التونسية (تونس) لم يعد خافيا على أحد اليوم أنه بالإضافة إلى الضغوط الداخلية التي ما فتأت تتعرض لها الحكومة من أجل الاستقالة وتطبيق خارطة طريق الرباعي الراعي للحوار، هناك أيضا ضغوطات خارجية على الحكومة. ولئن لم تذهب الأطراف الخارجية الممثلة بالخصوص في بعض القوى التقليدية الشريكة لتونس، أو في بعض الهيئات المالية العالمية إلى حد مطالبة الحكومة جهرا وعلانية بالاستقالة، فإن هذه الأطراف ترى أن ما تبقّى من المرحلة الانتقالية التي تعيشها بلادنا يتطلب قدرا من الوفاق بين مختلف القوى السياسية والإسراع بضبط أجندة محددة للاستحقاقات القادمة. وترى بعض الجهات المراقبة لما يجري في تونس أنه كان وسيكون لعامل الضغوطات الخارجية دور كبير سواء في ما عرفته الساحة السياسية من تطورات حتى الآن، أو في ما ستعرفه في الفترة القادمة. ويبدو وفق أكثر من جهة أن المصاعب الاقتصادية التي تمر بها البلاد هي التي ستؤثر أكثر من غيرها في المواقف التي ستتخذها الحكومة في الفترة المقبلة في علاقة بالأزمة السياسية الراهنة للبلاد. فقد أصبح شبه مؤكد أن صندوق النقد الدولي والبنك العالمي في طريقهما ل«تعليق» برامج تعاونهما مع تونس إلى حين استجابة الحكومة لبعض الشروط. حيث تمسكت هاتان المؤسستان في اجتماعهما الدوري الأخير المنعقد قبل أسبوعين بواشنطن بعدم تسريح أقساط القروض التي تم الاتفاق عليها سابقا مع تونس إلى حين قيام الحكومة بإصلاحات مالية واقتصادية وسياسية. وهو الموقف الذي أدى بوزير المالية الياس فخفاخ الذي حضر جانبا من هذا الاجتماع إلى الإقرار بأن مصاعب الاقتصاد التونسي ستتزايد في حالة تمسك هاتين المؤسستين الماليتين العالميتين بموقفهما. علما أن صندوق النقد الدولي كان قد قرر في جوان 2013 منح تونس قرضا ائتمانيا ب1.7 مليار دولار أمريكي لسنتي 2014 و2015، سحبت منه تونس في نفس الشهر مبلغ 150 مليون دولار، ليمتنع الصندوق بعد ذلك عن تسريح أي مبلغ آخر. في حين كان البنك العالمي قد قرر سنة 2011 إقراض تونس مبلغا جمليا ب1.5 مليار دولار على ثلاث سنوات صرف منها لتونس 500 مليون دولار بعنوان سنة 2011 و500 مليون دولار بعنوان سنة 2012، ممتنعا عن صرف ال500 مليون دولار المتبقية بعنوان سنة 2013. وتأتي على رأس الشروط التي يتمسك بها كل من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وجوب معالجة السلطات التونسية لظاهرة تفاقم العجز المتأتي من دعم بعض المواد الأساسية والطاقة، وإصلاح النظام البنكي التونسي، وإصلاح المنظومة الجبائية، وإصدار مجلة جديدة للاستثمار، فضلا عن الشروط ذات الطابع السياسي المرتبطة أساسا باستكمال عملية الانتقال الديمقراطي، وعلى رأسها المصادقة على دستور جديد للبلاد، وعلى قانون انتخابي وتكوين هيئة مستقلة للانتخابات وكذلك ضبط مواعيد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. أما البنك الإفريقي للتنمية فقد قرر بدوره إلغاء قرض لتونس ب250 مليون دينار بسبب ما وصفه ب«المخاطر الكبيرة من عملية إقراض تونس». كذلك لم تحصل تونس حتى الآن على إجابة من الاتحاد الأوروبي حول طلب تقدمت به للحصول على قرض ب500 مليون دينار، كما أنها لم تحصل أيضا على إجابة من الولاياتالمتحدةالأمريكية بشأن ضمان قرض جديد لتونس على السوق المالية العالمية بقيمة مليار دولار. هذه الأرقام تبيّن حجم حاجة تونس للقروض في غياب تحقيق نسب نمو عالية. كما أنها تعكس مدى الصعوبات التي تتخبط فيها البلاد اقتصاديا . ويبدو جليا أن هذا الوضع أصبح يؤرق الحكومة التونسية كثيرا وهو من العوامل الحاسمة التي قد تحكم مواقفها في المستقبل. ولكن كل هذا لا يعني أن مشاكل تونس ستنتهي بمجرد تجاوز الأزمة السياسية الراهنة. لأن التوافق على تجاوز هذه الأزمة لن يكون سوى مجرد خطوة أولى لمعالجة وضع بلادنا العليل .. أما إذا لم تؤثر هذه الأرقام المفزعة على المواقف السياسية من هذا الجانب أو من ذاك ، فهذا يعني أننا إلى الضياع سائرون، وأن هناك من لا يهتم كثيرا لذلك...