الحوار الوطني قام على الإقصاء لا عدالة انتقالية في غياب قانون تحصين الثورة الأيام ستثبت أنني لست امتدادا ل «النهضة» في «جبهة الإصلاح» «جبهة الإصلاح» أبعد ما تكون عن الحسابات السياسية و«الأطراح» الانتخابيّة حاوره: فؤاد مبارك ضيف حوارنا بهذا العدد هو أحد القياديين القلائل الذين قرروا هجر أسوار «قلعة» «مونبليزير» وإشهار استقالته بعد سنوات طويلة من النضال والتضحية في سبيل رفع راية «الاتجاه الإسلامي» وإنعاش قلب حركة «النهضة» اثر عقود من التغييب والإقصاء وفرض وجودها على الساحة السياسية والمساهمة في وصولها إلى سدّة الحكم.. انضم ضيفنا إلى الحركة منذ أوائل الثمانينات تاريخ بداية مشواره الطويل مع الملاحقات والاعتقالات والزجّ به في غياهب السجون لسنوات بتهم تتعلق بمخالفة قانون المساجد وتهمة الانتماء التي حشر من اجلها مع أطياف مختلفة من سجناء الحق..شغل ضيفنا صلب حركة «النهضة» العديد من المناصب القيادية الحساسة بدءا من إشرافه على المجال الدعوي بولايتي سليانة والكاف وصولا إلى تكليفه بنيابة رئيس لجنة النّظام الدّاخلي والانتخابات في المؤتمر التاسع والأخير للحركة. ومن دون أي إشعار أوسابق إنذار خرج ضيفنا على الرأي العام بقرار الانفصال عن الحركة بطريقة «درامية» أعقبها قرار إعلانه الانضمام إلى «جبهة الإصلاح» ذات التوجه السلفي والتي يشغل في الوقت الحالي عضوية مكتبها التنفيذي ورئاسة مكتب الاستقطاب والتعبئة بها...قراران مفاجآن دفعا متابعي الشأن السياسي الى التساؤل عن الأسباب الحقيقية لاستقالته بعد مسيرته الزاخرة بالنضالات وسبب اختياره الانضمام إلى «جبهة الإصلاح» دون سواها... وللإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها التقت «التونسية» عبد الحميد الطرودي القيادي السابق بحركة «النهضة» وعضو المكتب التنفيذي ورئيس مكتب الاستقطاب والتعبئة ب«جبهة الإصلاح» فكان معه الحوار التالي: أثار قرار استقالتك من حركة «النهضة» بعد مسيرة زاخرة بالنضال جملة من التساؤلات أهمها سبب اختيارك الانفصال عن الحركة وهي تعتلي سدة الحكم،هل لك أن تشرح لنا الأسباب الحقيقية التي دفعتك إلى اتخاذ هذا القرار؟؟؟ حتى أصدقك القول،باعتباري قياديا سابقا في «النهضة» كانت لي تحفظات كثيرة على أداء الحركة منذ صعودها إلى سدة الحكم خاصة في ما يتعلق بأدائها الثوري والاختلاف الحاصل داخلها بخصوص تحديد الأولويات وطريقة تعاطيها مع الكثير من الملفات الحارقة خصوصا أنها صاحبة الأغلبية ورغم ذلك كانت ينقصها الجرأة في أن تحسم أمر الكثير من المواضيع. صحيح ان لي تجربة طويلة المدى صلب الحركة التي انضممت إليها منذ أوائل الثمانينات على أساس عقد ممضى بيننا تضمنه البيان التأسيسي لحركة «الاتجاه الإسلامي» آنذاك حيث كان مشروعها مشروعا إسلاميا مجتمعيا مختلف الإبعاد،إلا أن اكراهات السياسة ووجود «النهضة» في السلطة خلقت حالة من الاختلاف بين قيادات الحركة بتحديد الأولويات أي إن كانت الأولوية اليوم للمشروع المجتمعي أم للمجال السياسي. انا مثلا كنت واحدا من الذين عبروا داخل الحركة عن رفضهم الشديد لعدم تمرير قانون تحصين الثورة ورفضهم للكثير من التنازلات التي قدمتها الحركة في الكثير من الأمور أهمها الدخول في حوار وطني لا يحترم إرادة الشعب الذي اختار وفوّض...بكل صراحة تقريبا هذه أهم الأسباب التي دفعتني إلى الاستقالة من الحركة. بالنظر للدور الكبير الذي لعبه الحوار الوطني في تنقية الأجواء وجمع كل الفرقاء السياسيين حول طاولة واحدة، هل مازلت متشبثا اليوم بموقفك الرافض للحوار الوطني وألا ترى أن المصلحة الوطنية تستدعي تقديم التنازلات في الكثير من الأحيان؟ أولا لا يختلف عاقلان في تعريف الحوار الوطني بالسلطة الموازية للمجلس التأسيسي كما لا يمكن تسمية حوار تهيمن عليه 4 منظمات محدودة العدد بالحوار الوطني الحق الذي يفرض مشاركة كل الأحزاب والمنظمات والهيئات والنخب ولذلك نتحفظ على تسمية ما صار بالحوار الوطني القائم أساسا على الإقصاء. ثانيا،في تقديرنا كان من الأفضل الالتزام بخيار الشعب فالشعب اختار وفوّض..ولا يمكن لأحد أن ينكر ان هناك العديد من الأطراف المعادية للثورة التي راهنت على ابتزاز حكومة «الترويكا» لتتنازل عن الكثير من الأمور التي لا يمكن التنازل فيها، وابرز مظاهر ابتزاز «الترويكا» يتجلى في الضغط عليها من خلال هذا الحوار الوطني المزعوم ،فبأي حق نستبدل الإرادة الشعبية والخيار الشعبي بحوار وطني وبتوافقات؟ لك أن تقول إن التوافقات والحوارات التي دارت آنذاك كانت ضرورة ملحة،قد لا اختلف معك في هذا ،ولكن كان من الضروري أيضا إن يتم تحديد غطاء الحوارات وسقف التنازلات.. نرى انه في احترام قواعد الحكم احترام للإرادة الشعبية زد على ذلك ان العديد من الأطراف استغلت ما حدث في مصر إبان انقلاب العسكر على إرادة الشعب المصري الحرة وسعت جاهدة إلى استنساخ هذه التجربة واستبدال الإرادة الشعبية بسلطة موازية ففرضت أمرا واقعا على «الترويكا» وكادت هذه المحاولات تعصف بمؤسسات الدولة وهددت بصراحة ووضوح وحدة التونسيين،ألا يكفي هذا لأتشبث بموقفي الرافض للحوار الوطني المزعوم؟ طيّب،قلت إن رفضك عدم تمرير «النهضة» لقانون تحصين الثورة يعدّ من أهم أسباب انفصالك عنها،هل لك ان توضح لنا سبب رفض الحركة تمرير هذا القانون؟ يشبه عدد كبير من قيادات الحركة قانون تحصين الثورة بالمحاكمات الجماعية... حقيقة لا أتفاعل كثيرا مع هذا الرأي لأنني عندما أتحدث عن هذا القانون لا اعني بذلك الإقصاء الجماعي أو التشفي ولكن حتى يعرف كل ذي حق حقه عند من ليأخذه ويقول له اذهب أنت طليق لكي يطمئن الجميع. ألا ترى في تمرير هذا القانون إقصاء لطيفا سياسيا كبيرا؟؟؟ بتقديري،أرى أن قانون الإقصاء السياسي يعني ضرورة أن نمنع كل المسؤولين الذين كانوا في المنظومة القديمة والذين كانوا أعوان بن علي التنفيذيين وكانت لهم مسؤوليات في حكمه من التواجد من جديد في الحكم على الأقل من خلال مشاركتهم السياسية ،ومن نتائج عدم تمرير القانون ان يعود هؤلاء الظالمين إلى الحكم ولا يحق لأحد حينها أن يمنعهم عن ذلك. حقيقة، لا يمكن ان نتحدث عن عدالة انتقالية إذا لم يمرر قانون تحصين الثورة لأنني اعتبر عدم حسم هذا الموضوع خاصة العزل السياسي سيفرغ محتوى قانون العدالة الانتقالية من محتواه ...هناك جرحى وشهداء يتطلعون إلى حد اللحظة إلى معرفة من نكل بهم وعذبهم وشردهم وقتل أبناءهم ...أفليست محاسبة هؤلاء واجبة لترتاح القلوب بمعرفة الحقيقة؟؟ وهل ترى أن المسألة بهذه السهولة؟وأن الأمور ستجري كما تتصور؟؟ طبعا لا،أعي جيدا أن المسالة تحتاج إلى وقت،لا بد ان يكون هناك حوار وتفاهمات يشارك في صياغتها كل من له علاقة بهذا الموضوع.. ولكن ارى انه من الضروري تمرير هذا القانون بقطع النظر عن تبعاته وتداعياته ويجب ان نتحلى في ذلك بالجرأة وان نكون مستعدين لتحمل تبعاته ،خاصة أن الهدف منه رفع المظالم ولندخل الانتخابات القادمة بلا أحقاد ولا ضغائن ،ففي عدم تمرير هذا القانون حتما ستستمر الأحقاد والضغائن وهذا ليس من مصلحة احد. ألم يكن لقرار تأجيل مؤتمر «النهضة» علاقة بانفصالك عنها؟؟ نعم،يمكن أن تقول إن هذا القرار يعدّ أيضا سببا من أسباب خروجي من الحركة.. كنت مع الالتزام بقرار مؤتمر الحركة الماضية والذي تم فيه تحديد موعد المؤتمر الاستثنائي حتى لا يتم خرق قرار أعلى سلطة داخل مؤسسات الحركة(المؤتمر)....شخصيا قلت إنني مع انجاز المؤتمر حتى تدخل الحركة بجسم واحد قوي وحتى لا يتحفظ القيادي زيد أوعمر ...ولكن حدث ما حدث وأجّل هذا المؤتمر يمكن لمصلحة انتخابية أو ربحا للوقت ...أرى أن الأولوية لأبناء الحركة وخدمة المشروع المجتمعي، وحتى إن كان هناك فشل سياسي من غير المسموح أن تفشل الحركة في مشروعها المجتمعي الذي أسست من اجله. ولماذا اخترت الانضمام إلى «جبهة الإصلاح» دون سواها؟؟ولماذا اخترت حزبا ذا توجه سلفي؟؟ صراحة،تفاعلت مع «جبهة الإصلاح» لأنني وجدت فيها ما يحقق تطلعاتي وهمومي، الحمد لله أنني استقلت من «النهضة» ولم استقل من المشروع الإسلامي ولأنني أتحفظ على أداء «النهضة» بحثت عن حاضنة أخرى.. وبحكم علاقتي التاريخية ببعض قيادات «الجبهة» وجدت ما يشجعني على الانضمام إليها . أما بخصوص التوجه السلفي للحزب،فأقول انه إذا كانت السلفية بمعنى الالتزام بما في المرجعية الإسلامية من قيم العدل والحرية والكرامة واحترام حقوق الإنسان وسلفية على منهاج النبوة كالتي وجدتها في «جبهة الإصلاح» فمرحبا بها، أما إن كانت بمعنى الإرهاب والقتل والتعدي على الآخر وفرض الرأي وعدم احترام الرأي المخالف فهذا لا يلزمنا في شيء ..وكل من يقدم نفسه على انه إسلامي ويؤمن بهذه الأفكار ادعوه إلى مراجعة نفسه لأنني اعتبر -بفهمي المتواضع للإسلام- أن الإسلام مساحة شاسعة ودائرة كبيرة تتسع للجميع. بحكم معرفتك الجيدة لهما،ما هي أوجه التشابه والاختلاف بين «النهضة» و«جبهة الإصلاح»؟؟؟ دعني اقل لك إن «جبهة الإصلاح» يعدّ أيضا حزبا عريقا متواجدا منذ الثمانينات وحرصه الاجتماعي أكثر من حرصه السياسي ...وما يميز «الجبهة» عن «النهضة» هو أن لها خطابا سياسيا واضحا...أما عن المرجعية الإسلامية فهناك ثوابت وركائز لا حياد عنها وحتى اجتهاد «النهضة» في تعاطيها مع المرجعية الإسلامية هو اجتهاد في النص لا أكثر من ذلك ولا اقلّ -شأنها شأن اي تيار إسلامي آخر-فالإسلام لا يسمح بأن تتكلّم أية جهة باسمه او تنصب نفسها الناطق الرسمي باسمه أو المعبرة عنه،وضرورة التنوع داخل الأحزاب الإسلامية لا تتعارض مع الالتزام والتوحد في خدمة المشترك الذي يتمثل في المصلحة الوطنية العليا. حقيقة،ما اختلفت فيه مع «النهضة» توافقت فيه مع «جبهة الإصلاح»...إن ما يميز أعضاء «الجبهة» هو فهمهم الشمولي للإسلام حيث يؤكدون أنهم حتى لو وصلوا إلى الحكم لن ينحرفوا عن مبادئهم قيد أنملة وسيكونون واضحين بخصوص ثوابت هذا الدين أو أي شيء من شانه أن يمس من الأصول في المرجعية الإسلامية. أتلمح إلى أن ما يميّز «جبهة الإصلاح» تفتقر إليه «النهضة»؟؟؟ أنت ترى ذلك...حركة «النهضة» تعي هذا جيدا ولكن بحكم الاكراهات وبحكم الوضع السياسي الراهن حصل غض الطرف عن بعض المسائل لحسابات سياسية قد تكون ظرفية وقد تكون دائمة...وأنا لا اعرف إن كان خيارها تكتيكيا أواستراتيجيا أومدّا كاملا ،وللخروج من هذا التجاذب الحاصل داخل هذا الجسم وحفاظا على علاقاتنا المبنية على قيم وثوابت الدين الإسلامي الحنيف اخترت الخروج حتى لا نخرج في صورة سيئة كما يريد البعض أن تجري الأمور. ثمة من يرى في انضمامك إلى «جبهة الإصلاح» ذات التوجه السلفي تكتيكا انتخابيا، أي محاولة من «النهضة» لكسب دعم الأحزاب السلفية تحضيرا للانتخابات القادمة خاصة انك رئيس مكتب الاستقطاب والتعبئة في الجبهة بعد أن كنت قياديا في «النهضة»؟ ما ردّك؟؟ هذه مجرد ادعاءات،فليس انضمامي إلى جبهة الإصلاح بنية الدخول في حملات انتخابية مسبقة لا لفائدة «النهضة» ولا لصالح «الجبهة» بقدر ما هو خدمة لمشروع مجتمعي نسعى فيه إلى النزول إلى الشارع ومحاولة مساعدة الناس وخاصة المظلومين منهم ،نحن لسنا معنيين بالرد عن تقييم أي طرف لأدائنا أو موقفه منا ...خلاصة القول لست ملزما ان ادخل في «جبهة الإصلاح» من خلال أجندة سياسية حتى أكون بذلك امتدادا ل «النهضة» والأيام ستثبت ذلك. تصوّرك لمستقبل العملية الانتخابية وهل تشاطر من يرى أن الشعب اخطأ اختيار حكامه في الانتخابات الماضية هذا الموقف؟؟؟ أولا إنني أراهن على وعي شعبنا...أما بخصوص من يدعي أن الشعب اخطأ الاختيار في الانتخابات الماضية فهذا غير صحيح ،فالشعب التونسي يدرك جيدا من يختار لأنه المعني الأول بما يختار لنفسه ..أرى أن النتيجة رهينة الجهد الذي سيبذله كل حزب ليبرهن عن حبه الفعلي لشعبه وصدقيته معه ...أؤكد أن التنافس الانتخابي لا يجب ان يكون لكسب الأصوات وإنما بالعمل الفعلي وبالبذل لكسب الثقة. ماذا أعدت «جبهة الإصلاح» للانتخابات القادمة؟؟؟ بصراحة،مازلنا في هذه المرحلة نتأمل المشهد والوضع في البلاد،فالقانون الانتخابي مازال مجرّد مقترحات لم يحسم فيها بشكل تام حد الان...برنامجنا اليوم يتركز على النزول إلى الشارع والتواصل مع الناس والتفاعل معهم ومساعدتهم على حل مشاكلهم بما أوتينا من قوة..ان «جبهة الإصلاح» ابعد ما تكون اليوم عن الحسابات السياسية و«الأطراح» الانتخابية فعندما يتحدد الموعد وتقع المصادقة على قانون الانتخابات سننظر في الأمر، أما الآن فكل جهودنا مركزة بشكل كامل على التفاعل مع مشاكل الشعب لا غير. وما هو تقييمكم لأداء حكومة مهدي جمعة؟ ندعو هذه الحكومة الى ممارسة عملها بكل جدية وحيادية ، لم نتوصل إلى تقييم اداء هذه الحكومة إلى حد اللحظة لنصدر موقفا واضحا منها، إننا ندفع في اتجاه توفير مناخات تسنح لهذه الحكومة بالعمل في أفضل الظروف بقطع النظر عن إصرارنا على بعض المواقف من الحوار الوطني وتحصين الثورة وغيرها حرصا منا على مصلحة التونسيين واستمرار المسار الانتقالي في اقرب الآجال،إننا نتفاعل مع العديد من الأحزاب الحريصة على إنهاء هذا المسار بأقل التكاليف وفي اقرب الأوقات حتى لا نؤبد هذا الوضع. صحيح أننا لم نصدر بعد موقفا واضحا من هذه الحكومة ولكن نقول لها اننا نتفاعل مع كل أداء ايجابي تبذله وسنتحفظ ونكون واضحين اذا لم تخدم البلاد ومصلحة الوطن.