ايقاف 22 محتجا خلال تظاهرة داعمة للفلسطينيين في متحف بنيويورك    مدير عام منظمة الصحة العالمية.. الجائحة التالية ليست سوى مسألة وقت    أخبار المال والأعمال    دليل مرافقة لفائدة باعثي الشركات الأهلية    انقسامات داخلية حادة تهز الاحتلال حول خطة بايدن لإنهاء الحرب    منوبة .. تهريب أفارقة في حشايا قديمة على متن شاحنة    برنامج الغذاء من أجل التقدم 110 مليون دينار لدعم إنتاج التمور في تونس    إطلاق منصّة جبائية    لوقف الحرب في غزّة .. هذه تفاصيل المقترح الأمريكي    رابطة الأبطال: الريال بطل للمرّة ال15 في تاريخه    علوش العيد .. أسواق الشمال الغربي «رحمة» للتونسيين    رادس: محام يعتدي بالعنف الشديد على رئيس مركز    عادل خضر نائب لأمين اتحاد الأدباء العرب    بن عروس.. نتائج عمليّة القرعة الخاصّة بتركيبة المجلس الجهوي و المجالس المحلية    أمطار الليلة بهذه المناطق..    الفيضانات تجتاح جنوب ألمانيا    إختيار بلدية صفاقس كأنظف بلدية على مستوى جهوي    الرابطة 2.. نتائج مباريات الدفعة الثانية من الجولة 24    كرة اليد: الترجي يحرز كأس تونس للمرة 30 ويتوج بالثنائي    بنزرت: وفاة أب غرقا ونجاة إبنيه في شاطئ سيدي سالم    شاطئ سيدي سالم ببنزرت: وفاة أب غرقا عند محاولته إنقاذ طفليه    تحذير طبي: الوشم يعزز فرص الإصابة ب''سرطان خطير''    إستقرار نسبة الفائدة عند 7.97% للشهر الثاني على التوالي    محرزية الطويل تكشف أسباب إعتزالها الفنّ    الحمادي: هيئة المحامين ترفض التحاق القضاة المعفيين رغم حصولها على مبالغ مالية منهم    عاجل/ الهلال الأحمر يكشف حجم المساعدات المالية لغزة وتفاصيل صرفها    بداية من اليوم: اعتماد تسعيرة موحّدة لبيع لحوم الضأن المحلية    بلاغ مروري بمناسبة دربي العاصمة    عاجل/ إتلاف تبرعات غزة: الهلال الأحمر يرد ويكشف معطيات خطيرة    إمكانية نفاذ منخرطي الكنام إلى فضاء المضمون الاجتماعي عبر منصة 'E-CNAM'    وزارة التربية: نشر أعداد ورموز المراقبة المستمرة الخاصة بالمترشحين لامتحان بكالوريا 2024    الهلال الأحمر : '' كل ما تم تدواله هي محاولة لتشويه صورة المنظمة ''    كرة اليد: اليوم نهائي كأس تونس أكابر وكبريات.    غدا : التونسيون في إنتظار دربي العاصمة فلمن سيكون التتويج ؟    تجربة أول لقاح للسرطان في العالم    بعد إغتيال 37 مترشحا : غدا المكسيك تجري الإنتخابات الاكثر دموية في العالم    وزيرة الإقتصاد و مدير المنطقة المغاربية للمغرب العربي في إجتماع لتنفيذ بعض المشاريع    حريق ضخم جنوب الجزائر    أنس جابر معربة عن حزنها: الحرب في غزة غير عادلة.. والعالم صامت    وزير الصحة : ضرورة دعم العمل المشترك لمكافحة آفة التدخين    اتحاد الفلاحة: هذه اسعار الأضاحي.. وما يتم تداوله مبالغ فيه    قتلى في موجة حر شديدة تضرب الهند    عاجل/ بنزرت: هذا ما تقرّر في حق قاتل والده    لأول مرة بالمهدية...دورة مغاربية ثقافية سياحية رياضية    من الواقع .. حكاية زوجة عذراء !    غمزة فنية ..الفنان التونسي مغلوب على أمره !    ماذا في مذكرة التفاهم بين الجمهورية التونسية والمجمع السعودي 'أكوا باور'؟    رئيس الحكومة يستقبل المدير العام للمجمع السعودي 'أكوا باور'    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    البرلمان : جلسة إستماع حول مقترح قانون الفنان و المهن الفنية    مستشفى الحبيب ثامر: لجنة مكافحة التدخين تنجح في مساعدة 70% من الوافدين عليها على الإقلاع عن التدخين    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    الرابطة المحترفة الأولى: مرحلة تفادي النزول – الجولة 13: مباراة مصيرية لنجم المتلوي ومستقبل سليمان    الإعلان عن تنظيم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    عندك فكرة ...علاش سمي ''عيد الأضحى'' بهذا الاسم ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور محمد زين العابدين ل «التونسية»: تونس أكبر من حكّامها والثقافة أكبر من وزير الثقافة ...
نشر في التونسية يوم 26 - 11 - 2013


لا أدين وزارة الثقافة وأشهد بأنها مؤسسة نظيفة ...
من المؤسف أن تتماثل الوزارة مع شخص الوزير الذي يحكم ويتحكم...
التونسية (تونس)
حين كان في الثالثة والثلاثين من عمره (سنة 1998) كان حائزا للتو على شهادة الدكتوراه الثانية في رصيده في علم الاجتماع الثقافي والسياسي وكان يمكن أن يعيّن في منصب سياسي ولكنه رضي بأن يكون المدير المؤسس للمعهد العالي للموسيقى بسوسة الذي شق ّطريقه بتألق لافت سنوات إدارته له. هو أول من فتح الباب لشهادتي الماجستير والدكتوراه في علوم الموسيقى في المعاهد العليا للموسيقى بتونس. أدار المعهد العالي للموسيقى بتونس إلى غاية تعيينه مديرا عاما لوحدة التصرف حسب الأهداف لمدينة الثقافة إلى تاريخ استقالته مطلع شهر ماي 2011 بعد أن لمس تجاهل وزير الثقافة آنذاك عز الدين باش شاوش لمقترحاته ومحاولته تهميش مشروع مدينة الثقافة والسعي إلى تعطيله. هو خبير في الألكسو يتعاون مع اليونسكو وكبرى الجامعات في أوروبا ، رئيس مخبر البحوث في الثقافة والتكنولوجيا والتنمية ورئيس جمعية منتدى تونس الدولي للحق في الثقافة الرشيدة و الحوكمة الرشيدة (قيد التأسيس) التي أعلن عن ميلادها في ختام ندوة تونس الدولية لسياسات التنمية الثقافية المنعقدة مؤخرا ...ضيفنا الدكتور محمد زين العابدين ....
ما هي أهم الاستنتاجات المستخلصة من ندوة تونس الدولية العاشرة لسياسات التنمية الثقافية(15-16نوفمبر 2013)؟
أنا راض إلى حدّ كبير على ما حققته الندوة خلال انتظامها المختصر لمقتضيات مادية - لاعتبار أساسي وهو أننا تمكنا من لمّ شمل عدد هام من الفاعلين الثقافيين والمبدعين وصنّاع الفرجة والمادة الاتصالية على طاولة واحدة، الشيء الثاني أننا تناولنا قضية كبرى هي الحق في الثقافة الذي لم تأخذ حظها في تونس وقد يكون ذلك راجعا إلى استقالة وزارة الثقافة رغم توفر الإمكانيات التي تتيح لها القيام بالكثير من أجل تأكيد هذا المبدأ وتكريسه على أرض الواقع فضلا عن وجود عوائق تشريعية وإدارية تجعلنا في كل مرة نذكّر وزارة الثقافة والسلطة السياسية بأن الثقافة حق لكل مواطن تونسي ، معطى ثالث يبعث على الارتياح أننا تناولنا قضية الحوكمة والتصرف في المال العام في المجال الثقافي وقد أفرزت الندوة الإعلان عن بعث جمعية منتدى تونس الدولي للحق في الثقافة والحوكمة الرشيدة.
وهل تعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لطرح موضوع الحق في الثقافة؟ هذا الموضوع ليس أولوية فهناك الحق في الصحة ومجانية التعليم ...هناك حقوق مادية هي أولوية التونسيين؟
من قال لك ذلك؟ هل تعتقد أن التونسي كائن مادي بلا روح؟ كيفاش موش وقتو مع عودة التعصب بأشكاله المتعددة الإيديولوجية والفكرية والدينية ؟ الفراغ الفكري والوجداني الذي نلاحظه خاصة في الجهات فراغ مخيف لا بد من تجاوزه في أقرب الأوقات، نحن نشعر بوجود فراغ حقيقي في مستوى التنشئة التربوية والثقافية، إنه فراغ كبير جدا و لا أتفق معك في أن الحق في الثقافة في مرتبة متأخرة عن الحق في الصحة والتشغيل والتعليم لأنه بهذا الحق تكتمل شخصية التونسي. كما أن توفر وسائل الإنتاج يجعل من قطاع الثقافة قطاعا تشغيليا فيساهم في حلّ مشكلة أساسية هي البطالة، لا تنس أن فئات واسعة من المجتمع تعمل في مجالات الفن والإبداع والكتابة والصحافة الثقافية ولكنها لم تجد حظها لأسباب عديدة منها أن الأمور غير واضحة تشريعيا والدولة مكتفية بالحد الأدنى. هناك ضبابية وعدم وضوح وهو ما يحتم إعادة نظر في موضوع الحق في الثقافة لأسباب تنموية فالتنمية لا يمكن أن تكون مادية فقط هذا إن كان لدينا مشروع حقيقي لتنمية الإنسان.
ما تعليقك على مكانة الحق في الثقافة في الدستور الجديد؟
الثقافة مغيبة في الميزانية العامة للسنة القادمة ومهمشة في مشروع الدستور الجديد ، وهنا نفرق بين الحق في الثقافة المندرج ضمن ديمقراطية الثقافة وضرورة دمقرطتها وبين الحقوق الثقافية التي تندرج ضمنها حقوق الملكية الفكرية والأدبية التي لم تلق هي أيضا ما تستحق من اهتمام .
اعتقادي أن هذه الثورة إن صح أنها ثورة فعلا إن لم يسندها دفع حضاري وفكري ورمزي وأخلاقي فنحن نغيّب بشكل تام فكرة الانتقال الديمقراطي لأن الديمقراطية ثقافة وحضارة.
في مرحلة سابقة كنت قريبا من دوائر القرار الثقافي(تقلدت خطة مدير عام وحدة التصرف حسب الأهداف لمدينة الثقافة) فهل ترى أن طريقة إدارة الشأن الثقافي تغيرت في بلادنا بعد 14جانفي؟
ربما تغيرت الوجوه ولكن الآليات هي نفسها والنتائج ذاتها، لم يتغير الشيء الكثير، أنا كنت في وزارة الثقافة ولكن هل كنت فعلا قريبا من دوائر القرار فيها؟ أخشى أن أخيب ظنك إذ أقول لك بأن البطانات كانت أقرب مني لوزير الثقافة رغم أني كنت مستشارا في ديوانه على الرغم من العلاقة الودية التي كانت تجمعني بالأستاذ عبد الرؤوف الباسطي والسيد بوبكر بن فرج رئيس الديوان آنذاك، هل تعلم أن ميزانية وحدة التصرف حسب الأهداف لمدينة الثقافة والتي لم أكن أنا الآمر بالصرف لها(كانت مندوبيات الثقافة هي التي تأذن بالصرف) لم تكن تتعدى 80 ألف دينار سنة 2009 لمشروع بتسعين مليارا؟ لم ترصد وزارة الثقافة في البداية أية ميزانية لوحدة التصرف ولكني طالبت برصد الحد الأدنى من الإعتمادات لتنظيم ورشات وتربصات لتقنيي الصوت والإضاءة والفيديو وإعداد مشروع أصوات أوبرا تونس وإرساء علاقات دولية مع مؤسسات نظيرة لمدينة الثقافة في محيطنا الإقليمي والدولي وعمل اللجان القطاعية في الفنون التشكيلية والموسيقى ...لو كان لي نفوذ حقيقي أو تأثير على القرار ما كانت ميزانية وحدة التصرف بهذا الحجم الهزيل، وفي السنة الموالية نجحنا في الدفع نحو ترفيع الميزانية السنوية لوحدة التصرف لتبلغ 200 ألف دينار لنتمكن من تقديم أول عرض لأصوات أوبرا تونس في افتتاح الأكتوبر الموسيقي ونظمنا تظاهرة كبرى فريدة من نوعها في الحمامات هي «50 ساعة موسيقى» تضمنت ثلاثين عرضا موسيقيا وفنيا كما نظمنا ندوة «تونس عاصمة الثقافة الأورومتوسطية في إطار شراكة ممكنة بين مدينة الثقافة والمؤسسات الثقافية المتوسطية هذا وغيره انجزناه بميزانية 200 ألف دينار لأنه لم يكن ممكنا في نظرنا الانتظار حتى استكمال أشغال البناء للتفكير وقتها كيف ندير البناية، كنا نعمل بالتوازي مع تقدم الأشغال في تكوين الإطار البشري القادر على إدارة المدينة بشكل عصري ...
يعني أن الميزانية السنوية المرصودة لمدينة الثقافة لم تتجاوز كلفة عرض غنائي في مهرجان قرطاج؟
بل أقل من ذلك، أنظر إلى «كاشيات» عروض مهرجان قرطاج الصائفة الماضية وقارن بمفردك، كنا نعدّ جيلا من التقنيين والفنانين الحائزين على شهائد جامعية ليكونوا هم حملة مشروع مدينة الثقافة عند انطلاقها في المكتبة السينمائية الوطنية ومتحف الفنون المعاصرة ومسرح الجهات ودار الأوبرا... وللتاريخ فإنّ مئات المتعاملين معنا كانوا يفعلون ذلك تطوعا أو بمكافآت رمزية ولكن كان هناك إيمان بأهمية مدينة الثقافة كمشروع وطني كبير.
هل سقط كل شيء في الماء؟
لا أقول هذا، ولست ممّن يختزلون الكلّ في الفرد على الرغم من أن الواقع قد يفرض ذلك في كثير من الأحيان فتونس أكبر من حكامها والثقافة أكبر من وزير الثقافة بالضرورة ومشروع مدينة الثقافة الذي آمنا به أنا وغيري ليكون مفخرة دولة الاستقلال الثقافية لا يمكن أن يشوهه مزاج متقلب لوزير عابر لأن الشباب الذين قمنا بتأطيرهم وتكوينهم بالتعاون مع الجامعة التونسية وفي سياقات أخرى في تونس والكاف وقفصة وقابس وسوسة وجدوا حظهم في عدد من العروض والفضاءات والتظاهرات والمؤسسات الاتصالية. لكن ما نلاحظه أن كل تلك الاجتماعات التي عقدناها بالعشرات في لجان قطاعية متخصصة لإعادة النظر في الأوركسترا السنفوني الوطني وفي مركز الفنون الكوريغرافية(البالي الوطني) والمكتبة السينمائية ... لم يؤخذ بتوصيات تلك اللجان والجلسات مع أهل الاختصاص رغم عملها الجدي وكأنه كتب على المثقف التونسي ان يتجاهل عمله وجهده لاعتبارات فئوية او علائقية تدور في فلك البطانات المستفيدة من قربها من دائرة القرار.
هل ندمت على تقديم استقالتك من الإدارة العامة لمدينة الثقافة؟
ما ندمت عليه هو الطريقة التي استحوذ بها البعض بعد 14جانفي على السلطة الثقافية المعنوية والمادية بإتقانهم خدمة السيد الجديد ولو تطلب ذلك شيئا من الانبطاح ليكونوا الفاتقين الناطقين وهم ابعد ما يكون عن الكفاءة
هل تستحضر إسما معينا وأنت تتحدث أو أنك تقصد نقد عقلية سائدة؟
هي ثقافة سائدة تتجسد في شخص وأكثر ممن عرفوا من أين تؤكل الكتف سابقا ولاحقا، فهم محافظون عند اللزوم وتقدميون تحت الطلب ، أنا شخصيا لا أدين وزارة الثقافة كمؤسسة فلقد عملت فيها وأشهد بأنها مؤسسة نظيفة ولكن هناك فئة من المتعاونين مع الوزارة من خارجها تمكنت من النفاذ إلى دواليبها لتتحكم فيها فأصبحت هي سلطة موازية صلب الوزارة نفسها، المشكل أيضا أن الوزير كشخص هو الذي يتحكم في كل شيء وكل شيء يدار بقراراته سواء كان عن حسن نية أو عن سابق إضمار فيقصى هذا ويبعد ذاك فيما يتمتع آخرون بالعطايا والمزايا ، أيعقل أن يتغير الوزراء ويظل شخص ما متمتعا بالامتيازات نفسها والصلاحيات ذاتها قبل 14 وبعده؟
وللتاريخ الذي ربما يريد البعض مسحه من الذاكرة أنا قررت الانقطاع عن تجربتي الفنية سنة 2001 وكنت وقتها في وضع يسمح لي بالمضي قدما ولكني قلت لا، إذ لا يمكن لي أن أحج وأتجر فوضعي في الإدارة(مدير المعهد العالي للموسيقى بسوسة) قدّرت أنه قد يتناقض مع وضعيتي في الساحة الفنية فاتخذت قراري بالتوقف، كان أخر عرض لي مع «باربرا أندريكس» في مهرجان الجاز الدولي بطبرقة وقبله افتتحت مهرجان الجاز في تونس، في تلك السنة ذاتها تم إختياري من طرف جريدة «لوكوتيديان» كأفضل موسيقي في العام، كما اصطفيت كأفضل شخصية متوسطية وتحصلت على جائزة الرئيس الإيطالي للثقافة وصنفت من بين أفضل عازفي العود في العالم في إسطوانة أصدرتها شركة «فرجين ميقا ستور»... تركت كل هذا خلف ظهري واخترت أن أساهم في خدمة بلادي وتقديم مقترحات تساعد جيلا من الموسيقيين والباحثين في علوم الموسيقى .
لم تكن لي مفاتيح التواصل مع المهرجانات فكانت جل أعمالي تقدم خارج تونس، في سنة 1997 قدمت عملا إبداعيا ب12 موسيقيا في مهرجان قرطاج الدولي (من بينهم ظافر يوسف) من تسع جنسيات، هل تعرف كم تكلف هذا العمل الذي كان جديدا من حيث النص والكتابة الموسيقية؟ عشرة آلاف دينار تلك كانت تكلفة العرض الذي قدمناه طيلة ساعتين ونصف بموسيقيين جاء بعضهم من أمريكا، أما عرض مقامات البحر الأبيض المتوسط فقدمناه في مهرجان الحمامات و شارك فيه موسيقيون من سبع جنسيات ولم تتجاوز كلفته الأربعة آلاف دينار، «شوف يا محمد» قناعتي كانت ومازالت أن القطاع العام لا يتحمل المبالغة والشطط في تحميل العبء للدولة والمجموعة الوطنية ، الأهم كان ان نقدم شيئا لتونس ، اعتقادي أن الاستفادة من وزارة الثقافة والمبالغات في ميزانيات العروض التي تجاوزت مئات الآلاف من الدينارات وزعت على الأقارب والمقربين خيانة وسقطة أخلاقية لا تغتفر ...
في سنة 1994 قدمت عرضا جديدا في مهرجان المدينة في أشعار لعلي اللواتي الذي أظنه تناسى أن محمد زين العابدين هو من قدم أربع قصائد من ديوان «أخبار البئر المعطلة» ويبدو فعلا أن أخبار بئرنا معطلة فالسيد اللواتي هو من إختار عنوان العرض آنذاك فكان «سراب أندلسي» وقدمنا العرض في إفتتاح مهرجان المدينة وفي المسرح البلدي ب14عازفا ...هل تعلم أن تكلفة العرضين لم تتجاوز 12 ألف دينار نظير الكتابة الشعرية والموسيقية وتقديم العمل في مناسبتين؟ أتذكر جيدا الحرج الذي شعرت به وأنا أسدد مكافأة الشاعر علي اللواتي نفسه والموسيقيين الذين جاؤوا من ستة بلدان ... كانت مبالغ زهيدة «تحشّم» ولكننا فعلنا ذلك عن إقتناع تام، يلزم تسمعني وأنا أقنع موسيقيين يعملون في المسارح الكبرى بقبول مكافآت زهيدة ...
أنا أسأل المتسلطين على القرار الثقافي والمتمرغين في نعم وزارة الثقافة على حساب مئات من المبدعين الشبان وفي الجهات، أين كنتم حين «ثنينا الركبة» وكنا نعمل من أجل تكوين جيل من الفنانين التونسيين قادر على تغيير ما بنا ثقافيا وفنيا؟ سأظل دائما أدافع عن قيم ومبادئ لأن مجتمعا دون جماليات وفنون يظل مجتمعا مختل التوازن وكلما تغلب الجانب المادي على الجانب الرمزي أصبحت المجتمعات مادية وتكسّبية وهذا غير ممكن ...
ما هي علاقتك بوزير الثقافة؟
لم ألتقه أبدا. أذكر أنه كان يدير دار الثقافة العاشورية بالمدينة العتيقة في فترة التسعينات. يبدو أن لمهدي مبروك بطانة ترعاه و يرعاها و هذا شأنه. في المقابل لا أراه يسعى إلى أن تستفيد وزارة الثقافة جديا من الخبرات المشهود دوليا بكفاءتها واقتصر عمله على الأقربين منشدا بيت أبي نواس «و داوني بالتي كانت هي الداء». لم أره يستعين على سبيل الذكر بالدراسات الإستراتيجية التي قام بها خبراء و جامعيون و فنانون و تقنيون لتطوير أداء وزارة الثقافة قطاعيا و قد نسقنا أعمال هذه اللجان بجهد جهيد طوال ثلاث سنوات من 2008 إلى 2011 في إطار عمل وحدة التصرف لمدينة الثقافة. ألا يعد هذا ضربا من إهدار المال العام و مضيعة للوقت و إقصاء للكفاءات و الخبراء؟
ما هي علاقتك بمراد الصقلي مديرالدورة 49 لمهرجان قرطاج ؟
هو زميل أتمنى له مطرد النجاح. كما أقدر فيه قدرة فائقة على التطبع و الانسجام مع كل الأوضاع مخترقا بذلك جميع الأزمنة السياسية قبل الثورة و بعدها. من جهة أخرى أنا مطلع إطلاعا واسعا على ملفه الفني و العلمي إذ أشرفت على تقييمه و الحكم عليه بصفتي رئيس اللجنة العلمية للتأهيل الجامعي بوزارة التعليم العالي التي ناقشت أعماله و قد تقدم بها إلينا و عرضها علينا.
ما هو تقييمك لأدائه كمدير لمهرجان قرطاج في الدورة الماضية؟
في كل الأوضاع لا أملك إلا أن أتمنى له النجاح لأن تسيير مهرجان كهذا ليس بالهين. و لكنني في الآن نفسه أحمله مسؤولية تبعات التعهدات المالية المجحفة التي قررها والتي تبدو في تناقض تام مع الوضع الكارثي الذي يمر به اقتصاد البلاد و العجز المالي الذي يهددنا يوما بعد يوم. كان من الأجدى ألّا تترك الوزارة هذا الهامش المطلق من القرار المالي و الفني لإرادة شخص وحيد بل إلى لجنة متابعة و قيادة. و هذا سوء تقدير فادح من وزارة الإشراف تكبدت معه المجموعة الوطنية خسائر جسيمة في هذا الظرف الصعب. لأن من دور الوزارة و من واجبها متابعة قيمة الصفقات المالية الخاصة بالعروض الفنية و خاصة منها الدولية المكلفة التي تعد بالمليارات. و الواضح أن هناك تكتما إلى حد الآن في هذا الصدد إذ تكتمت إدارة مهرجان قرطاج عن الكشف عن قيمة العقود الدولية المبرمة مع الفنانين العالميين و لم تعلم عن الميزانية المرصودة إلى سفر وإقامة هذه المجموعات الفنية الأجنبية بالإضافة إلى تكلفة الإعداد المادي و اللوجستي لمهرجان قرطاج. و يقيني أنه بهذه المبالغ الإضافية فإن الدورة المذكورة أثقلت كاهل الجميع بما لا يمكن السماح به. . ليس بالإمكان لأية إدارة عمومية مهما كان مرجعها أن تشتغل بدون شرط أو قيد أو قيادة جماعية. زد على ذلك ضرورة أن تنشر الوزارة للعموم الجدول المتعلق بالعقود المماثلة للفنانين الأجانب في سياق إلتزاماتهم مع مهرجانات دولية خارج تونس للتأكد من قيمة الصفقات المبرمة في سياقها الدولي المرجعي. فإذا أردنا الشفافية في التصرف و الحوكمة الرشيدة فهذه هي سبيلها. كما لفت نظري أن يعين مراد الصكلي قريبا له(إبن شقيقته) مديرا فنيا للدورة و تسمح وزارة الإشراف بذلك و كأنه أمر عادي. ففي ذلك تضارب للمصالح و محاباة وجب تجنبها رفعا لكل التباس ممكن أو سوء تقدير في مرحلة يراد فيها القطع مع الممارسات المريبة.

نشطت في المجتمع المدني منذ سنوات حتى قبل 14جانفي فما هو الدور الذي يمكن ان يقوم به المجتمع المدني في المجال الثقافي اليوم؟
هو دور كبير لا شك في ذلك خاصة في ظل الجحود الذي تقابل به وزارة الثقافة التي هي رهينة وزير الثقافة لذلك لا أريد أن أعمم فمن المؤسف أن تتماثل الوزارة مع شخص الوزير الذي يحكم ويتحكم في الوزارة في مختلف مفاصلها ، كل شيء يخضع لإرادة الوزير «هذا موش من توة، الوزير يحل ويسكّر» أمام جحود وزارة الثقافة ووزير الثقافة وأسميه لأن التاريخ لن يتسامح مع من كان في خدمة الأقرباء والأصدقاء، في غياب النظرة الإستراتيجية من القطاع العام فإنه على القطاع الخاص والمجتمع المدني التعهد بدورهما ولذلك فإن شروعنا في تأسيس منتدى تونس الدولي للحق في الثقافة والحوكمة الرشيدة سيمكننا من المساهمة في تغيير الواقع الثقافي بالعمل كما فعلنا دائما من مختلف المواقع على استقطاب المواهب الفكرية والفنية والتقنية في مختلف الجهات والسعي إلى تنميتها والتعريف بها وتمكينها من وسائل التعبير بكل حرية. كما سنعمل من خلال المنتدى على تنظيم تربصات وورشات تكوين وتظاهرات فنية وفكرية في جميع أنحاء البلاد ورصد النقائص داخل الجهات وتحسيس مختلف الأطراف العمومية والخاصة بحق كل تونسي في الثقافة والفنون.
وسنحاول من خلال المنتدى أن نستقطب القطاع الخاص والمراكز الدولية لتكوين مجموعة من الفاعلين الثقافيين «يلزم الأمور تتحرك موش معقول» أن يطلب مركز ثقافي جبالي بجبل سمامة(القصرين) منحة بخمسة آلاف دينار فترفض وزارة الثقافة التي تصرف خمسة مليارات على مهرجان قرطاج الدولي، أيعقل هذا؟ هل يفي بحقوق الناس وبالحق في الثقافة ؟
أنا اعتبر نفسي مقصرا حين أسمع ما يعانيه المثقف والفنان أمام التهديدات التي يواجهها المثقف اليوم ؟
أنت ترى الفراغ ثقافيا وغيرك يراه عقائديا؟
وأين التناقض في ذلك؟ الإنسان دين ودنيا ، كلنا مسلمون مهما كانت القناعات مختلفة ، كان أجدادي قبل الإستقلال ساهرين على نقابة السادة الأشراف ولكني إخترت الموسيقى بتشجيع من والدي الشاعر محمد الهاشمي زين العابدين، ولكن بلا شطط إذ لا يمكن إفراغ الإنسان من حياته ووجدانه، الأهم أن نحافظ على جانب الإنشاء في الحياة
حدثت تجاوزات خلال العقود الماضية ولكن هناك دولة تأسست، انظر الجامعة التونسية ووضعية المرأة ، ولكن لا بد ان يساعد القطاع الخاص والمؤسسات الدولية للنهوض بالقطاع الثقافي
كيف ترى تطور الأوضاع سياسيا؟
أنا أعتقد أنه بعد 14جانفي وقعت أخطاء كبرى ، لا يمكن ان يكون القطع مع الماضي شعارا بل علينا ان نستفيد من الإيجابيات مع إصلاح الخطأ ونتفادى الفساد، القضية هي أخلاقية أساسا، كيف نطلب من إنسان ان يكون ديمقراطيا وهو متفرّد برأيه في عائلته؟ فالحوار لا يمكن ان يتم إلا ضمن إطار عدم إقصاء أحد لإعادة البناء بعيدا عن الرغبة في الإستحواذ على الحكم والتفرّد به فتونس تتسع للجميع وعلينا ان نتعوّد على الاختلاف وذلك جوهر الديمقراطية في إطار العيش المشترك .
«ما عنديش فكرة واضحة على تطور الترشيحات» بخصوص رئيس الحكومة ولكني اعتقد ان الطبقة السياسية عليها ان تتعقل، الخطأ موجود في «النهضة» وفي المعارضة ومن اجل مجتمع تشاركي متضامن لا بد من التوافق فإن استفردت «النهضة» بالحكم فهي ستحن لماضيها الإيديولوجي وإن فازت الأحزاب المعارضة فهي ايضا ستحن لماضيها فالمطلوب هو التأكيد ان الثورة غالطتنا فنهاية حكم بورقيبة كانت مأساوية كذلك الشأن بالنسبة إلى حكم بن علي، الغريب أن الثورة اتت بشيء من الخيبة من الطبقة السياسية التي ظلت تتعامل بذات الآليات القديمة ضمن السياسة السياسوية وإن تواصل هذا النهج فلن يكون لنا أي حظ للنجاح ، أملي أن نتوصل إلى مراسي تجعل منا أكثر احتراما لبعضنا البعض وأكثر إنصافا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.