في سابقة هي الاولى من نوعها التقى امس الوزير المكلف بالاقتصاد والمالية بوفد من جبهة معارضة لتدارس مشروع بديل لقانون المالية لسنة 2014 ونعني هنا باللقاء الذي جمع السيد حكيم بن حمودة بوفد من «الجبهة الشعبية». لم تأت «الجبهة الشعبية» فاضية اليدين بل جاءت محملة برزمة من الحلول ومن المقترحات على امل ان تجد لدى مخاطبها من التجاوب والتفاعل ما لم تجده مع حكومتي «الترويكا» السابقتين. خلال ولاية «الترويكا» لم يكن لصوت المعارضة صدى سواء داخل المجلس الوطني التأسيسي او خارجه، ولم تلق ملاحظاتها واقتراحاتها آذانا صاغية من أولي الامر، فكان كل شيء على ما يرام من وجهة نظر الموالاة إلى ان وصل بنا الامر الى الاوضاع التي مر عليها السيد رئيس الحكومة المؤقتة مرور الكرام في اول اطلالة اعلامية له. ولم تكتف الموالاة بتهميش الاخرين، الشركاء في الوطن بل حشرتهم في الزاوية الى درجة أنها توفقت في ايهام الرأي العام ان المعارضة هي معارضة «العصا في العجلة» لا غير، ومعارضة من اجل المعارضة تفتقر الى وضوح الرؤيا والى بدائل والى برامج أفضل. هذه هي الصورة التي ترسخت لدى قطاعات واسعة من الرأي العام عن المعارضة، صورة المعارضة الاحتجاجية والمعارضة الغوغائية التي لا تتقن سوى الاحتجاج والبكاء والتباكي. ان الخطوة التي أقدمت عليها «الجبهة الشعبية» جديرة بكل اهتمام لانها تعيد وضع المعارضة في موضعها الصحيح في هذه المرحلة الدقيقة كقوة اقتراح وتصحيح وبناء. قد نتفق وقد نختلف جزئيا او كليا مع ما قدمته «الجبهة الشعبية» من مضامين الى وزير الاقتصاد والمالية،فليس هذا المهم، فالاهم: 1 ان نعي بأن صفوف معارضتنا ومستقلينا تضم الكثير من الخبرات ومن الكفاءات في جميع المجالات بما يؤهلهم للاسهام الجدي في تصحيح الكثير من الاوضاع على المدى القصير، وهو الوعي المغيّب خلال سنوات الضياع الاخيرة. 2 ان يقابل هذه الخطوة وما سيتلوها من مبادرات اخرى قد تأتي من بقية اطياف المعارضة ما تستحقه من انصات من الجانب الحكومي فيستأنس بأقصى ما يمكن الاستئناس به لمعالجة الاوضاع المتأزمة بأخف الاضرار إذ ليس من الوارد ان تمتثل حكومة السيد مهدي جمعة كليا الى مقترحات «الجبهة الشعبية» ولا الى مقترحات غيرها من مكونات المعارضة على يقين بأن الحكومة الجديدة لا هي بحكومة المعارضة ولا هي بحكومة «الترويكا»، بل هي فقط حكومة الأمر الواقع. يفهم من اول حديث للسيد مهدي جمعة انه لا يريد او ليس في مقدوره ان يعود الى الوراء لتحديد المسؤوليات عما آلت اليه اوضاع البلاد وانه يفضل ان ينظر الى الامام، ورغم هذا تكون «الجبهة الشعبية» سبّاقة في مدّ يدها الى حكومة السيد مهدي جمعة في موقف ينمّ مرة اخرى عن نضج سياسي وعن قدر عال من المسؤولية لن يخلو من كلفة سياسية جديدة في أوساط جمهورها ونشطائها ومناضليها وهو ما يعني أن «الجبهة الشعبية» اعلت مرة أخرى المصلحة العليا للبلاد على حساب مصلحتها وحساباتها الحزبية السياسية؟ فكيف ستكافئ حكومة السيد مهدي جمعة خطوة «الجبهة الشعبية»؟