لا حديث في الصحافة المغربية هذه الأيام إلا عن مغادرة نور الدين الصايل للمركز السينمائي و توقع إسم خليفته بعد أن فتحت وزارة الاتصال باب الترشح لهذه الخطة، وتعددت الروايات. فهناك من يتحدث عن إقالة صادرة عن الوزير مصطفى الخلفي( المنتمي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي ) فيما يتحدث آخرون عن تجاوز الصايل لسن الستين سنة وهو ما يعني مغادرته تلقائيا منصبه الإداري. غير أن هذه الرواية تصطدم بحقيقة أن السيد الصايل تجاوز الستين عاما منذ ست سنوات فهو من مواليد سنة 1948 ولم يشر أحد في المغرب ولو بالإيماء طيلة هذه السنوات إلى إمكانية تعويض الرجل في منصبه لا بسبب حصانة يتمتع بها ولكن بفضل ما حققه نور الدين الصايل للسينما المغربية طيلة إشرافه على المركز السينمائي منذ عشر سنوات تزيد ، فقد كانت السينما المغربية في حال كسينمائنا اليوم تتكئ على تمويل وزارة الثقافة لتنتج أفلاما قليلة يختلف عددها حسب المواسم والمناسبات صعودا ونزولا فإذا بالمغرب اليوم تنتج سنويا 25 فيلما طويلا. أما الأفلام القصيرة فعددها يقارب المائة وهو ما حتم على المهرجان الوطني للفيلم بالمغرب الذي ينتظم سنويا في طنجة أن ينتقي من بين الأشرطة القصيرة أفضلها وهو توجه سيتم اعتماده أيضا بالنسبة للأفلام الطويلة خلال الدورات القادمة. ولئن كان عدد شاشات العرض السينمائي في القاعات التجارية بالمغرب لا يتجاوز حاليا 54 شاشة فإنّ البرنامج الذي وضعه نور الدين الصايل يهدف إلى تطوير عددها إلى 300 شاشة خلال سنوات الخمس القادمة. كما نجح نور الدين الصايل في استقطاب الأفلام العالمية للتصوير بالمملكة وهو مجال يحقق عائدات سنوية تناهز 400 مليون دولار، وحين أنظر إلى حالنا «يوجعني قلبي» إذ يكاد يمر العام الرابع دون أن يتجاوز عدد الأفلام الأجنبية التي صورت في تونس جزئيا أو كليا عدد أصابع اليد الواحدة . ولا يستمد نور الدين الصايل قيمته من المنصب الذي يشغله بل إن كثيرا من السينمائيين في المغرب وخارج المغرب يعدونه رجل السينما المغربية المعاصرة. فهو مؤسس أول ناد لسينما الهواة في المملكة، وهو مؤسس جمعية نوادي السينما وترأسها طوال عشر سنين (1973 - 1983)، وساهم في «مغربتها»، ومنذ ترؤسه للمركز السينمائي شهدت السينما في بلاده قفزة غير مسبوقة. ونور الدين الصايل أستاذ فلسفة، وروائي ومنتج إذاعي وتلفزيوني وناقد سينمائي ، متفقد عام لمادة الفلسفة منتصف السبعينات من القرن الماضي، عين سنة 1984 مديرا للبرامج في القناة التلفزية المغربية، لكن المقام لم يطل به في منصبه ذاك، وحين شعر بأن البلاد أضحت ضيقة على فكره الحر غادرها سنة 1989 ولم يعد إلاّ بعد رحيل الحسن الثاني وصعود محمد السادس إلى دفة الحكم وإنتهاء حقبة وزير الداخلية المرعب إدريس البصري التي امتدت من سنة 1979 إلى سنة 1999 والذي ارتبط اسمه بسنوات الرصاص التي شهدت اختفاء مئات المعارضين السياسيين لنظام الحسن الثاني. عين نور الدين الصايل مديرا عاما للقناة التلفزية 2M في أفريل 2000، ثم أصبح لاحقا المدير العام للمركز السينمائي المغربي. والصايل هو نائب رئيس المهرجان الدولي للفيلم بمراكش(رئيسه هو الأمير رشيد شقيق الملك محمد السادس) وهو أيضا مؤسس مهرجان السينما الإفريقية بخريبقة. و في إطار مهرجان خريبقة نجح نور الدين الصايل في تكوين التنسيقية الإفريقية لمراكز السينما وفيها سبع دول هي مالي وبوركينا فاسو والنيجر والسينغال والبينين والكوت ديفوار والمغرب، بل إن وزير الثقافة السينغالي «يوسو ندور» طلب من الصايل تشكيل لجنة لتطبيق النموذج المغربي وأقلمته في السينغال، والتقى الصايل بوزير الثقافة الإيفواري في أبيدجان والوزير البوركيني، وطلب منه كلاهما الإشراف على تطبيق التجربة السينمائية المغربية في بلديهما . فما الذي حدث ليطفو على السطح خبر مغادرة نور الدين الصايل للمركز السينمائي المغربي خاصة أنه تبين أن الخبر عار من الصحة؟ الغريب أن باب الترشح لمنصب المدير العام للمركز السينمائي أغلق قبل يومين لكن وزارة الاتصال التي على رأسها وزير إسلامي قامت بالتمديد في آجال الترشح في خطوة غير مسبوقة بالنسبة للمناصب التي تفتح للترشحات(قرابة 1400 خطة في المغرب أما في تونس فقد قامت الدنيا ولم تقعد للعثور على عصفورين نادرين بمواصفات مخصوصة من «الهايكا» وليدة الثورة لقيادة الإذاعة والتلفزة ) وهو ما يعني أن الوزير بنفسه هو من يريد الإطاحة بنور الدين الصايل لا بسبب خلاف شخصي بل لأن استمرار الصايل على رأس المركز السينمائي يهدد خطط حزب العدالة والتنمية الإخواني الذي يدير شؤون المغرب منذ جانفي 2012 بقيادة عبد الإله بن كيران. ذلك أن نور الدين الصايل الذي يصفه البعض بأنه ناجح في صنع الأعداء نظرا لدفاعه المستميت عن حرية التعبير وتبنيه لسينما مغربية جريئة بعيدا عن الأحكام الأخلاقوية وتوظيف الدين لكتم أنفاس الفنانين والمبدعين. فمن سينتصر في معركة كسر العظم هذه؟ وهل يتمكن نور الدين الصايل من الصمود وتجاوز «مؤامرات» الحزب الحاكم للإطاحة به؟ وما هو موقف مؤسسة «المخزن» (أي الملك ) مما يجري ؟ في إنتظار إتضاح الصورة يتردد أن نور الدين الصايل من أبرز الأسماء المقترحة للجنة تحكيم أيام قرطاج السينمائية في دورتها المنتظرة بقيادة المديرة القديمة الجديدة درة بوشوشة، وكنا أشرنا سابقا إلى «سوء تفاهم» قديم بين بوشوشة والصايل، وإن تأكدت دعوة نورالدين الصايل فهي رسالة ذكية من المديرة العائدة إلى مهرجان قرطاج السينمائي بأنها تمد يديها للجميع دون أي إعتبار لخلافات الماضي وهو ما سيوفر مناخا إيجابيا لإنجاح أيام قرطاج السينمائية ...