عاجل/ هذا ما قررته محكمة التعقيب بحق المتهمين في قضية "انستالينغو"..    مجلس وزاري يتابع إجراءات مختلف الوزارات استعدادا لعودة التونسيين بالخارج إلى أرض الوطن..    280 مؤسسة توفر 100 ألف موطن شغل تونس الثانية إفريقيا في تصدير مكونات السيارات    بورصة تونس ..مؤشر «توننداكس» يبدأ الأسبوع على ارتفاع    أخبار المال والأعمال    تحطم طائرة عسكرية من نوع "إف 35" في ولاية نيومكسيكو الأمريكية (فيديو)    الاحتلال يترقب قرارا من غوتيريش يصنفها "قاتلة أطفال"    رونالدو يشد عشاقه بموقفه الرائع من عمال الملعب عقب نهاية مباراة النصر والاتحاد (فيديو)    اليوم في رولان غاروس .. أنس جابر من أجل الدور الثالث    الرابطة في مأزق...الترجي يطالب باحترام الرزنامة    جينيف: وزير الصحة يؤكد الحرص على التوصّل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    نبيل عمّار ل«الشروق»...انتظروا اتفاقيّات نوعية بين تونس والصين    قريبا يشرع البرلمان في مناقشته هذه ملامح القانون الجديد للشيك دون رصيد    الحزقي: قريبا رقمنة الرقابة الإدارية    موجة اعترافات أوروبية جديدة بدولة فلسطين ...تسونامي يعصف بالاحتلال    بنزرت: الاذن بالاحتفاظ بشخص وفتح بحث تحقيقي من اجل اضرام النار عمدا بمنقولات في حادث نشوب حريق بمستدودع الحجز البلدي    تشييع الجندي المصري ضحية الاشتباك مع الإسرائيليين على معبر رفح    نائب فرنسي يرفع علم فلسطين خلال جلسة الجمعية الوطنية الفرنسية    بن عروس: متابعة ميدانية لوضعية المحصول بالمساحات المخصّصة للزراعات الكبرى    بطاقة إيداع بالسجن ضد سمير العبدلي من أجل شبهات جرائم إرهابية    نقص فرص العمل عن بعد وضعف خدمات رعاية الأطفال يمثلان عائقا رئيسيا لوصول النساء إلى سوق العمل (دراسة)    تصفيات كاس العالم 2026:غدا الاعلان عن قائمة لاعبي المنتخب التونسي    ملعب غولف قرطاج بسكرة يحتضن نهاية هذا الاسبوع كاس تونس للغولف    البطولة السعودية: نزول فريقي سعد بقير وأيمن دحمان الى الدرجة الثانية    قفصة: الدفعة الثالثة والأخيرة من حجيج الجهة تغادر اليوم في إتجاه البقاع المقدّسة عبر مطار قفصة-القصر الدولي    تعظيم سلام يا ابن أرض الرباط ... وائل الدحدوح ضيفا على البلاد    قبل جولته الأدبية في تونس العاصمة وعدة جهات، الكاتب جلال برجس يصرح ل"وات" : "الفعل الثقافي ليس فقط في المركز"    افتتاح الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعين من ذوي وذوات الإعاقة بعد أكثر من 4 سنوات من الغياب    الشركة التونسية للكهرباء والغاز تطلق خدمة إلكترونية جديدة    وزير الصحة يشارك في مراسم الاعلان عن مجموعة أصدقاء اكاديمية منظمة الصحة العالمية    وزارة الصحة تنظم يوما مفتوحا بعدد من الولايات للتحسيس بمضار التدخين في اليوم العالمي للامتناع عن التدخين    الليلة أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 18 و28 درجة    قابس: الاحتفاظ بشخص مفتش عنه وحجز كمية من الهواتف الجوالة المسروقة    جنيف: وزير الصحة يستعرض الاستراتيجيات والخطط الصحية الوطنية في مجال علاج أمراض القلب    المنستير: أجنبي يتعرّض ل'براكاج' والأمن يتدخل    عملية بيع تذاكر'' الدربي'' : الأسعار... متى و أين ؟    لدعم خزينته: الأولمبي الباجي يطرح تذاكرا افتراضية.. وهذا سعرها    فتح باب الترشح للدورة 36 لمهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية    بداية من اليوم.. مدينة الثقافة تحتضن الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعيين من ذوي الإعاقة    عاجل : شكاية جزائية ضد وزيرة العدل ليلى جفال    عاجل : الديوانة بميناء حلق الوادي تحبط محاولة تهريب'' زطلة و مخدرات ''    تذمّر المواطنين بسبب غلاء أسعار الأضاحي..التفاصيل    لأول مرة.. إعتماد هذا الإجراء مع الحجيج التونسيين    حادث مرور مروّع في القصرين    وزير التجارة الجزائري يدعو إلى عقد منتدى أعمال ثلاثي جزائري تونسي ليبي    عاجل :عطلة بيومين في انتظار التونسيين    هيونداي تونس تتوج بعلامة "أفضل علاقات عامة" في المؤتمر الإقليمي لشركة هيونداي موتور في جاكرتا    قفصة: القبض على 5 أشخاص من أجل ترويج المخدّرات    هذا فحوى لقاء رئيس الدولة بالصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح..    في الملتقى الوطني للتوعية والتحسين البيئي... ياسين الرقيق يحرز الجائزة الأولى وطنيا    في إطار تظاهرة الايام الوطنية للمطالعة بعين دراهم ...«الروبوتيك» بين حسن التوظيف والمخاطر !    فضيحة الساعات الفاخرة 'روليكس' تلاحق رئيسة بيرو    4 ألوان تجذب البعوض ينبغي تجنبها في الصيف    بن عروس : اختتام الدورة الثالثة والثلاثين لمهرجان علي بن عياد للمسرح    أولا وأخيرا «عظمة بلا فص»    أليست الاختراعات التكنولوجية كشفٌ من الله لآياته في أنفس العلماء؟    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد اللطيف دربالة يكتب لكم : إنتبهوا يا توانسة ..قرار الإتحاد الأوروبي يهدف الى إبتزازكم!
نشر في الصريح يوم 10 - 02 - 2018

ما يفعله الإتحّاد الأوروبّي مع تونس بتصنيفها في مختلف ما يسمّى بقوائمه السوداء حول الجنّات الضريبيّة وغسل وتبييض الأموال ومخاطر تمويل الإرهاب.. لا يعدو أن يكون إلاّ إبتزازا سياسيّا وإقتصاديّا رخيصا ودنيئا.. ومغرضا..!!!
نحن لا نريد أن تكون تونس موطنا لغسل الأموال الفاسدة أو معبرا لتمويل الإرهاب.. لكن في هذه الواقعة فإنّ الحال غير الحال..
وشخصيّا لا أشاطر الكثير من القوى والشخصيّات السياسيّة التي سارعت بمساندة القرار الأوروبّي (الغامض والمشبوه).. ورمي الحكومة بسهامها لهذا السبب.. فهم في رأيي الشخصي يفعلون ذلك إمّا لعدم تقدير الموقف من مختلف جوانبه، أو لجهل بحقائق الأمور وخفايا السياسة والإقتصاد وحركة المال في العالم.. أو لرغبتهم في إنتقاد ومهاجمة الحكومة ونظام السبسي بأيّ شكل ولأيّ سبب ظالمين أو مظلومين..
وأنا من منتقدي رئيس الجمهوريّة الباجي قايد السبسي وحكومته بإدارة يوسف الشاهد.. ولكنّ مصلحة تونس وإستقلاليّتها فوق كلّ إعتبار وفوق كلّ الخلافات والأهداف السياسيّة الضيّقة..
بعد أن سبق للإتّحاد الأوروبّي أن صنّف تونس في نهاية سنة 2017 ضمن قائمة سوداء للدول التي “لا تتعاون في المسائل الضريبية” تضم 17 بلدا حول العالم.. ثمّ تراجع عن ذلك لاحقا بعد جهود سياسيّة وديبلوماسيّة حكوميّة تونسيّة.. طلع علينا الإتّحاد الأوروبّي بتصنيف جديد لتونس هذه الأيّام ضمن القائمة السوداء المتعلقة “بمخاطر غسل الأموال وتبييض الإرهاب”..
من يسمع هذا التصنيف الصادر عن الإتّحاد الأوروبّي يعتقد أنّ أوروبّا “طاهرة” و”نقيّة” من شبهات الملاذات الضريبيّة وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.. في حين أنّ الواقع والحقيقة هي غير ذلك تماما..!!
فمثلا في ما يخصّ الملاذات الضريبيّة فقد أصدر الإتّحاد الأوروبّي نهاية سنة 2017 قائمة تضمّ 17 بلدا في العالم منها تونس.. ومن ضمن المذكورين فيها الإمارات والبحرين وحتّى كوريا الجنوبيّة.. في حين أنّ تقارير دوليّة.. منها تحقيق لجريدة “لومند” الفرنسيّة ذائعة الصيت نفسها.. تتحدّث عموما عن وجود حوالي 50 بلدا حول العالم يمكن تصنيفها كملاذ ضريبيّ إذا اعتمدنا تعريف “الملاذات الضريبيّة” (Tax haven).. أو “الواحات الضريبيّة” (Tax oases).. بأنّها تعني أيّ بلد يعدّل قوانينه الضريبية لاجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية بما في ذلك الإعفاء الكلّي أو النسبي من دفع الضرائب..!!
في حين تؤكّد تقارير أخرى بأنّه باعتماد معيار نظام الشركات غير المقيمة أي ما يعبّر عنه بكلمة “الأوف شور” (Off Shore) فإنّ العالم يضمّ أكثر من 80 منطقة “أوف شور” تمثل “الجنّة الضريبيّة” للأثرياء والشركات الغنيّة..!!
أي أنّ الاتّحاد الأوروبي عندما أصدر قائمة اقتصر فيها على ذكر 17 جنّة ضريبيّة فقط في العالم بينها تونس.. كان في الحقيقة قد اختصر الرقم إلى أقلّ من النصف متعمّدا عدم ذكر الجنّات الضريبيّة التابعة للدول الأوروبيّة وللإتّحاد الأوروبّي بالذات خصوصا..!!!
بناء على تلك التصنيفات والتعريفات ووفقا لخبراء دوليّين فإنّ أوروبّا نفسها تضمّ عدّة ملاذات ضريبيّة منها سويسرا الأشهر في العالم.. وكذلك إيرلندا والدنمارك وليختنشتاين ولوكسمبورغ.. وإمارة موناكو الواقعة جنوب فرنسا.. ومدينة أندورا الواقعة على الحدود الفرنسيّة الإسبانيّة.. وجزر ماديرا البرتغالية.. وحتّى دولة مالطا ودولة شطر جزيرة قبرص اليونانيّة.. بل وبلجيكيا نفسها عاصمة ومقرّ الإتّحاد الأوروبّي.. وهذه البلدان الأخيرة جميعها تنتمي بدورها للإتّحاد الأوروبّي نفسه ككيان..
فمثلا تتدّفق رؤوس الأموال من فرنسا ومن سائر أنحاء أوروبّا ومن كلّ العالم على إمارة موناكو التي تستقطب كبار الأثرياء.. وهي وإن كانت إمارة تتمتّع بالإستقلاليّة وبالحكم الذاتي فإنّها تخضع في الحقيقة للسيادة الفرنسيّة في ما يخصّ الدفاع الوطني ونسبيّا السياسة الخارجيّة.. وتقع على بعد أقلّ من 15 كلم من الحدود الإيطاليّة وذلك بجنوب فرنسا على الشاطئ اللاّزودي وحدودها مفتوحة على بقيّة الأراضي الفرنسيّة..!!
أمّا هولندا الواقعة شمال بلجيكيا وألمانيا فتمثّل أموال نظام “الأوف شور” فيها بما في ذلك الجزر التابعة لها بالبحر الكاريبي بأمريكا اللاتينيّة حوالي 18 تريليون دولار.. أي 4 أمثال إجمالي الناتج الهولندي الخام نفسه.. على ضخامته..!!
وحتّى الكثير من الجزر الشهيرة المتناثرة في المحيطات والتي تعدّ جنّات ضريبيّة شهيرة.. تخضع في الواقع قانونيّا وسياسيّا لسيادة بعض دول الإتّحاد الأوروبّي وهي أساسا فرنسا وإسبانيا.. وأيضا أنجلترا (منذ ما قبل قرارها بالخروج من الإتّحاد)..
وتؤكّد تقارير دوليّة ودراسات إحصائيّة أنّ ثلث أموال “الأوف شور” في العالم، تقع في ملاذات ضريبيّة تشمل “جرسي” و”جورنزي” و”آيل أوف مان”.. وكلّها جزر تابعة للتاج البريطاني، بجانب المناطق الواقعة عبر البحار، مثل “جزر كايمان” و”برمودا” و”فيرجين”و “الترك وكايكوس” و”جبل طارق”.. وتخضع جميعها لسيطرة بريطانية.. تماما كما كانت جزيرة هونغ كونغ إحدى أشهر الجنّات الضريبيّة في العالم تخضع للمملكة البريطانيّة قبل تسليمها للصين بنهاية بروتوكول إتّفاق سابق وقديم في شأنها.. وكجزر “البهاماس” و”فانتواتو” بجنوب المحيط الهادي التي تعدّ أيضا واحات ضريبيّة نشطة جدّا وذات شهرة عالميّة..
كما تضمّ الولايات المتحّدة الأمريكيّة نفسها بعض الولايات التي تعدّ جنّات ضريبيّة معروفة.. إضافة إلى نظام قانوني فريد للكثير من ولاياتها يصنّفه الخبراء باعتباره من بين طرق غسل وتبييض الأموال.. ومنها ما هو متأتّ أساسا من أنشطة إجراميّة أو مخالفة للقانون.. وذلك على ثلاثة مستويات:
المستوى الأوّل يخصّ البنوك التي تقبل بشكل قانوني عائدات لبعض الجرائم مثل التعامل في الأملاك المسروقة طالما أنّ تلك الجرائم تمّ ارتكابها خارج الولايات المتّحدة..!!
والمستوى الثاني يشمل بنوك الأقليّات اللاتينيّة مثل بنوك ولاية فلوريدا التي يربطها تاريخ طويل في إيواء أموال عصابات تجّار المخدّرات من بلدان منتجة لها بأميركا اللاتينيّة مثل كولومبيا والمكسيك.. والذين يودعونها ويستثمرونها أساسا بالولايات المتّحدة.. والتي غالبًا ما ترتبط بشراكات معقّدة مع الملاذات الكاريبيّة البريطانيّة القريبة..!!
والمستوى الثالث يشمل الجزر التابعة لأمريكا مثل “مارشال” (التي كانت مستعمرة يابانية).. والتي تُعتبر مكانًا رئيسيًّا لتسجيل السفن بالخارج..!!
الجميع يعرف أنّه عبر التاريخ الحديث فإنّ كلّ الأموال المنهوبة من طرف الطبقة السياسيّة الفاسدة والحكّام الديكتاتوريّين في العالم الثالث (الملطّخة أيديهم أيضا بدماء مواطنيهم).. ومن بينها الدول العربيّة.. ومنها تونس.. أودعت في الحقيقة ببنوك وملاذات ضريبيّة موجودة بأوروبّا أساسا.. ومنها سويسرا.. وتمّ تخصيص جزء كبير منها لشراء عقّارات وأملاك وشركات واستثمارات ببلدان أوروبيّة عديدة منها فرنسا وأنجلترا وإيطاليا وذلك بمعرفة وعلم سلطات وحكومات تلك البلدان وموافقتها التامّة.. رغم إدراكها أنّ مصدر تلك الأموال هو الفساد السياسي والمالي لقادة السلطة في تلك الدول والنهب المنظّم لثروات شعوبهم.. ورغم إدراكهم تماما أنّ إيداعها أو استثمارها لديهم في بلدانهم لا يعدو أن يكون إلاّ غسيل وتبييض أموال فاسدة المصدر بوضوح..!!!
لكنّ أوروبّا تتصرّف متى تعلّق الأمر بمصلحتها الماليّة والإقتصاديّة والسياسيّة على أساس أنّها لا ترى ولا تسمع ولا تتكلّم عن الملاذات الضريبيّة وعن غسيل وتبييض الأموال..!!!
وطوال عقود أودع عشرات الحكّام ورجال السلطة من الدول العربيّة والإفريقيّة والجنوب أمريكيّة والآسيويّة.. ما يعادل تريليونات الدولارات أي آلاف المليارات.. في بنوك أوروبيّة أو اشتروا بها عقّارات وقصورا ومصانع وشركات وفنادق فاخرة ومنتجعات وأملاك ثمينة مختلفة.. بقلب أوروبّا وببلدانها المعروفة مثل أنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكيا وغيرها.. لكن لا البلدان الأوروبيّة بصفتها الفرديّة ولا الإتّحاد الأوروبّي منذ قيامه ككيان سياسي موحّد.. اتّخذ أيّ إجراءات قانونيّة أو قضائيّة أو ماليّة أو رقابيّة ضدّ حركة إخفاء وغسل وتبييض تلك الأموال الفاسدة.. ولا هم حرّكوا ساكنا أبدا طالما استفادت من تلك الأموال الفاسدة المكنّزة والمهرّبة أنظمتهم البنكيّة واقتصاداتهم وشركاتهم الأوروبيّة..!!
والجميع يعرف أيضا.. أنّ دول الإتّحاد الأوروبّي لم ترجع إلى تونس أو ليبيا أو مصر ولو أورو واحد من أموال وأملاك بن علي والقذّافي ومبارك حتّى اليوم.. وبعد سبع سنوات كاملة من الثورات ومن الإطاحة بأنظمة أولئك الحكّام الفاسدين.. والذين أودعوا وبيّضوا وغسلوا جزء كبيرا من أموالهم الفاسدة والمنهوبة من بلدانهم.. والمقدّرة بمئات مليارات الدولارات بأوروبّا.. سواء في شكل ودائع بنكيّة أو أملاك أو استثمارات مباشرة أو بواسطة شركات وأشخاص واجهة..!!
ولتفهموا الأمر جيّدا فإنّ الحديث عن تصنيف تونس ضمن البلدان الواقعة بمخاطر غسل الأموال وتبييض الإرهاب.. يذكّرنا بما حدث مباشرة بعد الثورة في 2011.. فطوال الأشهر الأولى مارست بعثات أوروبيّة وأمميّة ودوليّة ضغوطا شديدة على حكومة محمّد الغنّوشي ثمّ الباجي قايد السبسي عبر بعثاتها العديدة.. واستغلّت فرصة الضعف والفوضى وتشبّث الرجلين بالحكم إستنادا على الدعم الأوروبّي.. وقامت بالضغط من أجل الحصول على إمضاء تونس على جميع الإتّفاقات التي كان نظام بن علي يرفضها أو يماطل في الموافقة عليها.. والخاصّة بما يسمّى منع تقديم إمتيازات وإعفاءات جبائيّة للأجانب وخاصّة الأوروبيّين.. وبما يسمّى مقاومة غسل الأموال وتبييض الإرهاب.. واستعمل الإتّحاد الأوروبّي والجهات والمنظّمات الأجنبيّة الأخرى إغراء المساعدات والقروض الماليّة لبلادنا سلاحا لدفعها لإمضاء تلك الإتّفاقيّات على قياسها وبحسب مصلحتها..
تبعا لذلك فإنّه مع اشتداد الحرب الأهليّة في ليبيا بين نظام القذّافي والثوّار.. ومع هروب آلاف التجّار ورجال الأعمال ورؤوس الأموال الليبيّة إلى تونس.. فقد تعرّضوا للمضايقة في ما يخصّ أموالهم التي جلبوها معهم إلى البنوك التونسيّة أمّا نقدا أو عبر تحويلات مصرفيّة.. وتمّ تجميد حسابات العديد منهم وإخضاعهم لإجراءات إداريّة أو أمنيّة أو تدقيق مالي.. وتمّ تعطيل معاملاتهم أو رفض فتح حسابات بنكيّة لهم.. أو تجميد أرصدة العديد منهم ومنعهم من التصرّف فيها أو وقف سحب أموالهم لفترات مختلفة.. وتمّت بذلك هرسلتهم ومضايقتهم.. وكلّه كان بتعليمات وإملاءات من جهات أجنبيّة منها أساسا الإتّحاد الأوروبّي وبعض دول أوروبّا منفردة.. وهو ما دفع أغلب الليبيّين إلى مغادرة تونس بأموالهم والبحث عن مكان آمن ومريح يطمئنّون فيه على أرصدتهم المنتفخة.. وخسرت تونس بذلك ودائع واستثمارات بعشرات وربّما مئات مليارات الدولارات..
والغريب أنّ رؤوس الأموال الليبيّة تلك التي هربت من تونس بضغط الإتّحاد الأوروبّي ومن معه.. لم تذهب جميعها إلى جنّات ضريبيّة مثل الإمارات (دبيّ) والبحرين والمغرب.. وإنّما ذهبت أساسا إلى بلدان أوربّا نفسها.. وبصفة رئيسيّة أربعة بلدان هي مالطا وإيطاليا وفرنسا وأنجلترا.. حيث أودعت أموالها ببنوكها وحصلت على الإقامة القانونيّة.. وانتفعت أوروبّا نفسها بأموالها بعد أن كانت سببا في إخراج الليبيّين نفس تلك الأموال من تونس بتعلّة مقاومة غسيل وتبييض الأموال..!!!
إنّ المصالح الأوروبيّة وحاجتها إلى الودائع الماليّة النقديّة الضخمة.. ورغبتها في وقف نزيف هجرة رؤوس الأموال من بلدان الإتّحاد الأوروبّي هربا من الضرائب المرتفعة والباهظة.. مثل الضريبة على الثروات الكبيرة بفرنسا.. تدفع الإتّحاد الأوروبّي إلى ممارسة الإبتزاز والهرسلة و”البلطجة” السياسيّة بتهديد الدول الصغرى التي يمكن أن تكون ملاذات لأثريائها وأموال شركاتها الغنيّة ومن بينها تونس.. حتّى تستأثر هي بالنصيب الأكبر من التورتة..
وللأسف فإنّ الكثير من السياسيّين في تونس.. من بعض رجال الحكومة كما من بعض رجال المعارضة.. يعتقدون بأنّ على بلادنا أن تكون هي الأداة الطيّعة للإتّحاد الأوروبّي.. وأن تكون بمثابة “عون البوليس” المجنّد لحراسة المصالح الماليّة والإقتصاديّة لأوروبّا وليس لتونس.. وأن تعمل تبعا لذلك على طرد رؤوس الأموال من بلادنا نحو أوروبّا من جديد..
ويسقط هؤلاء السياسيّين.. خطأ.. أو غفلة دون شعور منهم.. أو قصدا.. في فخّ التصنيفات التي تفصّلها أوروبّا وأمريكا على قياسها وبحسب مزاجها الخاصّ لحماية مصالحها الخاصّة.. ويعتبرون كلام وتصنيفات وقائمات الإتّحاد الأوروبّي شبه قرآن لا يشوبه الباطل ولا الأهداف الخفيّة..!!
من حقّ تونس أن تختار نموذجا إقتصاديّا خاصّا بها.. ويستجيب لطموحاتها بما يساعد على نهوضها وإزدهارها.. حتّى ولو اختارت مثلا أن يكون البلد برمّته ملاذا ضريبيّا.. تماما كما أنّ هونغ كونغ وسنغافورة وموناكو ودبيّ والإمارات والبحرين وغيرها الكثير.. اختاروا جميعا كمنوال اقتصادي أن يكونوا ملاذا ضريبيّا..
أو إن اختارت تونس تقديم إعفاءات أو إمتيازات ضريبيّة للمستثمرين ورؤوس الأموال أجانب.. بغرض جذبهم وإستقطاب أموالهم وإستثماراتهم..
إذ يؤكّد خبراء الإقتصاد أنّ تعديل القوانين الضريبيّة وتقديم الإمتيازات والإعفاءات للأجانب يساعد في اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية وتدفّق الأموال والعملة الصعبة.. وهو ما ينشّط بالضرورة الحركة الإقتصاديّة في البلاد برمّتها.. ويدفع عدّة قطاعات منها أساسا القطاع البنكي (ومن ورائه كامل الإقتصاد الوطني) والسياحي والعقّارات والتجارة والترفيه ونحوه.. ويكون ذلك أساسا عبر تسهيل وتيسير الإجراءات القانونية لفتح الحسابات البنكيّة وتأسيس الشركات والحصول على الإقامات وشراء العقارات.. وعدم فرض قيوداً على حركة الأموال إليها ومنها، والسماح للأجانب بفتح حسابات بعملات مختلفة، مع المحافظة على السرّ البنكي وعدم كشف هويّة العملاء والشركات المسجّلة فيها..
غير أنّ ذلك لا يجب أن يعني بحال أن لا تتعاون السلط التونسيّة بالرغم عن هذا مع السلطات القضائيّة في مختلف بلدان العالم التي قد تطلب منها معلومات مصرفيّة وماليّة في ما يخصّ بعض المعاملات المشبوهة أو بعض الأشخاص أو الشركات التي تحوم حولها الشبهات.. شرط أن يتمّ ذلك وفق معايير مضبوطة ولغايات معلومة ومبرّرة.. وأن يكون وفق التعامل بالمثل.. واعتمادا على إجراءات قانونيّة وقضائيّة تساعد المجهود الدولي في مكافحة تمويل الإرهاب وغسيل وتبييض الأموال.. وتحافظ في نفس الوقت على المصلحة العليا لتونس حتّى وإن تعارضت مع المصلحة الماليّة والإقتصاديّة لأوروبّا أو غيرها..!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.