أصدرت وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي بيانات إحصائية رسمية لسنة 2013. الملاحظة البارزة في الأرقام تراجع الاستثمارات الأجنبية بنسبة مرتفعة بلغت 24,3% مقارنة بسنة 2012 وب19% مقارنة بسنة 2010. وقد بلغ حجمها 1,959 مليار دينار في 2013 مقابل2,587 مليار دينار في 2012. وتوزعت الاستثمارات الأجنبية بين استثمارات مباشرة ب1,780 مليار دينار وأخرى في المَحافظ المالية ب179,6 مليون دينار. في تقسيمها القِطاعي، كانت المرتبة الأولى للاستثمارات الأجنبية المباشرة لقطاع الطاقة ب 1070 مليون دينار، ثم لقطاع الصناعة ب 176 مليون دينار لمشاريع جديدة و307 م.د لتطوير مشاريع موجودة يليه قطاع الخدمات ب 9 م.د لمشاريع جديدة و206 م.د لتدعيم المشاريع الموجودة، أما الفلاحة فلم يتجاوز الرقم 11 م.د. وبالنسبة لجنسية المستثمرين، بقي الترتيب كما هو دون تغيير فرنسا فألمانيا ثم إيطاليا. وفي قراءة سريعة للأرقام ، نستنتج أنّ الاستثمارات الأجنبية وبعد أن ارتفعت سنة 2012 مقارنة بسنة 2011 بنسبة قياسية بلغت 150,6%، عادت للانخفاض سنة 2013. المسألة مفهومة، فسنة 2011 تاريخ الثورة والانفلات الاجتماعي خاصة بمطلبيته المجحفة والاعتصامات أمام وداخل الشركات والمعامل أدى إلى أرقام سلبية في 2011 وبذلك لا يمكن اعتبارها سنة مرجعيّة للمقارنة الموضوعية والعلمية. وبالنسبة لأرقام 2012 فإنها لا تعكس المناخ الجيد للاستثمار الأجنبي بقدر ما تعكس توقعات أجنبية بسهولة الانتقال الديمقراطي في تونس باعتباره مولّدا للاستقرار الكافل الوحيد والمطمئن لجذب الاستثمار الخارجي. بهذا المعطى، يمكن فهم تراجع نسقها في 2013، إذ أنّ تواصل الأزمة السياسية (قبل انفراجها بداية 2014) ودخولها طورا حادا كالاغتيالات السياسية والأحداث الإرهابية وبقاء المطلبية الاجتماعية والتخفيض المستمر للتصنيف السيادي لتونس من طرف مؤسسات الترقيم العالمية المعروفة، عدّل من توقعات المستثمرين الأجانب لتصبح ذات أفق سلبي وبالتالي الإحجام عن الاستثمار في تونس أو على الأقل الترقب والانتظار. وتكشف الأرقام عن ضعف الاستثمارات في مشاريع جديدة، وأن أغلبها كان لتطوير وتعصير الموجود وانها بذلك لم تشكّل مَصْدرا مهمّا لخلق مواطن شغل كفيلة بحل الأزمات الاجتماعية في تونس والدليل أنّ هذه الاستثمارات ودون احتساب قطاع الطاقة لم تفرز سوى 9421 موطن شغل جديد وهو رقم ضعيف جدا، لذلك يبقى المطلوب كيفية تحفيز الاستثمارات الأجنبية في القطاعات ذات القدرة التشغيلية العالية كقطاع الخدمات والفلاحة والنسيج. كما بينت الإحصائيات ارتباط الاقتصاد التونسي بالاتحاد الأوروبي وهو ما يفرض العمل على هدفيْن: الأوّل استرجاع الثقة الكاملة للمستثمر الفرنسي أساسا لأنه القاطرة الأولى التي ستتبعها بقية القاطرات (البلدان) لاعتبارات تاريخية (تونس كانت مستعمرة فرنسية) ولقدرته على فهم الواقع التونسي ولذلك فإنّ تشخيصه لتوقعات الاستثمار سيؤخَذُ به من طرف المستثمرين من جنسيات أخرى. الهدف الثاني، ضرورة العمل على جذب مستثمرين من خارج الاتحاد الأوروبي حتى لا يرتهن مصير الاقتصاد التونسي بأية أزمة قد يمر بها الاتحاد لأن في تنويع الاستثمارات الأجنبية، إعادةُ توزيعٍ مطمئنة للمخاطر عوض تركّز ثقلها في منطقة واحدة قد تؤدي إلى نتائج كارثية.