«بشرى» زفّها السيد وزير الشؤون الاجتماعية للنشيطين القريبين من سنّ التقاعد تتعلق بالتمديد في السن القانونية للتقاعد الى 62 سنة كأول فرضية محتملة لمعالجة آنية لعجز الصناديق الاجتماعية الذي وضع السيد الوزير في وضع صعب تجاه حالة منظومة التقاعد الآيلة للافلاس النظري. إن الوضع المالي المتردي لصناديقنا الاجتماعية والتعمق التدريجي لعجزها ليس بالظاهرة الجديدة، بل هو نتاج طبيعي لاخطاء متراكمة سبقت بعقود تاريخ 14 جانفي 2011 من جهة ولصمت حكومتي «الترويكا» وتقاعسهما عن فتح ملف الضمان الاجتماعي سياسة وتمويلا وآليات. لم نقف على صورة واضحة وموضوعية ومجردة عن الأسباب الظاهرة والخفية التي أدت الى تفاقم عجز الصناديق الاجتماعية ولم نقيّم ولم نتساءل ولم نستشرف المستقبل، واكتفينا فقط باعتماد اسهل الحلول وهي التفكير في التمديد في سن التقاعد لوقف النزيف بتجنيب الصناديق الاجتماعية تحمّل أعباء إضافية على المدى القصير وبعدها «ربّي يعمل دليل». ان صناديقنا الاجتماعية في اوضاعها المالية الحالية بصرف النظر عن استنتاجات التحليل والتشخيص المعمق الذي لم يحصل مع الاسف، في حاجة ملحة الى خطة عاجلة تقوم اساسا على وضع خط تمويل لمعالجة العجز الحاصل في توازناتها المالية واعادتها الى وضعها الطبيعي المطمئن. إن القطاعين العام والخاص في حاجة الى سياسة تشغيل تستهدف الانتداب في سن مبكرة بما يؤمن للصناديق على المدى المتوسط والبعيد ضخ مصادر تمويل قارة، كما ان هذين القطاعين في حاجة الى ضخّ طاقات جديدة من قوى الانتاج والعمل بالفكر وبالساعد تتّقد حيوية ونشاطا مثلما هما في حاجة ملحة لاعادة توزيع العمل بشكل متكافئ والى رسم مؤشرات واهداف كمية ونوعية جديدة يتعين تحقيقها لقياس مردودية القطاعين قبل التفكير في مجرد التمديد في سن التقاعد. كما ان مجرد استنساخ تجارب من بلدان اخرى أوروبية بالخصوص مآله الفشل مسبقا طالما ان هذا الاستنساخ يأتي مسقطا ولا يأخذ بعين الاعتبار مقارنات ظروف العمل في بلادنا مع ماهو متوفر في هذه المجتمعات ولا الفوارق البيّنة في نسب البطالة ومستوى العيش وفي ظروف التنقل وفي العادات الغذائية للنشيطين بين فترات العمل وفي آليات المساندة والحماية الاجتماعية ولا يأخذ بعين الاعتبار كذلك التمييز الايجابي بين المهن العادية والمهن الشاقة والمضرّة بالصحة. وفي المحصلة فإن مجرد التفكير في التمديد في سن التقاعد بهذا الشكل الارتجالي سينعكس سلبا على اداء وعلى مردودية القطاعين العام والخاص، اي ان ما ستجنيه الصناديق الاجتماعية من وراء هذا الاجراء المتوقع سيساهم في المقابل في مزيد اضعاف اداء مردودية القطاعين العام والخاص فضلا عن تداعياته السلبية على آفاق التشغيل من خلال حرمان الباحثين عن الشغل من فرص التشغيل القارة التي توفرها على المدى العاجل أفواج المحالين على التقاعد في سن الستين. رجاء قليل من الاجتهاد والابداع في معالجة الازمات عوضا من اصلاح الاخطاء بأخطاء افدح.