسوأ المسالك أن نجد أنفسنا في هذه الوضعية المزرية ! لقد حان الوقت ل0تخاذ القرارات الجريئة للخروج من المأزق و0ستفتاء الشعب حول الدستور وقانون الإنتخاب ونظام الحكم التي تتطابق مع خصوصيات بلادنا وتطلعات أبنائها.