في باب التفاعل مع الشأن التربوي والأخذ من كل عناصره بطرف لم تفوّت «التونسية» كعادتها فرصة الاستماع الى الحصة الاذاعية «الحق حق» وخاصة خلال حلقتها الأخيرة لما استضافت «نورة بوعلاق» المربي الفاضل الأستاذ أحمد السليمي عن وزارة التربية لفتح ملف «الزمن المدرسي» على اعتباره أحد أسس المنظومة التربوية في تعليمنا اليوم. والى جانب رغبتنا الجامحة في التفاعل مع ملف يهمنا بالأساس من منطلق توجهنا الاعلامي أحد شركاء وزارة التربية في برامجها الاصلاحية في صلب مجال التربية فهناك ما شابه الاندفاع لمتابعة هذه الحصة بالذات لأن الضيف الكريم يعتبر صاحب تجربة في ميدان التعليم بدأه كأستاذ... فمدير معهد ثانوي قبل الوصول الى مصالح وزارة التربية لقاء تجربته وخبرته في وقت تحتاج فيه المنظومة التربوية التونسية الى أمثاله من الخبراء... وأدركنا بالتالي أن الاستفادة حاصلة في خانة تفريك رمانة الزمن المدرسي وما أدراك من الزمن المدرسي!. وخلال ردهات البرنامج تكلمت «بوعلاق» من منطلق المنشطة المحايدة التي لا تعرف عن أسرار التربية إلا القليل صورة طبق الأصل لما يعرفه المجتمع اليوم عن التعليم خاصة أنه أصبح كالحمار القصير يركبه كل من هبّ ودبّ في ظل هدوء وتعقل ورصانة رجل التعليم الذي مازال يحافظ على سمعته وهيبته رغم أنهم يشيرون له بالبنان لأنه يدرك دوره الريادي في المجتمع ويعي جيدا أنه «ما يحس الجمرة... كان إلّي يعفس عليها»... وتكلم الأستاذ السليمي من منطلق المسؤول على لسان وزارة التربية مدركا أنه يمثل أصحاب القرار حسب مقاييس وخطوط لا يمكن اطلاقا تجاوزها حتى ولو حاول أن يخاطب المستمعين في هذا اللقاء الاذاعي بلغة عربية سلسة ومؤثرة أضاءت الظاهر عكس الباطن طالما الحلول ظلت شفافة على لسانه لم تضرب في الصميم. وقد تكلم ممثل وزارة التربية مبرزا أنه لا يمكن للزمن المدرسي أن يكون بعيدا عن المجال الاجتماعي وأنه على الجميع أن يفكّر في الارتباطات الأسرية بسبب خروج الأم الى العمل وبالتالي على المدرسة أن تتكفل باحتضان الأبناء لديها حتى ولو طالت الدروس الى أكثر من 5 ساعات... ويزيد الأستاذ السليمي بأن النقل العمومي أي ما يهم حركة حافلات الخطوط والميترو الخفيف يلعب دورا هاما في الزمن المدرسي... وهنا أسأل أستاذنا الكريم بكل لطف: «نحن في تونس ولسنا في فرنسا أو اليابان أو أمريكا... فما عبرت عنه لايمسّ سوى العاصمة وبعض المدن الكبرى من بلادنا... فالمدارس والإعداديات والمعاهد منتشرة في جلمة والرقاب ورجيش ورفراف وشنني وطبرقة وغيرها من القرى والدشر والبوادي... وفي هذه المناطق يتنقل التلاميذ سيرا بسبب انعدام النقل العمومي... وفي هذه الجهات لا تشتغل الأم لطابع المجتمع الريفي... وهذا الرأي جاء شبيها بكل الآراء في المجال الثقافي والصحي والرياضي حيث «تفرّك الرمانة» حسب ما يوجد في العاصمة من ايجابيات وسلبيات... فقط... فقط». ونحن نسترق السمع بانتباه الى حوار المنشطة وضيفها الكريم... وفي لهفة لمعرفة جديد وزارة التربية في ملف «الزمن المدرسي» عرّج الأستاذ السليمي على الدروس الخصوصية فالتقطتها نورة بوعلاق وتعلقت بها رغم أنها خارج موضوع الحلقة... ممثل وزارة التربية أشّر وأقرّ بأن تعاطي المربي للدروس الخصوصية ممنوع ويعاقب عليه القانون وهو أحد العوامل التي ضربت الزمن المدرسي لأنها ملأت الفراغ وسدت الساعات الجوفاء... وهنا أسأل ضيفنا مرة أخرى: «لماذا تمنع الادارة هذا النشاط بينما يشرّعه المجتمع... لماذا يصرّ المسؤولون بمختلف رتبهم ومن كل المجالات على أن يتعاطى أبناؤهم مثل هذه الدروس ويصل بهم الى حدّ استجداء رجل التعليم مثلهم كمثل كل الأولياء والعائلات... والمربي يتعاطى مثل هذا النشاط... هل تراه غش أو سرق أو احتال أو اغتصب أو افتك أو نهب... فالدروس الخصوصية ترهقه وتخنقه وتنكل به ولكن ما باليد حيلة أمام تردي وضعه المادي وانحداره الى سفح الهرم الاجتماعي». ففي المجتمع التونسي نجد الطبيب يشتغل في المستشفى وفي العيادات الخاصة وفي المصحات والممرض مثله ينتقل بين المستشفيات العمومية ومحلات التمريض... المهندس مهما كان اختصاصه يشتغل في ادارته أو شركته قبل أن «يدبر راسو» في مكاتب الدراسات والمشاريع الخاصة وغيرها... الفني في الكهرباء على سبيل المثال يعمل في مكاتب الادارة وفي حضائر البناء ولحسابه الخاص... حتى العامل البلدي فهو يتنقل من ميدان الى ميدان آخر... كلهم ينجزون «أشغالا خصوصية» على طريقتهم ولا أحد احتج أو استنكر... فماذا لو اشتغل المربي في أوقات فراغه في التجارة أو الصناعة أو النجارة أو في أعمال حرة... هل يعتبر هذا ممنوعا؟... طبعا... الجواب بالنفي... ولهذا ما ضر لو اشتغل رجل التعليم وقت راحته في مجال اختصاصه و «طاح الكاف... ردم الظل»... لماذا نحرّم عليه شيئا ونحلّه للآخرين... وهو دونهم لا يتمتع بالسيارة الادارية ووصولات البنزين وجذاذات المطاعم وخدمات القطاع الصحي والمجال الترفيهي... فهو على لسان أصحاب المهنة... «من القسم... الى اللحد». أشكر في الختام المنشطة نورة بوعلاق والأستاذ المربي أحمد السليمي لأنهما فتحا لنا فجوة لنعبر منها الى هذا الملف مع المعذرة أني سلكت مثلهما نفس المسلك حيث أردت أن أتحدث عن ملف «الزمن المدرسي» ففتحت ملف «الدروس الخصوصية» دون أن أشعر مثلما فعلا هما في الحصة الأخيرة من «الحق حق»... وللحديث بقية.