بقلم :مصطفى قوبعة منذ أن أطلّ اللواء خليفة حفتر لأول مرة في منتصف شهر فيفري الماضي إلى اليوم لم تسر الأمور في ليبيا على النحو المأمول سواء بالنسبة لشرائح عريضة من الليبيين أو بالنسبة لصنّاع القرار الدولي، من ذلك: فشل المؤتمر الوطني العام في تصحيح مساراته وفقدانه للكثير من مقومات شرعيته سواء بالتمديد في ولايته المنتهية أو بإستقالة عدد من نوابه أو بقرارات العزل الصادرة في حق نواب آخرين. تتالي تصفية المنتسبين إلى المؤسستين النظاميتين العسكرية والأمنية واستهداف أشد المعترضين منهم على سلطة التشكيلات شبه العسكرية المنتشرة في ليبيا الموالية لمرجعياتها السياسية والدينية المختلفة. تكرّر حالات الاعتداء على مقرات البعثات الديبلوماسية وحالات خطف ومحاولات خطف ديبلوماسيين. تحول ليبيا تدريجيا إلى قاعدة خلفية للارهاب بتكاثر المعسكرات الخارجة عن سيطرة الدولة وبإيواء المقاتلين العرب الفارين من المحرقة السورية. ما تسرب من أنباء في الأسابيع الأخيرة عن استضافة ليبيا لعدد من أعضاء التنظيم الدولي للإخوان المسلمين المرحلين من دولة قطر. ما تسرب أيضا من أنباء عن الشروع في تركيز قواعد « للجيش المصري الحرّ» في المنطقة الشرقية لليبيا على الحدود مع مصر. تعقد الأوضاع بأزمة حكومية قائمة منذ 13 مارس الماضي تاريخ إقالة المؤتمر الوطني العام لرئيس الحكومة عليّ زيدان. كل هذه التراكمات أعطت الضوء الأخضر العربي والدولي للواء خليفة حفتر للتدخل في مرحلة أولى على الأقل لضرب معاقل المجموعات الارهابية التكفيرية المنتصبة في ليبيا وفي مقدمتها تنظيم «انصار الشريعة» والمجموعات الموالية له ، مع إبقاء خيار التدخل الخارجي المباشر فرضية ممكنة في المستقبل وفق تطور الأوضاع الداخلية. وإذا كانت الاحداث تتسارع في ليبيا ، فإن العيون تتجه بالتوازي إلى دول الجوار وهي السودان ومصر والتشاد والنيجر والجزائر وتونس . تبدو الحدود الليبية السودانية خارج الحسابات الجيوسياسية خاصة بحكم بعدها عن مناطق التوتر وخلوّها على المدى القصير من مظاهر التسلح المثيرة للريبة. أمّا الحدود مع مصر فقد أقدمت السلطات العسكرية المصرية في إجراء استباقي على اغلاقها بالكامل ، على يقين أن الجيش المصري لن ينتظر إذنا من أية جهة كانت للتدخل المباشر في حال حدوث ما يعتبره تجاوزا للخطوط الحمراء التي وضعها، وعلى منوال السلطات العسكرية المصرية نسجت السلطات العسكرية الجزائرية. أما بالنسبة لحدود ليبيا مع التشاد والنيجر فيبقى الوضع غامضا في ظل غياب معلومات دقيقة حول حجم بقايا كتائب ابناء القذافي الخمسة الذين فروا بعتادهم إلى هذين البلدين وحول حقيقة نواياهم في استثمار محتمل للوضع الداخلي المتفجر، في حين تبقى تونس الحلقة الأضعف في دول الجوار الليبي للاسباب الرئيسية التالية: 1 أهمية الجالية التونسية العاملة في ليبيا وأهمية الجالية الليبية المستقرة في تونس والموزعة بين محسوبين على العقيد معمر القذافي ، وعلى أنصار التيار الثوري المدني وعلى مختلف الجماعات الاسلامية على حدّ سواء. 2 التنامي الملحوظ لأنشطة تهريب السلع والممنوعات والسلاح والأشخاص على الحدود التونسية الليبية. 3 بقاء معبري بن قردان والذهيبة مفتوحين أمام حركة البضائع والأشخاص رغم دقة الوضع. 4 سيطرة قوات قريبة من الاسلاميين على هذين المعبرين. 5 وجود المئات من الشبان التونسيين في ليبيا من أفراد تنظيم « أنصار الشريعة» والمجموعات الجهادية الأخرى الحليفة له فضلا عن الشبان التونسيين الناجين من المحرقة السورية. وفي كل الحالات، فإن الوقائع تثبت مرة أخرى أن ما نفاه سابقا السيد عبد الكريم بلحاج وبعض مساعديه في «حزب الوطن» في منابر إعلامية تونسية من تداول للسلاح غير مألوف وعن وجود معسكرات تدريب في ليبيا وعن ايواء جهاديين تونسيين وعرب مجانب للحقيقة. وإذا كان بيان حركة « النهضة» في خصوص الوضع الليبي مفهوما ومنتظرا ، فإن اللافت للانتباه هو عدم انسجام موقفي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ليتأكد لنا مرة أخرى أن الديبلوماسية التونسية تسير برأسين خاصة أنّ رئيس الجمهورية في مضمون اتصاله برئيس المؤتمر الوطني العام الليبي لم يراع مشاعر شق هام من الشارع الليبي ولم يراع ما تستوجبه مصلحة الديبلوماسيين التونسيين المختطفين في ليبيا كما أنه لم يأخذ بعين الاعتبار تداعيات موقفه المحتملة على سلوك الجالية الليبية الضخمة المقيمة بتونس وغير المنسجمة أصلا، كما كان لافتا للانتباه موقف رئيس حركة « نداء تونس» السيد الباجي قائد السبسي المؤيد ل« الشرعية» على خلاف مواقفه من نفس الشرعية في تونس لمّا نادى في وقت من الأوقات بتفكيك كامل المنظومة المنبثقة عن انتخابات 23 أكتوبر 2011 وكأن بالسيد الباجي قائد السبسي ما يزال يعاني من مخلفات إدارته للملف الليبي أثناء وبعد الحرب على القذافي يوم كان رئيسا للحكومة.