في شهر رمضان المعظم، يعود بنا الحنين والذكريات إلى الماضي القريب أو البعيد وإلى حلاوة السهرات وعذوبة الزمن الجميل الذي اشتقنا إليه والحق يُقال والذي مع الأسف لن يعاد، على مستوى اللعبة الشعبية وعبر التاريخ شهد الشهر العظيم العديد من الأحداث المثيرة والطريفة التي بقيت في البال والتي مازال الجيل السابق جيل الستينيات والسبعينيات يذكرها أحيانا بكثير من الحسرة والاشتياق إليها خاصة تلك التي بقيت إلى الآن عالقة بالأذهان. من هذه الأحداث التاريخية والتي عشناها أو عاشها الجيل السابق نذكّر بنهائي كأس تونس والذي جمع يوم غرة جوان 1985 النادي الإفريقي ونادي حمام الأنف يومها كان يوم سبت الموافق لليوم الثاني عشر من رمضان مباراة الأكابر في المنزه سبقتها مباراة نهائي في الأواسط تفوّق فيها سكك الحديد الصفاقسي على نظيره الإفريقي ثم جاء دور الأكابر تحت قيادة الحكم الدولي الناصر كريّم ومساعديه علي بن ناصر وفتحي العقربي (الذي غير لقبه ببوستة في ما بعد) والحكم الرابع محيي الدين الورتاني ومراقب المباراة المرحوم حسن بن سعيدان. 90 دقيقة لم تكف اللاعبين لتسجيل أيّ هدف ثم حتى في الحصص الإضافية لم تهتز الشباك فيها ولو مرة ووقع الاحتكام إلى ضربات الجزاء، وهنا حصل ما لم يكن في الحسبان ولم يتوقعه أحد: اضطر كل فريق إلى تسديد ما لا يقل عن 8 ضربات جزاء لكي نتعرّف أخيرا على الفائز (حمام الأنف 3 ضربات جزاء مقابل 2) بعد إهدار 11 ضربة جزاء: 6 من جانب لاعبي النادي الإفريقي و5 من جانب لاعبي نادي حمام الأنف وسبب هذا الإخفاق الغريب يعود إلى تألق الحارسين الصحبي السبعي (حمام الأنف) وصلاح الفاسي (النادي الإفريقي). والغريب كذلك في هذا النهائي المجنون هو إخفاق المسدّدين الأربعة الأوائل في الإفريقي والثلاثة الأوائل في حمام الأنف وبقينا ننتظر رابع مسدّد في حمام الأنف لتسجيل أول تصويبة ناجحة (كريم القصري) في اللقاء وبالطبع مع إطالة مدة اللعب تجاوزنا وقت آذان المغرب على الرغم من ذلك بقي الجميع ينتظر ويعيش لحظات تشويق وإثارة غير معتادة إعلان الحكم الناصر كريم عن نهاية اللقاء الماراطوني الذي حضره الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة والوزير الأول آنذاك المرحوم محمد المزالي ووزير الشباب والرياضة محمد كريم وبقي الجميع في المنصة الشرفية حتى عملية تسليم الكأس للفائز.. والناس في ديارهم وأمام شاشة التلفزة «يشقون في الفطر» ويتابعون بشغف تطورات هذه المباراة غير العادية والتي سجلت حضورا مكثفا للجماهير: أكثر من 28٫000 اقتطعوا تذاكرهم وصبروا على العطش والجوع طيلة النهار وطيلة اللقاء والذي صامت فيه الأقدام طيلة ساعتين عن التهديف يالها من أمسية ومن ليلة «حمراء» في بوقرنين بمناسبة احتفال «الهمهاما» بأول كأس لها في عهد الاستقلال في حين نام باب الجديد باكرا بعد خسارة الأكابر والأواسط غير المنتظرة في نفس اليوم.. 29 عاما مرت الآن على هذا الحدث وهذا النهائي الذي لم يسبق له مثيل على مستوى التطورات التي عرفها والنتيجة التي آل إليها بعد «شقان الفطر» وبعد 3 ساعات من العناء والتعب.