ماذا في اجتماع اللجنة القارة للشؤون الخارجية المنبثقة عن مجلس الأمن القومي؟    بعد المطار: شركة الطيران 'فلاي دبي' تعلق جميع الرحلات المغادرة بسبب سوء الأحوال الجوية    خدمات رقمية جديدة    وفاة رضعين في بنزرت    الكشف عن مستودع عشوائي لتخزين المواد الغذائية بحي النصر 2    سيدي بوزيد: انطلاق فعاليات الملتقى العلمي الدولي الخامس تحت عنوان "الايكولوجيا اليوم ...فن الممكن "    سليانة: تضرر اجمالي 20 مترا مربعا من التين الشوكي بالحشرة القرمزية (رئيسة دائرة الإنتاج النباتي بمندوبية الفلاحة)    عاجل/ البنك الدولي يخفّض توقعاته للنمو الاقتصادي لتونس الى هذه النسبة    بطولة الرابطة 1 (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة الثامنة    رئيس الحكومة يستقبل رئيس الاتحاد الدولي للرياضات الإلكترونية    رابطة أبطال آسيا: تأجيل مباراة العين الإماراتي والهلال السعودي في نصف النهائي بسبب الأحوال الجوية    كهرباء: عرض مشروع القانون المتعلق بإحداث هيئة تعديلية على الحكومة (وائل شوشان)    الإعدام لشخصين عنّفا عجوزا ثمانينية حتى الموت في هذه الجهة    زغوان : تفكيك شبكة مختصة في سرقة المواشي    قابس: نجاح تجربة زراعة الحبوب (رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري)    "المكتبات في عصر الذكاء الاصطناعي : أدوار متجددة وخدمات مبتكرة" عنوان الدورة الخامسة لملتقى بن عروس المغاربي للكتاب والمطالعة    إجماع على ضرورة تسريع تنفيذ مبادرة تناغم التشريعات في قطاع الأدوية بدول شمال إفريقيا    بعد صمت طويل: هذا أول تصريح لأمين قارة بعد توقّف برنامجه على الحوار التونسي    الزهراء.. الاطاحة بعنصر تكفيري محكوم ب 5 سنوات سجنا    علامة ''هيرمس'' تعتذر لهيفاء وهبي    أنس جابر تدعم خزينة النجم الساحلي    مرتبطة بجائحة كورونا.. فضائح مدوية تهز الولايات المتحدة وبريطانيا    للمرة الأولى.. مغني الراب التونسي "جنجون" ينضم لقائمة بيلبورد عربية    منوبة: رفع 741 مخالفة خلال تنفيذ ­­6617 زيارة مراقبة اقتصادية طيلة شهر    شيخ جزائري يثير الجدل: "هذه الولاية بأكملها مصابة بالمس والسحر"!!    قتيل وجرحى في حادث مرور مروع بهذه الجهة..    تغير المناخ: تونس الخامسة في العالم الأكثر عرضة لخطر الجفاف المتزايد    عاجل/ هذه التهم التي وجهت للموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة..    وزير التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة 4 إفريقيا في مجال الذكاء الاصطناعي    تفكيك شبكة مختصة في بيع سماعات وتوابعها تستعمل في عمليات الغش في الامتحانات ..    الكاف: الاتفاق على بناء خزانين جديدين للماء الصالح للشرب    منتدى الحقوق الاجتماعية يدعو إلى إيقاف الانتهاكات التي تطال المهاجرين التونسيين في إيطاليا    عاجل: ايران تهدد مجددا ب"رد قاسي"..    وزارة الفلاحة: نحو جلب حشرة للقضاء على الآفة القرمزية    أبطال إفريقيا: إصابة نجم ماميلودي صن دانوز أيام قبل مواجهة الترجي الرياضي    كأس السوبر الإفريقي لكرة اليد : الأهلي المصري يلحق بمواطنه الزمالك الى النهائي    المندوبية الجهوية للتربية بتطاوين ..تنظيم المسابقة الجهوية للمواد المميزة    المندوبية الجهوية للتربية صفاقس 1...تنجح في رهاناتها وتحصد المرتبة الأولى في الملتقى الإقليمي للموسيقى    ميناء حلق الوادي: حجز 7 كلغ من ''الزطلة'' مخفية بأكياس القهوة    بن حليمة يكشف تفاصيل عن ''منذر الزنايدي''    قوات الاحتلال تقتحم جنين ومخيم بلاطة وتعتقل عددا من الفلسطينيين بالضفة الغربية    الخبير العسكري توفيق ديدي ل«الشروق» طهران نفّذت ضربة استراتيجية بتفوق تكتيكي    سيول تودي بحياة 16 شخصًا على الأقل..التفاصيل    عاجل/ آخر مستجدات قضية استدراج أطفال واستغلالهم جنسيا من طرف كهل..    معز الشرقي يودع بطولة غوانغجو الكورية للتنس منذ الدور الاول    بالمر يسجل رباعية في فوز تشيلسي العريض 6-صفر على إيفرتون    طقس الثلاثاء: سحب كثيفة وأمطار متفرقة بأغلب المناطق    فظيع: وفاة كهل جرفته مياه وادي الصابون بفريانة بعد ارتفاع منسوبه..    أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني عمل إرهابي    عاجل : دولة افريقية تسحب ''سيرو'' للسعال    معرض تونس الدولي للكتاب 2024: القائمة القصيرة للأعمال الأدبية المرشحة للفوز بجوائز الدورة    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    نصائح للمساعدة في تقليل وقت الشاشة عند الأطفال    المؤتمر الدولي "حديث الروح" : تونس منارة للحب والسلام والتشافي    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    أولا وأخيرا... الضحك الباكي    فتوى جديدة تثير الجدل..    الزرع والثمار والفواكه من فضل الله .. الفلاحة والزراعة في القرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث عن مظاهر تنامي الجماعات السلفية المتشددة في منطقة المغرب العربي وتعديد لأصنافها ورصد لطرق الحد من مخاطرها
نشر في السياسية يوم 25 - 07 - 2010

في حوار أجراه موقع "قنطرة "المتخصص في الحوار بين الغرب والعالم الإسلامي مع الباحث التونسي أعلية علاني:
السلفية "حقل ألغام" لا تكفي المقاربة الأمنية لعلاجها
مظاهر التديّن في تونس ليست مرتبطة بقوة أو ضعف حركة النهضة المحسوبة على التيار الإخواني فالتديّن موجود قبل نشأة هذه الحركة وبعدها وهو متأثر بنمط الحداثة الذي عرفته البلاد مع دولة الاستقلال
التيار السلفي شهد تطورات هامة بسبب حربي أفغانستان الأولى والعراق وتداعيات الصراع العربي الإسرائيلي بعد اتفاقيات أوسلو
المصادر الإيديولوجية للجماعات السلفية بالمغرب العربي ترتبط بابن تيمية وبالتيار الوهابي أكثر من ارتباطها بجماعة التبليغ الباكستانية
حذر أعلية علاني الباحث التونسي، المتخصص في الإسلام السياسي، في حوار مع قنطرة، من مخاطر الجماعات السلفية المتشددة في منطقة المغرب العربي وأوروبا. وبرأيه فإن الحد من انتشار الظاهرة يتطلب رؤية شاملة، وليس فقط مواجهة أمنية.
يرصد أعلية علاني أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة منوبة بتونس، مظاهر تنامي الجماعات السلفية المتشددة في منطقة المغرب العربي، من خلال مؤشرات انتشارها وتنظيماتها ومنابعها الايديولوجية، ويعتبر أن مخاطرها تتجاوز الأبعاد الأمنية بل تهدد مشاريع تحديث المجتمع والدولة في منطقة المغرب العربي، ويمتد مداها الى أوروبا من خلال تغذية ظاهرة الخوف من الإسلام ، ويلاحظ الباحث التونسي أن التركيز على الخيارات الأمنية، وحسب ، في مواجهة التيار السلفي المتشدد بالمنطقة لن يؤتي أكله، مقترحا مقاربة شاملة للحد من هذه الظاهرة التي تتغذى، كما يقول، من نزاعات الشرق الأوسط والعراق وأفغانستان، اضافة الى عوامل ثقافية واجتماعية.
ويعد علاني من أبرز المتخصصين في قضايا الإسلام السياسي في منطقة المغرب العربي، ومن أهم مؤلفاته:"الحركات الإسلامية بالوطن العربي"، "الحركات الإسلامية في المغرب العربي (تونس نموذجا)"، دراسة حديثة جدا حول التيار السلفي في المغرب العربي.وفيما يلي نص الحوار:
هل الجماعات السلفية ظاهرة جديدة في منطقة المغرب العربي قياسا لحركات الإسلام السياسي، وما هي طبيعتها هل هي جماعات احتجاج سياسي أم جماعات دعوية ...؟ وما هي الأسباب التي تؤدي إلى ظهور هذه الجماعات؟
الجماعات السلفية ظاهرة ليست جديدة بالمغرب العربي بل هي أقدم من حركات الإسلام السياسي، هذا إذا أخذنا السلفية بمعناها التاريخي القديم إذ يُنسب لفظ السلفية للسلف الصالح الذي حمل لواء الإسلام ونقله للأجيال اللاحقة غير أن هذا اللفظ اكتسب دلالة اصطلاحية مذهبية مع ابن تيمية (توفي في 1328م) وتلميذه ابن القيم (توفي في 1351م) فقد عاب ابن تيمية على المسلمين جملة من السلوكيات التي عدها انحرافا عن منهج السلف الصالح، ويتعلق بعضها بالعقيدة، مثل التوسل بالأموات والتمسح على القبور، والبعض الآخر بالتشريع مثل تقديس المذاهب الفقهية والركون إلى التقليد.
ولهذا السبب دعا إلى الرجوع إلى العقيدة السلفية الصالحة.
وفي القرن 19 ظهرت في الجزيرة العربية السلفية الوهابية التي لم تجد موطئ قدم في منطقة المغرب العربي إلا في العقود الأخيرة تحت تأثير الفضائيات وتأثير بعض الجاليات المغاربية التي يشتغل أفرادها بالمملكة العربية السعودية لكن السلفية الوهابية كمذهب رسمي لنظام الحكم في المملكة لم تكن تحمل طابعا احتجاجيا ولا تتدخل في شؤون السياسة.
شهد التيار السلفي تطورات هامة منذ حرب أفغانستان الأولى وحرب العراق بالإضافة إلى تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي بعد اتفاقيات أوسلو وانقسم إلى قسمين، تيار سلفي علمي وتيار سلفي جهادي، وبدأ هذا الأخير يحقق انتشارا متزايدا بعد مقتل السادات على يد جماعة التكفير والهجرة المصرية وسجل حضوره كذلك، باحتشام، في منتصف الثمانيات بالمنطقة المغاربية.
ما هي المصادر الايديولوجية للجماعات السلفية في منطقة المغرب العربي، هل هي التيار الوهابي في السعودية أم جماعة " التبليغ" الهندية الباكستانية ...؟
يمكن القول أن المصادر الاديولوجية للجماعات السلفية بالمغرب العربي ترتبط بابن تيمية وبالتيار الوهابي أكثر من ارتباطها بجماعة التبليغ الباكستانية وقد عرفت المنطقة المغاربية منذ سبعينات القرن العشرين إقبالا على كتب سيد قطب والمودودي وناصر الدين الألباني وغيرهم، وانضافت إليها في فترة لاحقة إلى اليوم أشرطة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وكتب عمر عبد الرحمان وعبد الله طلال القاسمي وأبو عاصم المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني وأبو الوليد الأنصاري وأبو مصعب السوري وحمود العقلا.
ما هي خلفية "معاداة الغرب" الذي يحتل مكانة رئيسية في خطاب الجماعات السلفية، هل هي مثلا خلفية سياسية إستراتيجية (أحداث العراق، أفغانستان، فلسطين) أم ثقافية عقائدية ؟
إن سلفية نهاية القرن العشرين ومطلع الألفية الثالثة والمنسوبة للتنظيمات الجهادية المسلحة، وأبرزها تنظيم القاعدة، تنطلق من واقع عربي إسلامي متردي عجزت فيه النخب والحكام على الخروج من بوتقة التخلف بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال وهي تعتقد أن المظالم المسلطة على العالم الإسلامي منذ حرب الخليج وحرب أفغانستان وتعامل المجتمع الدولي بمكيالين في مسألة الصراع العربي الإسلامي إنما هي من فعل الغرب الذي تصفه بالصليبي الحاقد وتقسم العالم تبعا لذلك إلى قسمين: دار الإسلام ودار الكفر.
إن خلفية معاداة الغرب السائدة في الخطاب السلفي الجهادي ذات بعد إستراتيجي بشكل رئيسي أما الخلفية الثقافية العقائدية فيمكن اعتبارها عنصرا مكملا، له تأثير ولكن بشكل أقل.
ما هو حجم الارتباط بين الجماعات السلفية في بلدان المغرب العربي ونظيراتها في أوروبا ، وكيف تجري عملية التأثير أو التأثر بين الجانبين؟
السلفيون في المغرب العربي لا يجمعهم تيار واحد فهم مجموعة من الاتجاهات منها ما يتعلق بحزب التحرير أو بجماعة التبليغ أو بالتنظيمات الجهادية المسلحة، وعلاقاتهم بنظرائهم في أوروبا متفاوتة. فالسلفيون العلميون المغاربيون لهم امتدادات تنظيمية في صفوف المهاجرين بأوروبا خاصة في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وينشطون في إطار المجلس الإسلامي الأوروبي كأفراد لا ككتلة تنظيمية لأنهم– في الغالب - لا يؤمنون بالعمل التنظيمي. أما السلفيون الجهاديون بالمغرب العربي فهم ينشطون داخل خلايا مغلقة وانتقائية ومحدودة العدد وعلاقاتهم بالخلايا الجهادية في أوروبا تسودها السرية المطلقة نظرا لارتباطها بتنظيم القاعدة. ويمكن القول أن عناصر هذا التيار كانوا ، في البداية، متواجدين بكثافة في هولندا وإسبانيا وإيطاليا ، لكن منذ نهاية التسعينات من القرن العشرين حصل صراع داخلي بين فصائل هذا التيار، بشهادة أحد القياديين، انتهى بتقلص حجم كبير لحجم هذه الخلايا ولم يبق لهم تواجد فعلي إلا في إيطاليا، وحتى هناك ، بدأ حجمهم يتقلص، ويعزو هذا القيادي سبب الصراع إلى خلافات فكرية وزعاماتية، وإلى ما خلفته عملياتهم الإرهابية في أوروبا من تداعيات سلبية على وجودهم كهيكل تنظيمي.
ما هي القاعدة الاجتماعية التي تستند اليها الجماعات السلفية: الطبقة الوسطى أم فئات الفقراء والمُهَمًشين؟ وما هي أفضل الوسائل للحد من انتشار التيار السلفي الجهادي؟
إن القاعدة الاجتماعية التي تستند إليها الجماعات السلفية وخاصة الجهادية هي في الغالب فئة الفقراء والمهمشين تضاف إليها عناصر محدودة من الطبقة الوسطى (غالبهم ينتمون لدول الخليج) ومن خلال حوارات أجريتها مع بعض السلفيين يمكن أن نستشف ملامح المنخرط بالتيار السلفي: فهو شاب دون الثلاثين، وغالبا ما يكون محدود الثقافة والمستوى الدراسي، ومهمشا اقتصاديا واجتماعيا (باستثناء بعض العناصر القيادية المترفهة ولكن عددها محدود جدا) وهنا نطرح تساؤلا إلى أي حد يمكن لتنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة أن تحد من انتشار ظاهرة التطرف الفكري والديني؟ وما هو دور الدولة والنخب والمجتمع المدني عامة في نشر ثقافة الوسطية والاعتدال والتسامح؟
إن أية ظاهرة فكرية متطرفة سواء كانت سلفية جهادية أو غيرها لا يمكن التصدي لها أمنيا فحسب، فذلك لن يكون سوى حل ظرفي بل لا بد من ضمان جملة من الشروط الموضوعية لمواجهتها وفي مقدمتها:
v وضع خطة تنموية شاملة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا تشارك فيها الدولة والقوى الفاعلة في المجتمع من أحزاب وجمعيات.
v نشر ثقافة تنويرية حداثية لا تتعارض مع هوية المجتمع وتراعي خصوصياته وتطور الفكر الديني من داخل منظومته.
v إقناع الغربيين أن زيادة استثماراتهم بالبلدان العربية والإسلامية والإفريقية سيحد من تدفق المهاجرين ويقلل من فئة المهمشين marginaux الذين تستقطبهم التنظيمات الراديكالية.
v تحسيس الغرب بأن حلا مشرفا وعادلا للصراع العربي الإسرائيلي سيشكل سدا منيعا ضد أطروحات التطرف.
إن تحقيق هذه الشروط (التنمية الشاملة، الفكر التنويري والحل العادل للصراع العربي الإسرائيلي) هو المدخل الرئيسي لمعالجة ظاهرة التطرف وبدون ذلك لن نصنع سلما شاملة ولا أمنا دائما.
إلى أي حد يمكن اعتبار انتشار الجماعات السلفية مرتبطا بتحجيم دور حركات الإسلام السياسي في دول مثل تونس والجزائر؟
ليس هناك ربط سببيّ بين انتشار الجماعات السلفية وتحجيم حركات الإسلام السياسي في دول مثل تونس والجزائر. ولكل بلد خصوصياته. ففي الجزائر مثلا يوجد تيار الإسلام السياسي في الحكومة والبرلمان من خلال حركة حمس التي أسسها الشيخ محفوظ نحناح زعيم التيار الاخواني بالجزائر لكن ذلك لم يمنع من أن يكون التيار السلفي الجهادي الجزائري من أقوى التيارات بمنطقة المغرب العربي. أما في تونس فالأمر مختلف، إذ أن ضعف حركة النهضة الناجم عن إستراتيجية المواجهة بينها وبين السلطة لعدة سنوات لا يفسر على أنه العامل الرئيسي الذي سمح بانتشار التيار السلفي في تونس في الفترة الأخيرة علما وأن هذا التيار لم يشهد مدّا في تونس كالذي شهدته باقي البلدان المغاربية فهناك عوامل أخرى ساهمت في انتعاشة نسبية للتيار السلفي بتونس يمكن تصنيفها على أنها عوامل اقتصادية واجتماعية وكذلك إعلامية من خلال دور الفضائيات في نشر فكر هذا التيار.
في تونس ، يشهد التيار السلفي انتعاشا وهنالك من يربط عودة مظاهر التدين في تونس بتأثير سلفي، فما تأثير ذلك على تطور عملية تحديث المجتمع والدولة في هذا البلد الذي يعتبر الأكثر تحديثا في منطقة المغرب العربي؟
يجدر التذكير في البداية أن مظاهر التديّن في تونس ليست مرتبطة بقوة أو ضعف حركة النهضة التابعة لراشد الغنوشي والمحسوبة على التيار الإخواني بتونس، فالتديّن موجود قبل نشأة هذه الحركة وبعدها، ونشير أيضا أن التدين في تونس متأثر بنمط الحداثة الذي عرفته البلاد مع دولة الاستقلال. ورغم موقف المغالاة لبعض الساسة تجاه المسألة الدينية في العهد البورقيبي إلا أن ذلك لم يمس من جوهر التدين في المجتمع فالمساجد ممتلئة والشعائر الأخرى تطبق بصفة طبيعية سواء في عهد بورقيبة أو في عهد الرئيس بن علي بشهادة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء لمسلمين الذي زار تونس في الأشهر الأخيرة.
إن وجود تيار سلفي في تونس بالحجم المحدود الذي ذكرناه لن يكون له تأثير سلبي على تطور عملية تحديث المجتمع وذلك لعدة أسباب من أبرزها:
v ارتفاع نسبة التمدرس.augmentation du taux de scolarité
v توفر حد أدنى من الاستقرار الاقتصادي رغم تداعيات الأزمة المالية العالمية.
v اقتناع كل مكونات المجتمع المدني بما في ذلك حركة النهضة بأهمية الدفاع والحفاظ على مكاسب المرأة الواردة بمجلة الأحوال الشخصية.
v دعم فكر الوسطية والاعتدال من خلال ما تبثه برامج إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم والسماح بإنشاء بنوك إسلامية تتعايش مع البنوك العادية الأخرى.
وإجمالا فإن السياسة الدينية للدولة، حاليا، لا تسمح بانتعاشة تيار الإسلام الراديكالي كما تروجه بعض الفضائيات.
ما هو رأيك في النهج الذي يتبعه المغرب، في تدعيم دور الطرق الصوفية كوسيلة لتحجيم التيار السلفي؟
للمغرب خصوصية تتمثل في أن الملك يحمل لقب "أمير المؤمنين" فهو يجمع بين الحكم الزمني و النفوذ الروحي.Le pouvoir temporel et le pouvoir spirituel
وبالتالي فإن حركات الإسلام السياسي طوّعت مواقفها وبرامجها في اتجاه عدم المساس من احتكار الملك للمقدس. أما دعم حركات التصوف في هذا البلد فهو تقليد قديم دأب عليه المغرب منذ قرون، كما أن دعم السلطة له، ربما يحدّ ضمنيا من تيار الإسلام السياسي. لكن يجدر التذكير إلى أن كلا التيارين ( الصوفية وحركات الإسلام السياسي ) له وظيفته وموقعه داخل المجتمع. فالحركات الصوفية موالية آليا للمخزن، ولا تشتغل ظاهريا بالسياسة، أما تيارات الإسلام السياسي مثل حزب العدالة و التنمية فتشتغل بالسياسة أساسا ولكن بخلفية دينية، وهي تعتبر حركات التصوف جزءا من تاريخ وتراث المملكة التي يجب الحفاظ عليها.
هل يقدر عدد الجهاديين في المغرب العربي بالعشرات أم بالمئات أم بالآلاف؟ وهل تتفق مع رأي بعض الخبراء القائل بأن ليبيا تشكل الحلقة الأضعف في المنطقة المغاربية، سواء بالنسبة لانتشار حركات الإسلام السياسي أو الجماعات السلفية، وما هو تفسيرك لذلك؟
جواب:
بالنسبة لطبيعة تنظيم جهادي مسلح لا يمكن الحديث عن آلاف بل عن عشرات ومئات. وتحتضن الجزائر العدد الأكبر ب 850 شخصا تقريبا حسب إحصائية 2005 تليها موريتانيا ب 160 شخصا. أما بالمغرب وتونس فينحصر العدد في 15 فردا وينزل في ليبيا إلى أقل من عشرة ، وفي النيجر 4 أفراد ومالي 3 أفراد، وهذه الأرقام تشمل الخلايا الفاعلة والمهيكلة les noyaux durs ولا تشمل الأنصار العاديين والمتعاطفين. إن هذه الأرقام تقريبية ولكنها الأقرب للواقع وهي تؤكد أن الجزائر تمثل الدينامو المحرك لتيار السلفية الجهادية بثقلها العددي واللوجستي في حين اختص رموز التيار الموريتاني بالجانب التنظيري والعقائدي. وقد استفادت الجماعات المسلحة بالجزائر من تداعيات توقيف المسار الانتخابي في نهاية سنة1991 وما خلفته من أزمة داخل المعارضة والسلطة الجزائرية، إذ مست الاغتيالات السياسية رموزا في الحكم وآخرين من مختلف التيارات السياسية.
أما بخصوص ليبيا فقد تواجد بها تيار الإسلام السياسي قبل ثورة الفاتح من سبتمبر 1969، وكان ينحصر أساسا في التيار الإخواني. ونلاحظ أن ليبيا تعايشت مدة طويلة مع تيارات السلفية العلمية والحركات الصوفية، و أبرزها السنوسية. لكن المواجهة بين السلطة وتيار الإسلام السياسي بدأت منذ سبعينات القرن العشرين. وكانت المقاربة الأمنية هي السائدة في التعامل مع هذا التيار مدة عقود. واستقر جزء من المعارضين في المنفى (خاصة في بريطانيا) والجزء الآخر في السجن. لكن المعارضة في الخارج كانت محدودة التأثير ولم تتمكن من أن تكون لها امتدادات في الداخل.
أما عناصر التيار السلفي الجهادي المنضوين تحت "الجمعية الليبية المقاتلة" التي تأسست في 1990 بعد عودة الأفغان الليبيين، فإن نشاطهم كان في سرية مطلقة، إلى أن اكتشفت الحكومة تحركاتهم في 1995، واستمرت مواجهة القذافي لهم إلى غاية 1999، ومن أبرز قياداتهم أبو صهيب الليبي. لكن هذه الجمعية وعلى أرجح الروايات، لم تكن تنتمي للقاعدة حسبما أكده الباحث كميل الطويل في كتابه "القاعدة وأخواتها" وهو ما سمح بإجراء حوارات مع قياداتهم في السجن منذ سنة 2007 تحت رعاية مؤسسة سيف الإسلام القذافي الخيرية. ونتج عن هذه الحوارات مراجعة فكر المجموعة في اتجاه تحريم رفع السلاح ضد السلطة والإقرار بعدم جواز الخروج على الحاكم، وعدم تكفير المجتمع . وقد أطلق سراح الغالبية العظمى من قيادات هذه الجمعية وتم فتح حوار مع المعارضة الإسلامية بالخارج، للعودة تدريجيا إلى أرض الوطن. وذكر لي أحد القياديين السابقين بالجماعة الليبية المقاتلة أنه تم الإفراج عن 220 من جملة 400 سجين إسلاميا لحد الآن على ثلاث دفعات ، كان آخرها في مارس 2010
كل هذه العوامل تدفعنا إلى القول أن تيارات الإسلام السياسي والسلفي في ليبيا تعّد هي الحلقة الأضعف في منطقة المغرب العربي. ويعود ذلك إلى استعمال السلطة لمقاربتين في التعامل مع هذه التيارات: المقاربة الأمنية، وذلك بالضرب على أيدي كل من يرفع السلاح ضد السلطة، والمقاربة السياسية من خلال تشجيع تيار الإصلاح و المراجعة و الحوار داخل هذه التنظيمات، وتشجيع كل التوجهات نحو فكر الوسطية و الاعتدال. وهو ما أثمر في نهاية المطاف قبول رموز تيار الإسلام السياسي ورموز التيار السلفي المفرج عنهم أخيرا أو العائدين إلى أرض الوطن، بعدم الاشتغال في الحقل السياسي و الاكتفاء بالنشاط في المجال الدعوي والتربوي. ونفس المسلك سلكته تقريبا الحكومة التونسية حاليا مع المعارضة الإسلامية بالخارج حيث مكنت، في الأشهر الأخيرة، عددا كبيرا من أنصار حركة النهضة وقيادييها من الرجوع إلى أرض الوطن.
كيف يتم تجنيد المنخرطين بالتيار السلفي الجهادي؟ وما هي المواصفات المطلوبة في المنخرط بهذا التيار؟
نشير في البداية أن الانتماء للتيار الجهادي يخضع لمقاييس ومواصفات محددة. ومن خلال حوار أجريته مع أحد المفرج عنهم من التيار الجهادي أكّد لي أن الانتداب لهذا التيار يمر حتما عبر مراحل إذ يتم في البداية انتقاء الذين لهم توجه سلفي من خلال ترددهم على المساجد و الدروس، ومن الذين يُظهرون استعدادا فكريا لقبول الفكر السلفي وذلك من خلال بعض الحوارات وبعض النقاشات التي تتم معهم فيتم توجيههم إلى دراسة بعض الكتب والمراجع. وفي الحلقة الأولى من التنظيم يتم تمكينهم من كتب سيد قطب و أقطاب التيار السلفى، ويتم كذلك مدّهم بخطب و أشرطة بن لادن و المقدسي و أبو قتادة وغيرهم. وعندما تظهر لديهم استعدادات جدية في التفاعل مع هذه الخطب و الأشرطة يتم إدخالهم لخلايا تنظيمية سرية ويطلب منهم أداء البيعة. ويتضمن نصّ البيعة قسَما على السمع و الطاعة للأمير في المنشط و المكره وقتال أعداء الله مثلما تمّ ضبطه في الكتاب والسنة حسب رأيهم . والمعلوم أنه عندما تكون منتظما في خلية للسلفية الجهادية المرتبطة بالقاعدة فإنه يصعب عليك أن تعرف الأمير الذي بايعته، فأنت تؤدى البيعة لأمير دون أن تتعرف على شخصه ووجهه، فربما يكون الأمير الذي بايعته شخصا تراه كل يوم أو كل أسبوع لكنك لا تستطيع أن تجزم أنه هو الشخص الذي بايعته. ويُطلب من المنخرط في الخلايا الجهادية أن يحفظ سورة" الأنفال" لما تتضمنه من آيات تحث على الجهاد والقتال ضد الكفار.
لماذا يعمد تيار القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي إلى وضع مقاييس صارمة لانتقاء أتباعه، ويكتفي بخلايا محدودة العدد؟
لا يفضل قياديو القاعدة تنظيما كثير العدد فذلك يتطلب مصاريف باهظة وعملا بيروقراطيا كبيرا، حسب بعض الذين استجوبتهم، إذ يؤكد هؤلاء أنه يتمّ الاكتفاء بنواتاة نشيطة وفاعلة تقوم بعمليات التفجير والقتل بشكل مبرمج وهذا يتطلب انتداب أشخاص قادرين على خوض حرب عصابات. كما أن كثرة العدد تكون مدخلا للعديد من الاختراقات التي يمكن أن تضر بالتنظيم، حسب رأيهم.
ما مدى تغلغل التيار "الجهادي" الذي تمثله القاعدة او جماعات أخرى ، داخل التيار السلفي في المغرب العربي، وهل تؤيد رأي بعض الخبراء الذين يرون بأن الجماعات الجزائرية تشكل النواة الصلبة للسلفية الجهادية في هذه المنطقة؟
يمكن القول أن التيار السلفي الجهادي المنضوي تحت تنظيم القاعدة أو تحت جماعات أخرى من بلدان المغرب العربي شهد مدّا منذ حرب الخليج وأحداث الحادي عشر من سبتمبر. ومنذ2001 انتظم الكثير من الشباب المغاربي خاصة في الجزائر وموريتانيا في التيار السلفي الجهادي، وساعده على ذلك انتشار أشرطة أسامة بن لادن وكتابات أبو قتادة وأبو محمد المقدسي و أبو مصعب السوري وبعض كتابات ناصر الدين الألباني.
ومن خلال حوارات أجريتها مع عناصر سابقين في تيار السلفية الجهادية بموريتانيا تأكد وجود عناصر قديمة من التيار السلفي الجهادي في موريتانيا كانت تعتبر بمثابة ملاذ لهؤلاء الشباب، حيث يتم تكوينهم و تأطيرهم وإرسالهم إلى الساحة الجزائرية وذلك منذ 2001 أي مع وصول وسيطرة جماعة " حسن حطاب" و "درودقال" على التنظيم الجهادي المسلح بالجزائر،علما وأن عبد الملك درودقال هو الذي يترأس حاليا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ويعرف باسم أبو مصعب عبد الودود الذي أعلن مؤخرا عن إعدام الرهينة الفرنسي جرمانو .
وما من شك أن الجماعات الجزائرية تشكل النواة الصلبة للسلفية الجهادية في منطقة المغرب العربي،( بما يقارب 90% من عناصر التنظيم) ولا غرابة في ذلك، إذ أنها، تاريخيا، كانت السباقة إلى العمل المسلح من خلال جماعة مصطفى بويعلي في بداية ثمانينات القرن الماضي(1982).
لماذا تتجه المواجهة الميدانية بين سلطات دول المنطقة والجماعات السلفية الجهادية إلى منطقة الصحراء الكبرى، هل ذلك فقط لاعتبارات إستراتيجية أمنية أم لأسباب اقتصادية تتعلق بتمويل تنظيم القاعدة، أم لأن هنالك امتدادات سلفية لهذه الجماعات في بلدان الساحل الإفريقي(نيجيريا، مالي...)؟
تتجه المواجهة الميدانية بين سلطات دول المنطقة و الجماعات السلفية الجهادية إلى منطقة الصحراء الكبرى لاعتبارات متعددة أمنية واقتصادية بالأساس. فبعض خلايا تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي المتواجدة في النيجر و مالي و التشاد لا يعول عليها في الجانب التنظيري أو الدعوي ، فهي كتائب مسلحة يقودها جزائريون مثل بلمختار (والمعروف بمختار الأعور) وأبو زايد تنتدب في صفوفها بعض المرتزقة الأفارقة، وقد نجحت في تنفيذ عدة عمليات اختطاف لسياح أجانب قامت بنقلهم إلى المناطق الصحراوية التي يسيطرون عليها لتساوم بهم بعد ذلك من أجل الحصول على مبالغ مالية متفاوتة الأهمية، وهكذا فإن أهمية منطقة مثلث الصحراء بالنسبة للجهاديين بالمغرب العربي تنبع من كونها منطقة شاسعة المساحة تصعب مراقبتها بدقة ولهذا السبب يتَحالف عناصر القاعدة مع زعامات قبلية بهذه المنطقة ومع محترفي التهريب خدمة لمصالحهم المشتركة. وتعتبر منطقة مثلث الصحراء الرابطة بين موريتانيا والجزائر ومالي مصدر تمويل هام لأنشطة القاعدة حسبما أكده لي بعض عناصر التيار الجهادي المفرج عنهم مؤخرا، ويتمثل في استخلاص إتاوات على تهريب السجائر والمخدرات التي تعبر طرقا بين مالي وموريتانيا والجزائر والمغرب حتى تمرّ السيارات التي تحمل هذه البضائع بسلام لأنها تقطع طرقا غير مراقبة وغير آمنة. وهناك عمليات عسكرية يقوم بها التنظيم الجهادي في أماكن متفرقة من المغرب العربي خاصة في الجزائر وموريتانيا يغنم منها قطعا من السلاح يتم بيع البعض منه إلى المقاتلين في الحركات المتمردة شمال التشاد والنيجر. وتدر هذه العمليات على تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي أموالا طائلة تقدر بملايين الدولارات. بالإضافة إلى عمليات الأسر والاختطاف التي يصحبها طلب الفدية، وهنا تشكل منطقة المثلث الصحراوي الملاذ الآمن الذي تتم فيه مختلف هذه العمليات بما فيها التفاوض من أجل إطلاق سراح الأسرى وتبييض الأموال وعقد بعض الصفقات.
إن الاعتبارات الأمنية والاقتصادية المشار إليها آنفا لا تمنعنا من الإشارة إلى أن هناك امتدادات سلفية في بلدان الساحل الإفريقي مثل نيجيريا ومالي، لكنها أقرب إلى السلفية العلمية منها إلى السلفية الجهادية، وذلك بحكم تأثير الحركات الصوفية في هذه المناطق منذ أمد بعيد.
كيف يتحدد مفهوم الجهاد لدي أنصار السلفية الجهادية ، وما سر إقبالهم على العمليات الانتحارية؟
يحمل مفهوم الجهاد دلالة معينة لدى أنصار هذا الاتجاه. فهو كما يقول الباحث عبد الحكيم أبو اللوز، لا يعبر عن عمل فردي بمعنى أنه غير مؤطر باديولوجية محددة. والفرق بين السلفيين التقليديين والسلفيين الجهاديين هو أن التيار الأول يعتبر الجهاد فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، أما التيار السلفي الجهادي فيعتبره فرض عين (أي إجباري على كل فرد مسلم) وبالتالي يرى أن العنف الذي يمارس باسم الإسلام عبادة فردية، وهو ما يجعلنا نفهم: لماذا يلتجأ المؤمن بالسلفية الجهادية إلى تفجير نفسه أمام حشد من الناس، يعتقد في داخله أنهم خارجون عن الملة. إنه يمارس- حسب رأيه – أرقى درجات العبادة وهي الاستشهاد معتقدا أنه سينتقل من جحيم الدنيا بظلمها وفقرها وقهرها إلى فردوس الجنة حيث النعيم الأبدي. لذلك فإن العنف السلفي – كما يقول بعض الباحثين - لا يسعى إلى تطبيق برنامج محدد ولا يرتجي نتيجة ملموسة، بل يختار أتباعُه الموت لما يحمله من معاني ورموز، لذلك فالتفاوض معهم يكون صعبا جدا ومعقدا.
ما هو تقييمك للسياسة التي تتبعها بعض الدول الأوروبية تجاه المسألة السلفية؟
ليس هناك سياسة أوروبية موحدة تجاه المسألة السلفية، فرغم أن هناك اتفاقا حول مبدأ الحرب على الإرهاب إلا أن الوسائل تختلف من بلد إلى آخر، ففرنسا مثلا تنتهج أسلوب الإجراءات الاستباقية لدرء ما تراه خطر الإرهاب كالتهجير القسري لبعض الأشخاص الذين تعتبرهم خطرا على أمنها الداخلي وتنظيم حملات إعلامية حول الهوية والاندماج لدى صنف من المهاجرين الذين يهددون في رأيها القيم اللائيكية للجمهورية الفرنسية من خلال ارتداء بعض أنواع اللباس.
وهناك انكلترا وألمانيا وإسبانيا مثلا الذين يتعاملون مع المسألة السلفية حالة بحالة cas par cas إذ لا يتدخلون في السلوك الفردي للأشخاص ويقتصر تدخلهم على الممارسات التي تمثل انتهاكا واضحا للقانون.
إن هذا التباين في التعامل بين الدول الأوروبية تجاه المسألة السلفية هو نتاج اختلاف في المقاربات Approches من ذلك مثلا موقف ليزا ماننغهام المديرة السابقة للأمن الداخلي في بريطانيا التي صرحت مؤخرا (جويلية 2010) أن الحرب على العراق وأفغانستان زادت في خطر الإرهاب ودعمت التيارات الجهادية، في حين نجد في إيطاليا وسويسرا صعودا فجئيا لظاهرة الإسلاموفوبيا، وقد تمكن مؤخرا اليمين في سويسرا مثلا من كسب استفتاء شعبي (رغم أنف الحكومة) يقر بمنع بناء المآذن درءا لما يسميه بخطر أسلمة islamisation المجتمع السويسري. ولا شك أننا نجد أيضا وراء هذا التباين في المواقف الأوروبية تجاه المسألة السلفية خلفيات اقتصادية وإستراتيجية أمنية.
إلى أي حد يمكن للنماذج الديمقراطية السائدة ببلدان المغرب العربي أن تحصّن المجتمع العربي من الخطر السلفي؟
النماذج الديمقراطية السائدة بالبلدان المغاربية ما زالت حديثة وهشة ولذلك تلجأ الأنظمة غالبا إلى المقاربة الأمنية في مواجهة التيارات السلفية المتشددة ولا تكاد السجون المغاربية تخلو من معتقلين ينتمون للسلفية الجهادية، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة.
وأعتقد أن المقاربة الأمنية – وإن كانت ضرورية لحفظ الاستقرار- فإنها لا تكفي للتصدي لخطر التيارات السلفية المتشددة. وبقدر ما تنتهج أنظمة الحكم المغاربية تنمية اقتصادية متوازنة وعادلة ترفع من نسبة النمو وتقلص من البطالة وجيوب الفقر وتقضي نهائيا على الأمية (التيارات المتطرفة تنتعش غالبا في بيئة يسيطر عليها الفقر والأمية وقد ذكرت نشرة أممية حديثة أن عدد الأميين بالمغرب العربي يفوق عشرة ملايين فرد)، وبقدر ما تُحيّن تشريعاتها في اتجاه دعم تحرّر المرأة والمراهنة بجدية وبشكل فاعل على الشباب، باعتباره يشكل أكثر من نصف المجتمع ، وبقدر ما تُطور من رصيدها الديمقراطي ومؤسساتها التمثيلية، وبقدر ما تنمى من فضاء الإعلام الحر وترسخ قيم الحداثة والتسامح والتنوير والعقلانية في أنظمتها التربوية، وبقدر ما تكون سياساتها الخارجية تستند إلى الشرعية الدولية ولا تتعارض مع مصالح شعوبها القومية، فإنها تمتص جزءا كبيرا من النقمة التي يحملها المتشددون. ولا يجب أن نخشى من فتح حوارات وطنية حول المسألة السلفية تُدعى لها كل الأطراف دون استثناء لأن تفكيك الألغام أفضل من تجاهلها.
الدكتور أعلية علاني
أستاذ في التاريخ المعاصر بجامعة منوبة(تونس)
أجرى الحديث الأستاذ منصف السليمي
نشر هذا الحديث باللغة العربية في الموقع الألماني قنطرة qantara يوم 1 سبتمبر 2010 على الرابط التالي:
http//:ar.qantara.de/webcom/show_article.php/ c-471/ nr-1002/i.htm
كما نشر أيضا يوم 8 سبتمبر 2010 في موقع إذاعة دويتشه فيله في برلين
وسينشر الأسبوع القادم باللغة الألمانية وبعدها بالانجليزية ثم بالتركية والماليزية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.