«العزوزة هازها الواد وهي تقول العام صابة»، هذا هو الاستنتاج الأهم الذي يمكن الخروج به من الندوة الصحفية التي نظمتها حركة «النهضة» أول أمس. وخلافا لما سبق الاعلان عنه، غاب الشيخ راشد الغنوشي رئيس الحركة، كما غاب عنها نائبه الشيخ عبد الفتاح مورو وأمين عام الحركة حمادي الجبالي في حين حضرها ونشطها بالخصوص رئيسا مجلس الشورى والمكتب السياسي وكذلك «الفتى المدلل» للحركة رفيق عبد السلام. خلاصة هذه الندوة الصحفية أن حركة «النهضة» لن تسلم البلاد للمجهول في حين أن البلاد سائرة منذ مدة نحو المجهول، وأن حركة «النهضة» لن تسمح لأحد بإغراق السفينة، في حين أن هذه السفينة بمن تحمل ومع كل يوم يمرّ تغرق أكثر. تسير حركة «النهضة» خارج سياق الأحداث، وتتجه أوضاعها الداخلية نحو مزيد من التأزم، والخشية كل الخشية أن تدفع البلاد برمتها ثمن تفجر الأزمة الداخلية لحركة «النهضة» مثلما دفعت البلاد في السابق ثمن الأزمات السياسية الداخلية التي عاشها الحزب الاشتراكي الدستوري ثم التجمع الدستوري الديمقراطي. وقد يكون المطلوب هنا أن تجد حركة «النهضة» حلولا لأزمتها الداخلية دون أن يدفع الجميع كلفتها ويتحمّل تداعياتها، فهذه مسؤوليتها التاريخية أمام الله وأمام الوطن وأمام الشعب. بات من الواضح أن أزمة «النهضة» لم تعد أزمة حكم فقط سواء في علاقتها بشريكيها في الحكم أو في علاقتها بالمعارضة وبطيف المجتمع المدني، فأزمة الحكم القائمة منذ مدة تتعمق بتعمق أزمة «النهضة» الداخلية وهي الطرف الرئيسي والمؤثر في الحكم بلا منازع، في حين يثبت حزبا «المؤتمر من أجل الجمهورية» و «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات» أن لا هامش لهما في ادارة شؤون الحكم ولا هامش لهما في الفعل السياسي سواء داخل السلطة أو في علاقة السلطة بالآخر، أحزابا ومجتمعا مدنيا. ومرة أخرى يخذل حزبا «المؤتمر» و «التكتل» ما تبقى من أنصارهما ومن قواعدهما أكثر من خذلهما الشارع التونسي، فهذا الشارع ألفهما بما فيه الكفاية وفقد كل أمل في قدرة هذين الحزبين الشريكين في الحكم على تصحيح حتى القليل ممّا يتعين تصحيحه. صمت حمادي الجبالي أمين عام حركة «النهضة» منذ مدة، ونطق الشيخ عبد الفتاح مورو نائب رئيس الحركة وتوأم روحه بما لا يعجب شقا من قيادة ومن قواعد الحركة. استباق الشيخ عبد الفتاح مورو للأحداث يتأكد، فقد يكون هذا الأخير تحسّس في لحظة ما أن الأمر قد يذهب بشق في قيادة الحركة الى حد الدعوة الى «تحرير المبادرة» وهي حالة عاشها الشيخ مورو سنة 1991 وتبرأ منها لاحقا ويبدو أنه اليوم غير مستعد لتكرار هذه التجربة الأليمة في ظروف غير ظروف سنة 1991 وفي وضع محلي واقليمي هو غير وضع سنة 1991 وخاصة في موقع حركة «النهضة» في غير الموقع الذي كانت عليه سنة 1991. يمنح البعض الضوء الأخضر الى أنصار حركة «النهضة» بافتتاح حملة معادية للاتحاد العام التونسي للشغل ولقيادته وصلت في يومها الأول الى حد الدعوة الى القتل والسحل في حين كان من المفروض على هؤلاء أن يتوجهوا بالتحية الى المركزية النقابية لدورها في تحجيم مطالب المعارضة عموما وجبهة الانقاذ خصوصا الى حدها الادنى ولوضع كل ثقلها كأكبر قوة اجتماعية في البلاد من أجل تسوية «مشرفة» لكل الأطراف لهذه الأزمة السياسية المتفجرة منذ 6 فيفري 2013 تاريخ اغتيال الشهيد شكري بلعيد. وبالمناسبة، يتجاوز ويتجاهل السيد رئيس المجلس الوطني التأسيسي تاريخ هذه الجريمة النكراء وتداعياتها وطاولات الحوار الوطني ومبادرات الحوار الوطني غير المجدية التي سبقت وتلت تاريخ 6 فيفري 2013 ليعود بنا بكل بساطة الى تاريخ 25 جويلية الماضي يوم اغتيال الشهيد محمد البراهمي ويسوق سياسيا لقراره «التاريخي» بتعليق أشغال المجلس الوطني التأسيسي الى حين التوصل الى توافق ما فينتهي به الأمر الى الدعوة الى استئناف اشغال المجلس والأوضاع تراوح مكانها، وفي النهاية ما كان على السيد مصطفى بن جعفر اتخاذ قراره بتعليق أشغال المجلس وهو على هذه الدرجة من الضعف والوهن السياسي الذي يحول دون أن يكون لفعله السياسي أي أثر ونتيجة، اللهم اذا كان الهدف من قراره الأول هو امتصاص الغضب الشعبي لا غير مثلما توفقت «الترويكا» بامتياز في امتصاص غضب الشارع اثر اغتيال الشهيد شكري بلعيد، ولكن «ما كل مرة تسلم الجرّة». وبالعودة الى الحملة الممنهجة التي تطال قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل رغم كل المرونة التي بذلتها وكل التنازلات التي قدمتها في التعاطي مع مبادرتها ورغم الجهد والوقت المهدورين على حساب الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية لمنظوريها ورغم تقاعسها في الدفاع عن نقابييها ضد موجة الطرد التعسفي التي يتعرضون اليها على خلفية نشاطهم النقابي في القطاع العام بالأساس، فإن هذه الحملة الصبيانية تعكس من جملة ما تعكس حالة التخبط التي تعاني منها حركة «النهضة» وفشلها السياسي في مواجهة قوة المنطق بقوة المنطق. تحرك حركة «النهضة» آلتها الاعلامية للتهجم على اتحاد الشغل وتطلق العنان لبعض وجوهها من السياسيين الهواة لتجييش أنصارها وجمهورها الساذج وبسيط الذهن والمنتمي في جلّه الى قطاع الأعمال الحرة للتهجم على الاتحاد منظمة وقيادته ناكرين له جهلا أو تجاهلا منهم دوره الوطني الاجتماعي ماضيا وحاضرا ومستقبلا، فهؤلاء ومن ورائهم لم يستخلصوا العبرة من دروس الماضي البعيد والقريب، فرغم كل الانتقادات التي يمكن توجيهها لقيادة الاتحاد من هذا الطرف أو ذاك، فإنه يبقى خطا أحمر وبناره اكتوى الزعيم بورقيبة واكتوى الرئيس الأسبق بن علي، وسيكتوي حتما غيرهما. وحالة التخبط التي تعيشها حركة «النهضة» يعكسها كذلك استهداف اتحاد الشغل دون غيره من شركائه في المبادرة الرباعية، ويظهر أن حركة «النهضة» عاجزة عن استهداف اتحاد الصناعة والتجارة أو مواجهته، فمنظمة الأعراف أدرى من غيرها بالأسباب الحقيقية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد ومسؤولية الحكومة فيها، وعاجزة عن استهداف عمادة المحامين بعد خيبتها المدوية في انتخابات العمادة وعاجزة عن مواجهة الرابطة التونسية لحقوق الانسان، فالمسافة الفاصلة بين مبادئ الرابطة والقيم التي تحملها وبين مرجعيات حركة «النهضة»، بعيدة وبعيدة جدا.