هام: انخفاض أسعار هذه المنتوجات..    عاجل : ايران تعلن عن تعرض مروحية تقل رئيسها الى حادث    الأهلي المصري يعامل الترجي بالمثل    عاجل/ الرصد الجوي يحذر من حالة الطقس ليوم غد..    الحرس الوطني: هذه آخر المعطيات المتعلقة بالهجرة غير النظامية    القنصل العام للجزائر في زيارة الجناح الجزائري بالصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية    سفيرة الامارات في زيارة لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    صفاقس ولي يصفع معلما ويلوذ بالفرار    العاصمة: وقفة مساندة للرئيس قيس سعيد    الجمعية النسائية ببرقو تصنع الحدث    طقس الاحد: امطار غزيرة وتساقط البرد بهذه المناطق    اليوم : انقطاع التيار الكهربائي بهذه المناطق    السيارات الإدارية : ارتفاع في المخالفات و هذه التفاصيل    نابل: اختتام شهر التراث بقرية القرشين تحت شعار "القرشين تاريخ وهوية" (صور+فيديو)    هيئة الانتخابات تشرع غدا في تحيين السجل الانتخابي    إطلاق نار واشتباكات قرب القصر الرئاسي في كينشاسا    صيف 2024: 50 درجة منتظرة و شبح الحرائق حاضر    علماء يكشفون : العالم مهدد بموجة أعاصير وكوارث طبيعية    إضراب بالمركب الفلاحي وضيعة رأس العين ومركب الدواجن    نابل: تضرّر ما يقارب 1500 هكتار : «الترستيزا» مرض خفي يهدّد قطاع القوارص    أخبار النادي الإفريقي .. البنزرتي «يثور» على اللاعبين واتّهامات للتحكيم    بفضل صادرات زيت الزيتون والتّمور ومنتجات البحر; الميزان التجاري الغذائي يحقّق فائضا    يهم مُربّيي الماشية: 30 مليون دينار لتمويل اقتناء الأعلاف    اليوم : وقفة احتجاجية للتنديد بالتدخل الاجنبي و بتوطين أفارقة جنوب الصحراء    طقس اليوم ...امطار مع تساقط البرد    الأونروا: 800 ألف فروا من رفح يعيشون بالطرقات.. والمناطق الآمنة "ادعاء كاذب"    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    بغداد بونجاح يحسم وجهته المقبلة    الجمعية التونسية "المعالم والمواقع" تختتم تظاهرة شهر التراث الفلسطيني    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة .. «عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    داء الكلب في تونس بالأرقام    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توفيق المديني يكتب لكم : قمة كيم ترامب..كسر جليد العداء بين أمريكا وكوريا الشمالية
نشر في الصريح يوم 16 - 06 - 2018

كلت القمة التي عقدت في فندق كابيلا بجزيرة سينتوس في سنغافورة يوم الثلاثاء 12حزيران/ يونيو الجاري، وجمعت بين الزعيم الكوري الديمقراطي كيم يونغ أون والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حدثاً تاريخياً واستثنائياً، نظراً لحالة العداء التاريخية القائمة بين البلدين..
وهي تؤشر إلى تحول كبير في العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الديمقراطية، في حال التزم ترامب بوعوده، ولم يمتط سرج التهور، والنكث بالعهود كعادته، كما فعل قبل يومين عبر سحب تأييده لبيان مجموعة السبع الكبرى، وقبلها بأسابيع انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، وقبل ذلك أيضا انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ ومنظمة اليونيسكو، وهو ما أثار انتقادات واسعة للسياسة الأمريكية حول العالم.‏
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، صنفت كوريا الشمالية، وتحديداً في عهد إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن، في دول "محور الشر" التي شملت أيضاً آنذاك، العراق وإيران، وطالبت مجلس الأمن باتخاذ "تدابير قوية" ضد كوريا الشمالية، ردّاً على مواصلة إجرائها التجارب النووية، وإطلاقها الصواريخ الباليستية العابرة فوق بحر اليابان، لا سيما تطبيق الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة، وهو الفصل الذي يعطي مجلس الأمن صلاحياتٍ واسعة، بما في ذلك اللجوء إلى الوسائل العسكرية، لمعالجة "التهديدات التي يتعرّض لها السلام أو لمعالجة عمليات عدائية"، والامتناع عن إجراء أي تجارب نووية أخرى، والتراجع عن قرارها الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.
التوقيع على وثيقة مشتركة شاملة.
وعقب اللقاء التاريخي في قمة سنغافورة، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، على وثيقة شاملة احتوت على 4 بنود رئيسة، حسب ما نقلتها وكالة "رويترز" للأنباء.
أولاً: أن "تلتزم الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بتطبيع العلاقات وفق إرادة شعبي البلدين بالسلام والازدهار".
ثانياً: أن "تتعاون الولايات المتحدة وكوريا الشمالية نحو إقامة نظام سلام طويل الأمد في شبه الجزيرة الكورية".
ثالثاً: تأكيد التزام "كوريا الشمالية بإعلان بامنجوم، الصادر عن قمة الكوريتين، في 27 إبريل/نيسان بنزعٍ كامل للأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية".
رابعاً: تلتزم "الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بإعادة رفات قتلى وأسرى الحروب، وإعادة جثامين أولئك الذين تم تحديد هوياتهم إلى بلدهم فوراً".
وإلى جانب البنود الأربعة، نصت الوثيقة أيضاً على أن تعقد واشنطن وبيونغ يانغ مفاوضات تكميلية في أقرب وقت ممكن، بقيادة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومسؤول رفيع مناسب من كوريا الشمالية، لتنفيذ نتائج القمة بين ترامب وكيم. كما ورد في الوثيقة تعهد من الرئيس ترامب ب"تقديم ضمانات أمنية لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وإقامة علاقات متينة من خلال فتح صفحة جديدة بين البلدين".
وفاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنطقة بإعلانه وقف التدريبات العسكرية السنوية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، والتي وصفها بأنها "استفزازية جداً" حيال كوريا الشمالية. وإذا تحقق هذا الالتزام، فسيكون رئيس الولايات المتحدة قد قدم تنازلات على أحد المطالب الرئيسية لبيونغ يانغ، دون الحصول على أي نظير ملموس. إذ تعتبر جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية هذه المناورات بمنزلة تكرار لغزو محتمل للولايات المتحدة لأراضيها من أجل إسقاط النظام.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يبلغ نظيره الكوري الجنوبي مون جاي إن بمسألة إلغاء هذه المناورات العسكرية التي تقام بشكل روتيني بين الحليفين، معلناً أنه سيوقف المناورات الحربية في شبه الجزيرة الكورية لأن ذلك سيوفر مبالغ طائلة للخزينة الأمريكية، ما استدعى طلب سيول توضيحاً وزيارة عاجلة لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو اليوم إلى سيول.
لقد استخدم الرئيس الأمريكي أساساً الحجة المالية. وأضاف "سنوفر قدراً كبيراً من المال"، رابطاً هذا التنازل بموضوع عزيز على قلبه، ألا وهو: تخفيض تكلفة التحالفات الأمريكية، هذه المناورات الحربية باهظة الثمن، لقد دفعنا الكثير. وقال رجل الأعمال السابق إنه اكتشف مؤخراً أن الطائرات الأمريكية تقوم بست ساعات من الطيران، للوصول إلى هذه التدريبات. ففي أغسطس 2017، استغرقت التدريبات 11 يوماً وشملت 17500 جنديا أمريكياً و50000 كوري جنوبي. وفي هذه الأثناء، يواصل دونالد ترامب الاعتراض على نشر القوات الأمريكية خارج الحدود الأمريكية. إن التطبيع مع بيونغ يانغ قد يسمح بتخفيض في القوة العسكرية الأمريكية المرابطة بكوريا الجنوبية، وهي ثالث أكبر قوة في العالم.
وفي مؤتمر صحفي في ختام القمة قال ترامب: إن إنهاء الحرب الكورية سيتم قريباً لافتاً إلى أن الحرب التي شهدتها شبه الجزيرة الكورية بين عامي 1950 و1953 انتهت بهدنة وليس باتفاق سلام، معلناً أنه سيوقف المناورات الحربية في شبه الجزيرة الكورية لأن ذلك سيوفر مبالغ طائلة للخزينة الأمريكية.‏ كما أشار ترامب إلى أن العقوبات الأمريكية المفروضة على كوريا الديمقراطية ستظل قائمة في الوقت الراهن وقال: سنرفع العقوبات عندما نتأكد أن الأسلحة النووية لم تعد عاملاً مطروحاً، مضيفاً: آمل أن يتحقق الأمر قريباً.. وأنا أتطلع لرفعها في مرحلة ما، مبيناً أن الرئيس كيم تعهد بتدمير موقع للتجارب الصاروخية ومعلناً عن محادثات جديدة بين واشنطن وبيونغ يانغ الأسبوع المقبل دون أن يحدد مكانها.‏ وفي سياق ردود الفعل الدولية، أعرب وزير الخارجية الصيني وانغ يي عن ترحيب بلاده وتأييدها للقمة الأمريكية الكورية الديمقراطية، مشيراً إلى ضرورة إيجاد آلية للسلام في شبه الجزيرة الكورية تضمن مصالح بيونغ يانغ الأمنية.‏
وبحسب ما كتبت صحيفة "ذي غارديان"، تعقيباً على ذلك، فإن الوثيقة التي وقعت بين الرئيس الأمريكي والزعيم الكوري الشمالي، على أهميتها، لن تختلف بشكل كبير عن الاتفاق الموقع بين كيم جونغ أون ورئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، بعد لقائهما في القسم الجنوبي من المنطقة منزوعة السلاح بين البلدين مع نهاية إبريل/نيسان 2018.
وقرأت الصحيفة بين سطور البند الأول أنّ اللغة المستخدمة فيه تمثّل خروجاً عن "الخطب النارية" التي طبعت العلاقات بين واشنطن وبيونغ يانغ في السابق، كما أنه "يعكس رغبة كيم في التركيز على التقدم الاقتصادي، وربّما بمساعدة أمريكية الآن، بعد أن حقق هدفه في تطوير أسلحة نووية قادرة على تهديد الأراضي الأمريكية، وجلب رئيسها إلى طاولة المفاوضات".
أمّا البند الثاني، فترى "ذي غارديان" أنه لا يوجد فيه التزام مباشر لإضفاء الطابع الرسمي على "المشاعر الطيبة" الواردة فيه عبر معاهدة سلام تحلّ محلّ الهدنة الموقعة في نهاية الحرب الكورية عام 1953، وذلك ما من شأنه أن يتطلّب بالأساس انخراط الصين والدول الأخرى التي لها دور في النزاع. وكما كان متوقعاً، فقد قدّم ترامب ضمانات أمنية "غير محددة" لكوريا الشمالية، وهي لفتة يتطابق غموضها مع التزام كيم بنزع أسلحته النووية.
وبخصوص البند الثالث، الذي تتعهد فيه كوريا الشمالية بنزع أسلحته الكيميائية، فتعتبره "ذي غارديان" البند الأكثر أهمية وإشكالية بين البنود كلها، فمن جهة هو لا يلبّي هدف واشنطن طويل الأمد بتفكيك الترسانة النووية لكوريا الشمالية بشكل كامل، قابل للتحقق، ولا رجعة فيه، ومن جهة أخرى هو يعيد تأكيد موقف كيم بعد قمته مع رئيس كوريا الجنوبية، في الوقت الذي لا يتوقّع فيه أي مراقب للقضيّة أن يلتزم الزعيم الكوري الشمالي فعلًا بتفكيك أسلحته النووية بالصورة المطلوبة، ناهيك عن أن هذا الأمر يمكن أن يستغرق سنوات، ويكلف المليارات من الدولارات.
إضافة إلى ذلك، فإن البند المذكور، وفق الصحيفة، يفشل في تعريف ما المقصود ب"نزع السلاح النووي"؛ ففي واشنطن، يتطلب الأمر من كيم التخلي عن طموحاته النووية تماماً، لكن تفسير كوريا الشمالية للمسألة أكثر تعقيداً، إذ يمكن أن يتضمن سحب المظلة الأمريكية النووية من كوريا الجنوبية، وانسحاب 28500 جندي أمريكي يتوزّعون على طول الحدود الجنوبية مع الشمال.
مجموعة من العوامل تفسر قمة سنغافورة
سعت كوريا الشمالية إلى دخول النادي النووي، عن طريق برنامج نووي عسكري، على الرغم من أنّه عَرَّضَهَا لمتاعب مع المجتمع الدولي، كما الحال مع إيران، ورفضت خيار برنامج نووي سلمي، تتولى منظمة الطاقة الإشراف عليه، ومراقبته بصورة دائمة، وتقديم المساعدات الفنية اللازمة له. ومن المعروف أنّ غالبية القوى النووية الجديدة، أي الواقعة خارج نادي الكبار، فضّلت الخيار الأول الذي وصلت إليه بأساليب ملتوية، بدأت عادة بإقامة برنامج مدني، ثم انتهت إلى برنامج عسكري. وقد رأت هذه القوى، وأغلبها في منطقة جغرافية واحدة (آسيا الوسطى وشرق آسيا)، أنَّ امتلاك سلاح الردع أفضل لها من الناحية الاستراتيجية، من التوظيف النووي في الميدان السلمي، فالمشكلات التي تعيشها بسبب مخلفات صراعات الحرب الباردة، والخلافات الإثنية والحدودية، دفعتها إلى التأمين على النفس بوجه التهديدات التي يمثلها الجار الآخر، كما هو الحال بين الهند والصين، وباكستان والهند، وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، أو اليابان وجاراتها.
فقط دولتان من الدول غير الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية انضمتا علناً إلى النادي النووي، الهند وباكستان، بعد إجرائهما تجارب وتفجيراتٍ نووية في عام 1998. أمّا الكيان الصهيوني الذي يتكتم على وضعه، ويرفض توقيع المعاهدة، فتؤكد التقارير أنه يمتلك ما لا يقل عن مائتي رأس نووي. وأمّا كوريا الشمالية فقد اجتازت العتبة النووية، والحال هذه يبدو أنّ إيران يستهويها مسار النمط الكوري الشمالي. وفيما تُصِرُّ القوى النووية الكبرى، الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين)، على احتكار السلاح النووي، وتُعَارِضُ أن تمتلكه أي دولة أخرى، قامت دول عديدة بصناعة أسلحتها النووية، مثل الكيان الصهيوني والهند وجنوب أفريقيا وباكستان وكوريا الشمالية. وتمكّن بعضها من خرق القاعدة خلال فترة الحرب الباردة (الكيان الصهيوني وجنوب أفريقيا). وانتظر البعض الآخر حتى نهاية العقد الأخير من القرن العشرين، حتى ينجز مشروعه النووي العسكري، مثل الهند التي أعلنت امتلاكها القنبلة الذرية في بدايات مايو/ أيار سنة 1998، وباكستان التي تلتها بأيام معدودة. وحدها كوريا الشمالية انتظرت حتى سنة 2006، لكي تعلن استكمال برنامجها النووي العسكري.
قد يصبح من المبالغة الحديث عن الانفراج وتحقيق تسوية تاريخية في شبه الجزيرة الكورية، بعد أن كان المجتمع الدولي ينتظر حرباً نوويةً، تكون لها تداعيات كارثية في كل العالم. والحال هذه، تتطلب الرؤية الموضوعية تفحّص مواقف الأطراف التي لها علاقة مباشرة بالأزمة النووية، لا سيما منها كوريا الجنوبية والدول الإقليمية والدولية الأخرى.
وفي تطور مفاجئ، حصلت مؤخراً القمة التي جمعت أخيراً بين الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس الكوري الجنوبي مون جاي، خطوةً على طريق الحل الديبلوماسي للأزمة السائدة في شبه الجزيرة الكورية، على الرغم من شكوك بشأن مستقبل هذا التقارب بين الكوريتين، الشمالية والجنوبية، من جانب اليابان وأمريكا، اللتين رفضتا، في البداية، الدخول في أي مفاوضاتٍ مع بيونغ يانغ، قبل أن تتخذ الأخيرة خطواتٍ ملموسةً بشأن نزع أسلحتها النووية، وإيقاف التجارب الصاروخية الباليستية، غير أنّ لدى كوريا الجنوبية، الحليفة القوية لكل من الولايات المتحدة واليابان، رؤيتها الخاصة في التعامل مع كوريا الشمالية، فهي تفضّل الانخراط بشكل أكبر في المفاوضات مع جارتها الشمالية، بهدف التوصل إلى تسويةٍ تاريخيةٍ محتملة في شبه الجزيرة الكورية، تنهي الحرب بين البلدين، وتطرح حلاً ديبلوماسياً بشأن برنامج كوريا الشمالية النووي والصاروخي، وتفتح صفحة جديدة من التعاون بين الكوريتين، سيكون قابلاً للتمدد شمالاً، ليشمل مناطق أخرى في الصين وروسيا ومنغوليا، وجميع منطقة شمال شرق آسيا.
وإذا كان مقدّراً لكوريا الجنوبية السيطرة على كامل شبه الجزيرة الكورية، للمرّة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بسبب ثقلها الاقتصادي والبشري وتقدمها التكنولوجي، فمن المفترض استرضاء الصين، الحليف القوي الذي يبقي النظام الكوري الشمالي على قيد الحياة، عبر تزويده بمواد غذائية ووقود. لذا، تخطّط كوريا الجنوبية منذ فترة لضمان وجود فرص تجارية واسعة أمام الشركات الصينية في كوريا الشمالية الغنية بالمعادن.
على الرغم من أنّ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يتبجح في خطابه السياسي بأن القمة الذي جمعته مع الزعيم الكوري الشمالي جاءت نتيجة منطقية لسياسة النار والتهديد التي اتبعها منذ وصل إلى البيت الأبيض مع كوريا الشمالية، فإنّ الخبراء والمحللين في منطقة آسيا يرون إن الولايات المتحدة نفسها عاجزة عن ممارسة الخيار العسكري ضد نظام بيونغ يونغ، لدفعه إلى التراجع عن مواصلة إجراء تجاربه النووية، سيما في ظل مواجهة دولة نووية جديدة هي كوريا الشمالية، وفي ظل غياب التوافق على هذا الصعيد مع روسيا والصين اللتين لن تكونا شريكتين في توافقٍ ضاغطٍ على كوريا الشمالية، على الرغم من انتقادهما التحدّي الكوري، إذا ما لوحت واشنطن بالخيار العسكري.
وفضلاً عن ذلك، لا يوجد أي خيار عسكري واقعي ضد كوريا الشمالية، لعدة أسباب: أولاً، إنّ كوريا الجنوبية واليابان لا تريدان حتى الحديث عن الخيار العسكري. ثانيا، لأنّ من الصعب جدا تحديد كل المراكز النووية والباليستية في كوريا الشمالية بدقة، وأخيراً، لأن بيونغ يونغ تمتلك القدرة على الردّ المباشر، وأصبحت على طريق بناء ترسانة نووية، تعتبرها رادعاً في وجه أي هجوم أمريكي محتمل، فضلاً عن أن سيول، عاصمة كوريا الجنوبية، هي على مرمى نيران المدفعية لكوريا الشمالية. ولن يكون للخيار العسكري مصداقية، إلافي حال التهديد المباشر، أو في حال نقل أسلحة نووية إلى بلد آخر.
أخيراً،في المنظور الاستراتيجي، دفعت سياسة التشدد والتهديد بالخيار العسكري كوريا الجنوبية، الحليفة الأولى للولايات المتحدة، في المنطقة نحو مزيدٍ من التقارب مع كوريا الشمالية، والانطلاق في طريق الحل الديبلوماسي بصورةٍ أحادية. والحال هذه، أصبح الخيار الواقعي أمام الرئيس دونالد ترامب استدراج زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، إلى قمة تاريخية، لعله ينتزع منه تنازلاتٍ غير مسبوقة بشأن البرنامج النووي، في مقابل تقديم الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات اقتصادية كبيرة ومغرية لكوريا الشمالية، وذلك قبل إلغاء هذه القمة. وفي السياق، اعتبر ترامب أن مواقف زعيم كوريا الشمالية، كيم جون أون، تتأثر" بالرئيس الصيني، تجي شيبينغ، قائلاً إن "مواقف كيم تغيرت بعد لقائه بالرئيس الصيني"، في إشارة إلى تأثير بكين على قرارات بيونغ يانغ بشأن برنامجها النووي.
إن نجاح قمة سنغافورة، مرتبط بالدور الذي يمكن للصين أن تلعبه في التأثير على مواقف الزعيم الكوري الشمالي، لا سيما أنه (ترامب) يربط بين التقدم في المفاوضات الاقتصادية مع الصين بمدى حاجة الولايات المتحدة إلى مساعدة بكين في التعامل مع كوريا الشمالية وملفها النووي. إذ يقول ترامب: "عندما أفكر في التجارة مع الصين، أفكر أيضاً في ما يفعلونه لمساعدتنا في السلام مع كوريا الشمالية وهذا عنصر مهم للغاية". بينما يرى زعيم كوريا الشمالية أن قبول ترامب بعقد قمة بينهما يعد اعترافًا أمريكيًا صريحًا بشرعية كوريا الشمالية، وقدرات بيونغ يانغ النووية، وأن إدارة ترامب أصبحت تتعامل مع كوريا الشمالية المسلحة نوويا باحترام.
هل ستحافظ بيونغ يانغ على وعودها بنزع السلاح النووي نهائياً؟
إن الالتزام بنزع السلاح النووي هو أقرب إلى مواقف كوريا الشمالية من الولايات المتحدة. الأمر متروك الآن لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للتوصل إلى ترجمة تلبي متطلبات واشنطن. لحظة الحقيقة أمامنا. لا يزال يتعين تحديد كل شيء: ما ستعلن بيونغ يانغ، ما الذي سيتم التحقق منه، في أي إطار زمني. ومع استمرار فرض العقوبات، كما ذكر السيد ترامب في مؤتمره الصحفي، لا يمكن تشجيع كوريا الشمالية إلا على التحرك في هذا الاتجاه. لكن هذه العقوبات قد تفقد عضاتها إذا كانت الصين، في هذا السياق من الاسترخاء، أقل تقبلاً لتفسيرها، وهو خطر لم يفلت من واشنطن، حتى لو استمر ترامب في الإشادة باتفاقه الجيد مع نظيره شى جين بينغ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.