المكسيك: مصرع 9 وإصابة نحو 50 شخصا في انهيار مسرح خلال تجمع انتخابي    ذعر ووجوه ملطخة بالدماء.. تفاصيل فيديو "المجندات بقبضة حماس"    كولومبيا تعتزم فتح سفارة لها في رام الله    اليوم: درجات الحرارة تصل إلى 42 درجة مع ظهور الشهيلي    قرقنة : قتيل في حادث مرور ثالث في أقل من اسبوع    الحرارة تصل اليوم إلى 42 درجة مع ظهور الشهيلي    4 ألوان "تجذب" البعوض.. لا ترتديها في الصيف    مجلس الوزراء يصادق على مشروع قانون يتعلق بتنقيح أحكام الفصل 411 من المجلة التجارية    وزارة الشؤون الاجتماعية: خلاص 382,8 مليون دينار لفائدة كافة منظوري "الكنام" من مضمونين اجتماعيين ومسدي الخدمات في القطاعين العمومي والخاص    الرئاسة الإيرانية تكشف تفاصيل جديدة في حادث تحطم مروحية رئيسي    إيرلندا وإسبانيا والنرويج تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستدعي سفراءها وتتوعد    بطولة العالم لالعاب القوى لذوي الاعاقة: برونزية لمحمد نضال الخليفي في سباق 100 متر كراسي (فئة تي 53)    اياب نهائي كاس رابطة ابطال افريقيا : وفد الترجي الرياضي يشد الرحال الى العاصمة المصرية القاهرة    مجموعة تفادي النزول : صراع البقاء يزداد تعقيدا بعد فوز مستقبل سليمان على مستقبل المرسى واتحاد تطاوين على اتحاد بنقردان    قفصة: تقديرات أولية بإنتاج 153 ألف قنطار من القمح الصلب هذا الموسم    اتحاد الفلاحة: الفلاحون يبيعون قرابة 150 الف اضحية فقط وفق الوزن في ظل سوق اكتسحه السماسرة    الشركة التونسية للملاحة تفتتح خطا بحريا جديدا باتجاه وجهتين ايطاليتين جديدتين انطلاقا من ميناء حلق الوادي.    انطلاق أولى رحلة للحجيج التونسيين نحو المدينة المنورة لموسم الحج 1045 ه-2024 م    الكرم الغربي: براكاج دموي لتاكسيست باسلحة بيضاء    تفكيك شبكة للتنقيب والإتجار في الآثار بمنطقة الزهروني وحجز 240 قطعة نقدية أثرية (بلاغ)    بشخصية نرجسية ومشهد اغتصاب مروع.. فيلم عن سيرة ترامب يثير غضبا    مهرجان كان : الجناح التونسي يحتضن مجموعة من الأنشطة الترويجية للسينما التونسية ولمواقع التصوير ببلادنا    الفيلم الفرنسي "Goliath" يفتتح الدورة السابعة لمهرجان الفيلم البيئي بتونس    الحكم بالسجن مدة سنة في حق برهان بسيّس ومراد الزغيدي    وزارة الصحة: جلسة عمل حول تركيز مختبر للجينوم البشري لتعزيز جهود الوقاية والعلاج من الأمراض الوراثية والسرطانية    المؤتمر الوطني العاشر لجراحة التجميل ينعقد بالعاصمة يومي 24 و25 ماي الجاري    تضاعف المخزون الاستراتيجي للحليب مقارنة بالعام الماضي    "ليكيب" تكشف كواليس لقاء بين ماكرون ورئيس ريال مدريد    تسجيل فائض بقيمة 1،3 مليار دينار على مستوى الميزانية    خامنئي لهنية.. مخبر سيتبع نهج رئيسي وسيتحقق وعد فلسطين من البحر للنهر    «دربي» الشغب في كرة اليد الترجي يفوز على الافريقي في ذهاب نهائي البطولة ويقترب من اللقب    المنستير: الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي المعزز في قطاع الصحة أبرز محاور الأيام الوطنية الثالثة للابتكار البيداغوجي    وزارة الاقتصاد.. لا نيّة لخوصصة شبكة الكهرباء أو التفويت في الستاغ    غار الدماء: السيطرة على حريق أتى على هكتارين من حقول القمح    روسيا تنفي وجود مقاتلتين لها في جزيرة جربة    وفاة منصف درغوث الطبيب المختص في جراحة العظام    عاجل/ هذا ما تقرّر في حق سعدية مصباح    صفاقس : إحباط عملية تحضير لإجتياز الحدود البحرية خلسة    بمسرح الهواء الطلق بقرمبالية ..عرض انيستي عزة" للممثلة كوثر بالحاج    اتحاد الفلاحين يؤكد أهمّية احداث مجلس أعلى للسيادة الغذائية    وزيرة الصناعة: "لا زيادة في اسعار المحروقات حتى آخر السنة"    اجراء قرعة التناوب بالمجالس الجهوية بداية من 1 جوان    تونس : المخزون الاستراتيجي من الحليب المعلّب يقدر ب 20 مليون لتر    المرسى: منحرف خطير في قبضة الأمن    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 22 ماي 2024    مسرحية "السيدة المنوبية" تفتتح الدورة الرابعة لأسبوع المسرح البلدي بتونس    التونسي هيكل الشيخاوي يحرز رابع أهدافه في البطولة الاماراتية    عاجل : الترجي يقدم هذه التوصيات لأحبائه الذين سيحضرون مباراته مع الأهلي    غوارديولا يفوز بجائزة أفضل مدرب في البطولة الإتقليزية الممتازة لهذا العام    اليوم ..مراد الزغيدي و برهان بسيس أمام الدائرة الجناحية الثامنة بابتدائية تونس    عضو بمجلس إدارة البنك المركزي : تعيين لمياء جعيدان مزيغ عوضا عن ليلى البغدادي    انتصرت لها تونس خيمة لسينما غزّة في «قلب كان»... رغم رفض «المهرجان »    سعاد الشهيبي تستعد لإصدار "امرأة الألوان"    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توسّع دائرة الانتقادات للتمشي السياسي داخل الحزب المعارض الأكثر إثارة في تونس ؟
نشر في السياسية يوم 01 - 06 - 2009

بعد استقالة ال27 ، ورقة بها 10 انتقادات من إعداد جامعة قفصة للحزب الديمقراطي التقدمي
"حزبنا يشهد التراجع والانحدار وسقط في فوضى تنظيمية وإدارية غير مسبوقة"
"رفض الممكن القانوني بترشيح الأمينة العامة ميّة الجريبي لرئاسيّة 2009 هو إصرار على شخصنة المعارك وانحراف على مبدأ صراع المشاريع وتفويت فرصة كبيرة على الحزب للاتصال المباشر مع الشعب التونسي"
القوماني ل"السياسيّة" معقّبا على ورقة جامعة قفصة:"نتّفق في مناحي الانتقاد ونختلف في آفاق الإصلاح الداخلي"
تداولت وسائل الإعلام متعدّدة مؤخّرا وثيقة صادرة عن جامعة قفصة للحزب الديمقراطي التقدمي، وهي الوثيقة الّتي تأتي بحسب مضامينها في إطار الجدل المحتدم داخل هذا الحزب وما أصبح يُنعتُ وسطهُ بانسداد آفاق التواصل والحوار بين مختلف التيارات الّتي سبق لها أن شكّلت بداية هذه الألفيّة تجربة كانت محل إشادة ومحل انتظارات واسعة ولكن مآل الأحداث كان عكسيّا إذ احتدّت الخلافات والتباينات حول الخط السياسي للحزب والّتي انتهت إلى قرارات تأديبيّة في مرحلة أولى ثمّ بلغت حدّ الاستقالة من الحزب لعدد هام من الإطارات والكوادر من ضمنهم أعضاء في المكتب السياسي (مجموعة ال27).
وفي تعليق عن الوثيقة الجديدة ، تنقلهُ عنه "السياسيّة"، قال محمّد القوماني العضو السابق في المكتب السياسي للديمقراطي التقدمي وأحد المستقيلين ضمن مجموعة ال27 أنّه يتبنى كل ما ورد في الوثيقة ويعتبر أنّ هذه الأفكار تتوافق مع ما تمّ طرحه في بيان الاستقالة السابق ملاحظا :" إنّ الفرق الوحيد بيننا وبين جامعة قفصة ومن لم يُعلن بعد عن انتقاده للخط السياسي للحزب هو أنّنا قطعنا (أي مجموعة ال27) وهم ما يزالون يأملون الإصلاح وهذا ما استبعدناه عند تقديم بيان الاستقالة ونستبعد وقوعه".
وبحسب مصادر مطلعة على ما يدور في كواليس الحزب الديمقراطي التقدمي فإنّ تطورات أخرى هامّة سيعرفها الحزب خلال الفترة القادمة ليس فقط في العلاقة بتصاعد الانتقادات من قبل مناضلين في الجهات بل كذلك وسط من تبقى من المكتب السياسي وبينهم ،ولم تستبعد تلك المصادر أن يشهد اجتماع المكتب المقرّر نهاية هذا الأسبوع بعض التباينات ليس فقط حيال الوضع الداخلي للحزب وتكاثر الانتقادات بل كذلك على خلفية تطوّرات عرفها المشهد السياسي التونسي خلال الفترة القليلة الفارطة والّتي يرى البعض من المتابعين أنّها عمّقت عُزلة الحزب داخل ذلك المشهد.
وفي ما يلي نص ورقة جامعة قفصة:
"لم تكن استقالة عدد من قيادات وكوادر الحزب الديمقراطي التقدمي (27 عضوا )إلا نتيجة طبيعية لجملة من الإخفاقات في مواجهة المشكلات والتحديات السياسية التي طرحت على الحزب والعجز عن إدارة الاختلاف داخله بشكل ديمقراطي وبدت كل محاولات القيادة للتأكيد على حرصها على احتضان الاختلاف وتحويله إلى مصدر ثراء بالعمل وفق آليات الحسم الديمقراطي محاولات يائسة وفاشلة خصوصا مع تعقد الأوضاع وانكشاف إن الأزمة باتت هيكلية وتتجاوز مجرد الاختلاف مع فريق وانسحابه , إذ أصاب الحزب بعد المؤتمر الأخير حالة من الشلل وضعف القدرة على التسيير وتفكك القواعد وضعف ميداني غير مسبوق وترهل في أساليب العمل وتردي في الخطاب وقد ظهر ذلك بجلاء خلال المجلس الوطني الأخير للحزب والذي كان من المقرر له أن يُفتتح بإحدى ساحات العاصمة كاحتجاج على امتناع السلطة عن منح فضاء عام أو خاص لإجرائه ولم يتجاوز الحضور الثمانين شخصا رغم ما حاولت القيادة الحزبية حشده من أشخاص بعضهم ليست له أي صلة بالمجلس الوطني والبعض الآخر لا ينتمي للحزب أصلا لينكشف بذلك وجه آخر للحزب الديمقراطي التقدمي مختلف تماما عما كان عليه وأعاد إلى الذاكرة المجلس الوطني الذي انعقد على اثر معركة المقر والذي اعترف فيه الخصوم قبل الأصدقاء بأنه كان ضخما وناجحا .
ونحن إذ نسجل بكل أسف هذا التراجع والانحدار الذي يشهده الحزب فإننا معنيون بإصلاح الأوضاع وتجاوز مكامن القصور والفشل في أداء الحزب ونعتقد أن ذلك لن يكون إلا بانتهاج خطة ورسم إستراتيجية لإعادة تأهيل الحزب إذ أن دفع السلطة نحو الإصلاح وتعديل موازين القوى لا تأتي إلا من خلال تبني المعارضة ومن بينها حزبنا لمشروع إصلاح ذاتي يقوم على قبول النقد والاختلاف والاستفادة من الأخطاء وعدم إعادة إنتاج الإخفاقات التي أصبحت سمة المعارضة التونسية بأغلب مكوناتها .
ونعتقد من خلال هذه الورقة التي سنقدم فيها تصوراتنا أن أبرز شروط هذا التأهيل هي:
التوظيف والاستثمار الأمثل للإمكانات المادية والبشرية للحزب
النجاح في إدارة الحوار بشكل ديمقراطي
ضمان عدم الانحراف عن خط ونهج الإصلاح في التغيير
الاهتمام ب " صراع المشاريع " بدل " شخصنة المعارك "
تجاوز العقل السياسي التقليدي الذي يعوزه الخيال
ضبط إستراتيجية حزبية واضحة
ابتداع وسائل وأدوات عمل سياسي جديدة
عدم إسقاط الزمن السياسي
الشباب حذار من أن يتحول إلى رهان مزيف
العلاقة بالأحزاب الالتقاء على المشترك بدل الاحتراب السياسي .
أولا : التوظيف والاستثمار الأمثل للإمكانيات المادية والبشرية للحزب
إن التوظيف الأمثل للإمكانيات المادية والبشرية للحزب لا يتأتى إلا بتفعيل دور المؤسسات الحزبية ( مركزيا وجهويا ومحليا ) وتجاوز لأشكال العمل العفوية والمناسبتية لأنها لا تؤسس لفعل سياسي دائم ومستقر وذات مرد ودية . وقد أدى تعطيل أو عدم تفعيل المؤسسات الحزبية إلى احتكار الهيئة التنفيذية لإدارة وتسيير شؤون الحزب والتي أيا كانت إمكانات أفرادها ستظل عاجزة حتما على الإمساك بكل الملفات الكبرى والتي تحتاج إلى إطارات وكوادر الحزب في مختلف المواقع والجهات .
فباستثناء المكتب الوطني للشباب ( والذي شاب عمله العديد من النقائص ) ظلت بقية المكاتب الحزبية أو تكاد تكون غائبة ( العمل الاجتماعي,الحريات وحقوق الإنسان ، التكوين , المرأة , التنظيم والتوثيق ) وتضخمت مقابل ذلك مؤسستا الأمانة العامة والمكتب التنفيذي لتبتلع كل الصلاحيات وأدوار المكتب السياسي نفسه وسقط الحزب في فوضى تنظيمية وإدارية غير مسبوقة وضاعفت البيروقراطية وأشكال التعاطي الفوقي خاصة مع الجامعات في الجهات (تكوين مكاتب شباب في عديد الجهات بصفة فوقية متعمدة بدون حضور أو إعلام أو استشارة أعضاء الجامعات وكأن مكاتب الشباب هياكل مستقلة تماما عن الجامعات مما أثار استياء كبير لدى أعضاءها أدى إلى استقالة بعضهم من الكتابة العامة للجامعة)
ثانيا : النجاح في إدارة الحوار بشكل ديمقراطي :
في حزب يدعي لنفسه اللاخطية والقدرة الخارقة على استيعاب فئات من مختلف المشارب الأيديولوجية وجمعها على برنامج سياسي واحد يجب أن يغيب فيه منطق فرض الأمر الواقع بتعلة " ديمقراطية الأغلبية " المستندة على حكم الأغلبية ويحل محلها منطق الاحتكام إلى " ديمقراطية توافقية " تُبذل فيها جهود جدية للوصول إلى نوع من التوافق ينسجم مع هذه التجربة وقدرة على حفظ التوازن داخل تركيبته القائمة على التعدد خصوصا إذا ما تعلق هذا الاختلاف بشبهة الخروج عن المسار الإصلاحي والتدريجي للحزب . إذ أن انفراد الأغلبية داخل الحزب ذات التركيبة غير المتجانسة بالقرار يؤدي إلى بروز عناصر عدم الثقة بين مكوناته .
ورغم إصرار الفريق ألأغلبي المنتصر على احتكار القرارات بتعلة الأغلبية فان برامجه قد يكون مصيرها الفشل ولم تتحول إلى قوة على الأرض نتيجة تزعزع ثقة القواعد في هذا الفريق أو ذاك وبدا جليا أن مضمون التغيير الذي تريد بعض الإطراف إحداثه في الواقع هو إضافة ليست قابلة للتحقق تلقائيا بدون عمل القواعد المرهون بالقرار الديمقراطي التوافقي الذي يجمع كل مكونات الحزب حول برنامج موحد .
إن القواعد هي من ستنفذ الخطة وتضحي من أجلها وهي التي تتحمل مخاطر فشلها وأخطائها وبالتالي فان من حقها أن تشارك في وضع هذه الخطة مشاركة فاعلة بعيدة عن كل محاولات التوجيه.
ثالثا : ضمان عدم الانحراف عن خط ومنهج الإصلاح في التغيير :
ما هو المطلوب من حزب إصلاحي ؟ وهل يتحقق إصلاح دون ما إمساك بخصوصيات المرحلة ودونما وعي بإمكانات الواقع الوضعي والذاتي ؟
ما كان لنا أن نطرح هذه الأسئلة لولا أداء الحزب منذ سنة خلت والذي جعلنا نشك من خلال الحلول التي اقترحها لمواجهة المشكلات السياسية في وفائه لخط الإصلاح ومنهجه الذي ارتضيناه أسلوب للتغيير في حزبنا. إذ غلب على الأداء السياسي للحزب طيلة هذه الفترة طابع الاحتجاج والذي أصبح محدود الفاعلية على سلطة هيمنت واحتكرت بالمطلق أجهزة الدولة وحولتها إلى خادم أمين لإعادة إنتاج هذه الهيمنة وتأبيدها... إلى جانب أن هذه المعارك الاحتجاجية العمياء أعطت المبررات للسلطة للمضي قدما في سياسة الهر سلة الأمنية والتضييفات على نشطاء الحزب وخصوصا الشباب منهم وأمام اختلال موازين القوى انكفأت تلك العناصر وسيطر عليها الشعور بالإحباط واللاجدوى وتعرضت بذلك العديد من المكاسب للضياع والهدر خصوصا تلك الطاقات الشبابية الواعدة والتي كانت لها مساهمة فاعلة في توسيع قاعدة الحزب وإشعاعه وتحولت نتيجة لذلك إلى العطالة والانكفاء والانسلاخ.
ورافق ذلك إهمال من قبل القيادة على العمل على تربية وتكوين الأفراد وخصوصا الشباب على تبني مسلك البناء والمراجعة والتغيير والتقويم والنجاعة المرادفة للواقعية بعيدة عن الغوغاء والتهور ونشر ثقافة الإصلاح القائمة على فهم واقع الاستبداد الذي لا يمكن له أن يفكك بالمعارك العبثية بل من خلال البرامج والعمل المثابر والدءوب في مسار يقوم على المرحلية واستيعاب تعقيدات الواقع السياسي الذي نعمل فيه وعدم القفز على المراحل والعمل بمبدأ " خذ و طالب".
رابعا: الاهتمام بصراع المشاريع بدل شخصنة المعارك:
من المطروح على كل مشروع سياسي إصلاحي بالأساس أن يدفع باتجاه تدافع البرامج والخطط ولا يمكن الانحراف عن هذا الاتجاه بتعلة ومبررات بأن واقع الاستبداد غير معني بالمشاريع فلا مناص من العمل على هز وخلخلة عناصر تماسك واقع الاستبداد وإضعافه شيئا فشيئا من خلال التحول إلى قوة اقتراح فعلية وصياغة مشروع الإصلاح والتغيير والاصداع به واستغلال كل الفرص الممكنة للدعاية إليه . لكن رغم أن البعض من قيادة الحزب الديمقراطي التقدمي اعتبروا أن التعديل الدستوري الأخير الخاص بشروط الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2009 هو مجرد مؤامرة مفصلة على قياس مرشح الحزب لإقصائه فان القانون الاستثنائي الموالي لهذا التعديل الدستوري أعطى الفرصة للحزب أن يقدم الأمينة العامة للترشح وفي رفض هذا الممكن القانوني هو إصرار على شخصنه المعارك وانحراف على مبدأ صراع المشاريع وتفويت فرصة كبيرة على الحزب للاتصال المباشر مع الشعب التونسي والتعريف بمشاريعه وأدبياته وبرامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي تعتبر أساس المشاريع الإصلاحية فالتصورات والبرامج والمشاريع تبقى دائما فوق رغبة كل شخص مهما كانت رمزيته داخل وخارج الحزب.
خامسا : تجاوز العقل السياسي التقليدي الذي يعوزه الخيال :
لا يمكن إعادة تأهيل الحزب بدون محاصرة جذور العقل السياسي التقليدي بداخله وتحجيم دوره وذلك بترسيخ القناعة بأن الأحزاب والمشاريع السياسية تتطور من خلال حركتها تباعا لبرامج وخطط وإستراتيجية محددة فالسياسة ظاهرة متحركة تناقض الأفكار الجامدة والمواقف السلبية وتقاوم كل محاولات إيقاف حركة تطورها تحت مزاعم أنها غير لازمة ... وقد ساهم العقل السياسي التقليدي السائد داخل الحزب في إيقاف حركة التطور والتجدد بهدف إعادة الماضي السياسي وفرض وسائل وأدوات لا تنسجم وطبيعة المرحلة فانفصلت الغايات والأهداف النبيلة عن الوسائل والأدوات غير الناجعة وانحسر وانكفأ العقل السياسي المجدد والمتجدد والتقدمي أمام سطوة القوى المحافظة التي حاولت وأد حركة الأول .
سادسا : ضبط إستراتيجية حزبية واحدة :
الحزب ليس تنظيما يهرب إليه المناضلون في مواجهة المشكلات السياسية والاجتماعية في موقعهم ليجتمعوا فيه يتبادلون الحديث عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وينتقدون السلطة والاستبداد السياسي... بل هو تنظيم يُلزمهم في مواقعهم أن يواجهوا المشكلات طبقا لخطة واحدة تسمى إستراتيجية من أجل تحقيق الأهداف والغايات المشتركة مع إدخال عنصر الزمان في حركته ونضاله مع أن تحفظ للقوى في كل موقع وموقف بأكبر قدر من المرونة في اختيار التكتيكات المناسبة والأساليب المجدية للوصول إلى تلك الغايات.
إن المراقب لصيغ عمل حزبنا يقف على غياب هذه الخطة الإستراتيجية الواضحة ومراحلها في العمل والزمن وعلى كل الأصعدة ( الإعلامية, الاقتصادية، الثقافية، الشباب، المرأة.....) والاستعاضة عنها بعمل سياسي بدائي وغير علمي يقوم على العفوية والارتجال والمناسبتية ويكتفي بوسائل منقوصة ( البيانات ، الندوات داخل المقرات ..) وغير كافية في توسيع دائرة التعاطف مع الحزب والخروج من مربع الضغط النخبوي المحدود .

وكان لغياب هذه الإستراتيجية الأثر السلبي الكبير على فعالية أنشطة الحزب فهي تبدو كالحلقات الفاقدة لكل ترابط يجمعها وتمليها أحداث ومناسبات وتساهم في المزيد من إهدار إمكانات الحزب البشرية والمادية وإشاعة مناخ الإحباط لدى القواعد التي باتت لا ترى أي جدوى في هذه الأنشطة الغير محكومة بأفق ومطامح سياسية محددة وواضحة وقادرة على الارتقاء بالحزب وتساهم في تعديل موازين القوى .
سابعا : ابتداع وسائل وأدوات عمل جديدة :
إن تحقيق أهداف وغايات أي مشروع تغيير سياسي رهين بنجاعة الوسائل والأدوات التي ينتهجها للوصول إليها ، ومدى قدرته على إبداع وسائل وأدوات جديدة حسب مقتضيات تغيير الواقع وتعقيد مكوناته . وقد تأكد لنا بأن أدوات الحزب أثبتت قصورا واضحا وان وسائله أضحت تعاني من الترهل والتخلف عن مقتضيات الواقع السياسي الذي أضحت تحكمه ثورة في الاتصالات والمعلوماتية ... إذ مازالت البيانات والندوات في المقرات من ابرز هذه الأدوات.
هذا إلى جانب عدم الوقوف على حقيقة أن شعارات الحرية والديمقراطية غير قادرة (على الأقل في هذه المرحلة ) على استيعاب قطاعات واسعة من الشعب التونسي وان المداخل الناجعة والمجدية للعمل السياسي في البيئة التونسية هي المداخل الاقتصادية والاجتماعية المعيشية مما يعني الانفتاح أكثر على الشرائح المهمشة والمحرومة والانحياز لهمومها ومشاغلها وتبني مطالبها والوصول إليها حيث هي وتعريفها بمطالب الحزب في الإصلاح وجعلها تقتنع تدريجيا بأن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي مرهون بالإصلاح السياسي . وهذا الفعل السياسي الاجتماعي يتطلب وسائل جديدة وآليات مبتكرة إلى جانب تربية القواعد والكوادر الحزبية على التحلي بطاقة نفسية هائلة لاحتمال عمل دءوب بالليل والنهار والاكتفاء بالمكاسب المتواضعة في المدى القصير من أجل تحقيق الانتقال النوعي في مدى زمني أطول.
ثامنا : عدم إسقاط مفعول الزمن السياسي :
إن المعارك السياسية لا تتحدد بعدالة القضايا المرفوعة وأحقيتها بقدر ما تتحدد بالقدرة على تحقيقها وفق جدول زمني معين ودقيق بعيدا عن كل ارادوية وقفز على حقائق الواقع وسوء تقدير للإمكانات .
إن أي مشروع تغيير سياسي لا يضع خطته الأساسية للوصول إلى أهدافه وغاياته وفق أفق زمني معين وواقعي هو مشروع محكوم بالفشل والإخفاق . فالمعارضة التونسية من أكثر المعارضات التي وقفت عند حدود التجارب القصوى والجدية والقائمة على مبدأ " الكل أو لا شيء " في مواجهة لسلطة تجيد بمهارة لعبة التكيف مع محيطها الإقليمي والدولي دون التنازل لخصومها ، ومشكلتنا تكمن داخل الحزب في رفع شعارات ومطالب تستعص على إمكانيات وقدرات الحزب في المرحلة الراهنة مما أعتبره البعض بأنه مغامرة ومقامرة بمصير الحزب واعتبره شق آخر بأنه مبادرة متقدمة لافتكاك المواقع, فغرق الحزب في متاهات التأويلات والهرطقيات الكلامية السياسية حول مفاهيم " الإصلاح "و " الراديكالية " وأصبح القبول الوقتي بالحلول المنقوصة الذي هو جوهر الإصلاح والتدرج في التغيير يعتبره البعض إخضاعا لإرادة الخصم وانبطاحا له وقصورا في المبادرة وبذلك ضاعت ثوابت الخط السياسي الواردة بوثائقه المرجعية والتي تعتبر دستور الحزب وبوصلته التي لا تخطأ الوجهة .
تاسعا : الشباب حذار من أن يتحول إلى رهان مزيف.
في أول تصريح لها بعد المؤتمر الوطني الرابع للحزب عبرت الأمينة العامة عن أن أبرز أهدافها ورهاناتها للمرحلة القادمة هي : أولا الشباب والمرأة وثانيا مأسسة الحزب .
وقد استبشر الشباب لهذا التصريح وانتظروا أن يتحول هذا الرهان والشعار المركزي إلى واقع وفي الحقيقة أن المكتب الوطني للشباب عند انطلاق أنشطته قام بخطوات هامة وجادة لبلوغ الأهداف المرصودة ووظفت إمكانات بشرية ومادية هامة لضمان حسن سير هذا الهيكل الشبابي وأنتجت هذه الجهود مؤسسة ذات نشاط ونجاعة نسبية رغم العيوب التي تضل من طبيعة الجهد الإنساني وضخت دماء شبابية جديدة كمًا ونوعا في الحزب وخاصة في بعض الجهات ومنها جامعة قفصه بالأساس الذي ساهم بفاعلية كبرى في أجندات الحزب وأنشطته وبدا العمل حثيثا على تشكيل ملامح رؤية موحدة للشباب حول عديد القضايا القطاعية السياسية ,النقابية ,الاجتماعية ,الثقافية والحقوقية ... من خلال عقد الملتقيات الصيفية والهيئات التنسيقية المؤقتة في عديد الجهات ( تونسقفصةسوسة ) .لكن العجز عن إدارة الحوار وغياب الإستراتيجية وضعف الأدوات والوسائل أدى إلى إهدار الطاقات البشرية والمادية في أنشطة مناسبتيه احتجاجية وأفضت إلى تضييع أغلب تلك المكاسب الشبابية ومما زاد الطين بله تصرف وتعمد المشرفين على التنسيقية الشبابية ومن وراءها القيادة الحزبية في بعث مكاتب شبابية في بعض الجهات بطريقة غير ديمقراطية دون علم أو استشارة الهياكل الجهوية ( قفصة –سوسةقابس ..) مما أضفى إلى امتعاض كبير لدى الشباب وشلل كامل في أنشطته وعاد وضع الشباب إلى مربع ما بعد المؤتمر الوطني الرابع أو لعله أشد ضعفا وانقساما وأكثر إحباطا وتذمرا واستقالة ( عملية وليست قانونية ) وذلك بعد يأسها من إعادة الهيكل الشبابي على سكة الإصلاح واختارت قيادة الحزب الصمت أمام كل هذا وتفشت الانتظارية والسلبية بعد صدمة الوقوف على عجز الحزب عن إيجاد حلول ناجعة للمشكلات التي واجهته وأيقن البعض أنه تحول أو اُستعمل كمجرد وقود لمعارك لا ناقة له فيها ولا جمل في الوقت الذي يحرم فيها من مواقع القرار ويهمش داخل مؤسسته بفرض بعض الأسماء التي يعتبرها البعض صداميه ميدانيا أكثر من غيرها وكأننا في حلبة صراع بدني وترك المجال واسعا أمام أكثر الأطراف الشبابية غوغائية وطفولية فطغى على الأداء السياسي الشبابي روح التهور والمغامرة الانتحارية سياسيا في معارك غير محسوبة ومواجهات عمياء بتشجيع من بعض الكوادر القيادية في الحزب مما أدى إلى انفلات وعدم انضباط داخل الهياكل الجهوية وأصبح بعض الشباب يتنافس في الظهور على صفحات الجريدة أو على مواقع الانترنت وفي بيانات الجمعيات والمنظمات الحقوقية في خانات أخبار الإيقافات والاعتداءات بطريقة مجانية وتفشت لديهم روح من اليسراوية الراديكالية النضالوية حادت عن المنهج الذي وضعه المكتب الوطني للشباب في الاعتناء بالتكوين والتاطير وتنويع وسائل العمل السلمية والمجدية .
عاشرا : العلاقة بالأحزاب الالتقاء على المشترك بدل الاحتراب السياسي :
لسنا بحاجة للتذكير بالمواقف الريادية المشرفة التي اتخذها الحزب من اجل جمع شمل المعارضة التونسية وجهده الحاسم في إخراج حركة 18 أكتوبر للحياة السياسية لما عرف عنه منذ تأسيسه من جهد دءوب من اجل لم شمل المعارضة التونسية وتكاد تكون أدبياته السياسية تخلو من كل تهجم أو أي استهداف لأي من الأحزاب المستقلة أو حتى الموالية لأن تراثه يقوم على مناهضة ثقافة الاحتراب السياسي وتغليب الحكمة وسداد الرأي في إدارة أي خلافات سياسية قد تنشأ بين الفر قاء . لكننا شهدنا في الفترة الأخيرة وجها مغايرا في الحقيقية لهذا التراث ويبدو أن هذا الانحراف الأخير هو إحدى تعبيرات الأزمة الداخلية حيث يعتقد القائمون على الحزب أن كل حركات اّلآخرين من الفاعلين السياسيين إنما تستهدف الحزب . وليس أدل على ذلك مجموعة من المقالات التي نشرت على صفحات جريدتنا والغريب أن صاحبها ليس إلا الأمين العام المساعد المكلف بالعلاقات الوطنية ، تابعها التشنج تجاه الأحزاب واستعمال لغة بعيدة عن أدبيات الحزب نحو أحزاب المعارضة والتي لا تقوم على تعزيز الحوار البناء القائم على محاولة الالتقاء على المشترك والبناء عليه لتوسيعه بقدر ما كانت تمس بقيادات هذه الأحزاب ومن نموذج هذه المقالات ما جاء بجريدة " الموقف " العدد 494 تحت عنوان " معادلة الرئاسية المقبلة " والذي أثار حفيظة حركة التجديد والتكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات.
خاتمة
كانت هذه محاولة من أعضاء ومنخرطي جامعة قفصة للحزب الديمقراطي التقدمي تمثلت في ورقة حزبية داخلية عرضوا من خلالها بعض الانتقادات والتصورات وذلك غيرةً منهم على الحزب وتعبيرًا على الصدق والحب تجاه هذا التنظيم ومساهمة متواضعة منهم في النقد الذاتي البناء من أجل الإصلاح الداخلي للحزب ونتمنى أن تأخذ بعين الاعتبار وتجد آذان صاغية لدى القيادة المركزية وأن تتفاعل معها ايجابيا بقية الجهات".
------------------------------------------------------------------------

إقرأ كذلك:
1- مقالا لصالح عطية في جريدة "الصباح" حول نفس الموضوع www.assyassyia-tn.com/index.php
2- متابعة "السياسية" لاستقالة مجموعة ال27 تطوّر لافت استقالات لكوادر وقيادات الديمقراطي التقدمي www.assyassyia-tn.com/index.php


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.