قراءة سوسيولوجية للبيبلوغرافيا السجنية بقلم:الباحث سامي نصر ظلت القضايا السجنية منذ عقود من الزمن تثير الكثير من التساؤلات والاستفسارات، رغم كل ما كتب ونشر عن هذا العالم، فالبعض منها اكتفى بالدور الإصلاحي والتأهيلي للمؤسسة السجنية، فيما ركّزت كتابات أخرى على سلبيات هذه المؤسسة لتقدمها في صورة الجحيم الذي تنتهك فيه كل الحقوق وتسلب فيه الحريات وإنسانية الإنسان... ومن خلال استقراءنا لكل ما كتب حول السجن والسجين والسجّان والحياة السجنيّة... يمكن تقسيمها من حيث طريقة تناولها للظاهرة السجنيّة إلى ستة أصناف على الأقل: أوّلا، المنشورات التي تصدرها الحكومة: تحتل القضيّة الإجراميّة بصفة عامة والقضيّة السجنيّة بصفة خاصة مكانة متميّزة لدى الحكومات، وذلك بحكم كونها المسؤولة الأولى لجلّ المؤسسات الاجتماعيّة التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالظاهرة الإجراميّة وقضيّة السجون. وتتلخص المنشورات التي تصدرها الدولة في: - الإحصائيات الرسميّة والتي تصدرها عادة ثلاث مؤسسات وهي: الشرطة والمحكمة وإدارة السجون والإصلاح، وهي المؤسسات التي يمرّ بها المجرم على ثلاث مراحل: مرحلة البحث، ومرحلة المحاكمة، ومرحلة قضاء العقوبة٭ ، فمثلا في تونس كانت إلى وقت قريب "نشريّة الإحصائيات القضائيّة" الصادرة عن وزارة العدل أهم نشريّة إحصائيّة ولكنها حجبت على العموم بعد صدور آخر عدد لها وكان ذلك سنة 1995 والتي عرض فيها إحصائيات 1990- 1991. - الكتب - تصريحات رسميّة تبث عبر وسائل الإعلام - مقالات صحفيّة - مجلاّت حكوميّة - فعاليات الدورات والملتقيات. تتميّز المنشورات التي تصدرها الحكومة بجملة من الخصائص تجعلها مختلفة مع بقيّة مكوّنات ببلوغرافيا السجون. كما أنّ محتواها يكاد يقتصر في الكثير من الأحيان على الإنجازات الحكوميّة والتشريعات القانونيّة، أو الرد على بعض منشورات الجهات التي لا تتفق مع رؤية الحكومة مثل المنظمات الحقوقيّة والأحزاب المعارضة. وتتميّز منشورات الدولة بتجنّب الحديث عن السجّان والتركيز على السجين، وبالتالي لا يرتبط مفهوم الإصلاح والتأهيل إلاّ بهذا الأخير (السجين) فهو الذي يحتاج حسب الرؤية الحكوميّة إلى إصلاح وتأهيل. فباستثناء النوع الأوّل من المنشورات أي الإحصائيات، فإنّ بقيّة المصادر متاحة للباحثين والمهتمّين بالمسائل السجنيّة. ثانيا، منشورات المنظمات غير الحكوميّة: والتي تتلخص في الآتي: - بيانات/ بلاغات - تقارير تصدر سنويّا أو تقارير حقوقيّة تصدر احتفالا بإحدى المناسبات مثل 10 ديسمبر (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) أو 26 جوان (اليوم العالمي لمناهضة التعذيب)... - كتب تصدرها بعض المنظمات أو بعض نشطاء حقوق الإنسان - مجلاّت وصحف مستقلّة أو حزبية - مداخلات في بعض الملتقيات أمّا بالنسبة للمواضيع التي تتضمّنها منشورات المنظمات غير الحكوميّة، فإنّ أغلبيتها تتحدث عن المساجين السياسيين أو سجناء الرأي، هذا الصنف الذي يكاد يختفي كليّا في جل المنشورات الحكوميّة، وبالتالي هناك نقص كبير في التطرّق إلى الفئات السجنيّة الأخرى والتي قد يكون حالها أسوء بكثير من حال المساجين السياسيين . كما تتميّز نوعية كتابتها بالطابع النقدي والانتقادي وتتناول بالخصوص الانتهاكات التي يتعرّض لها المساجين والمسائل القانونيّة إمّا بغرض الضغط على السلطة للإسراع بتغيير بعض القوانين السجنيّة أو احترام القوانين الموجودة بالبلاد. ولذلك يقصد بالإصلاح في أدبيات المنظمات غير الحكوميّة القوانين السجنيّة ومعاملة الإدارة أي السجّان والقانون ونادرا ما تحتوي هذه الأدبيات عن تأهيل أو إصلاح المساجين. كما أنّ الهدف الرئيسي من كتابة هذه المنشورات هو خلق نوع من التوازن بين ما يمارس داخل السجون وما ورد بالمواثيق والاتفاقيات الدوليّة لحقوق الإنسان. أمّا منهجيّة البحث التي تعتمد عليها فتتركّز بالأساس على رصد الحالات وجمع الشهادات، ونادرا ما تعتمد على البيانات الإحصائيّة منهج الاستمارة والاستبيان. ثالثا، المنشورات الأكاديميّة والعلميّة: هي عبارة عن ثمرة مجهودات علميّة وبحوث ميدانيّة وقراءات تحليليّة للمعطيات الإحصائيّة التي يحصل عليها الباحث بطرق مختلفة. تتجسّد هذه النوعيّة من الكتابة هي الأخرى في: - الكتب - الأطروحات جامعيّة - المجلات - الملتقيات الأكاديميّة في الغالب لا تتحدّث هذه النوعيّة من الكتابة على السجين والحياة السجنيّة بشكل مباشر وصريح، بل تهتمّ أساسا بالأنظمة السجنيّة والفعل الإجرامي، وعادة تتناوله من جانب موضوعي أكاديمي، بحيث لا تتسم بالطابع النقدي كما هو الحال في أدبيات المنظمات الغير حكوميّة، كما لا تتسم بالطابع الدعائي كما هو الحال بالنسبة لأدبيات الحكومة. وما يلفت انتباهنا في المنشورات العلميّة هو تجنّب الحديث عن المساجين السياسيين أو سجناء الرأي وقد يرجع ذلك إلى الضعف العددي لهذه الفئة من المساجين مقارنة بفئة الحق العام، كما قد يكون ذلك بسبب إدراج هذه الفئة ضمن الخطوط الحمراء التي توضع للباحثين أو يضعها هو لنفسه. أمّا مفهوم الإصلاح والتأهيل فإنّه يقصد به عادة السجين والنظام السجني في الآن نفسه، وعادة ما تنطلق الأدبيات العلميّة من جداول إحصائيّة أو من دراسات ميدانيّة حتّى يتسنّى لها أن تكون ضمن الأبحاث والدراسات العلميّة. ورغم ندرتها مقارنة بالمجالات العلميّة الأخرى إلاّ أنّها ساهمت بصفة فعّالة في تطوير الأنظمة السجنيّة (كما سنرى ذلك لاحقا). رابعا، الكتابات الأدبيّة: تنحصر الكتابات الأدبيّة في الروايات والقصص التي تتحدّث عن الحياة السجنيّة وتتضمن عادة معانات السجين وممارسات الجلاّد، ورغم طابعها الأدبي وعدم تقيّد ها بالواقع الملموس لسجين معيّن ولسجن محدد في بلد محدّدة ولكن درجة نجاح الرواية أو القصة تتوقف على مدى معرفة الكاتب بالواقع السجني سواء من خلال تجربة شخصيّة عاشها أو من خلال جمع أكبر عدد ممكن من الروايات السجنيّة والأحاديث السجنيّة. ولعلّ أحسن مثالا على ذلك هو الكاتب صنع الله ابراهيم وروايته "شرف"... وشروط الكتابة الأدبيّة تمنعه من الحديث عن الإصلاح والتأهيل بشكل مباشر عكس ما رأيناه في نوعيّة الكتابات الأخرى... خامسا، المذكّرات الشخصيّة: أمّا النوع الخامس من الكتابة السجنيّة فتكمن في تلك المذكّرات الشخصيّة التي يحبّذ أصحابها في العادة عدم تناول القضيّة السجنيّة بصفة عامة ويركّزون على تجربتهم الخاصة. ولكن رغم ندرتها ورغم طابعها الشخصي إلاّ أنّها قادرة على اثراء الكتابات السجنيّة ومدّ الباحثين والمهتمّين بهذه النوعيّة من الدراسات، بالمعلومات الغنيّة والثريّة بل في صورة تعدّدها وانتشارها يمكن لها أن تساهم في تغيير الأنظمة السجيّة. لأنّها سوف تخرج من طابعها الشخصي وتصبح عبارة عن شهادات حيّة، ويمكن أن نأخذ كأحسن مثال كتاب رمل الأفعى للدكتور المتوكل طه الذي جمع فيه العديد من الشهادات السجنيّة في إحدى المعتقلات الإسرائيليّة وهو معتل "كتسيعوت". سادسا، الكتابات الصحفيّة: أصبحت أخبار الجريمة والإجرام وعالم السجن والسجون إحدى المواضيع الجذّابة للقراء، لأجل ذلك أصبحت تحتل مكانة متميّزة في الكتابات الصحفيّة، فإضافة إلى الركن الخاص الذي تخصّصه العديد من الصحف اليوميّة والأسبوعيّة لعالم الجريمة تمثل أخبار السجون سبقا صحفيّا يقع صياغتها على أربعة أشكال مختلفة: - مقالات صحفيّة - مقالات إخباريّة - ملفات خاصة - تقارير صحفيّة. وتتحدّد نوعيّة المواضيع المطروحة، وكيفيّة تناول القضايا السجنيّة من خلال الوضع الإعلامي للبلد الذي تصدر فيه الصحيفة. ٭Abdelwaheb Bouhdiba « Criminalité et changements sociaux en Tunisie » cérès Tunis 1966 P14- 15