قد يصح تشبيه الأعمال الرمضانية بأحداث الحياة ... فثمة أحداث نلفظها كما يُلفظ عقب السيجارة وثمة وقائع نحفظها في مرتبة وسطى بين النسيان والذكرى وهناك تفاصيل نصرّ على إبقائها في الواجهة الأمامية من خزانة الذاكرة ... لذاك غالبا ما يكون موقف المتفرج تجاه أطباق مائدة شاشته إما الاستهجان فطلاق بالثلاث وإما الاستحسان فحفظ عن ظهر قلب في شغاف القلب . وبالرغم من سقوط جلّ أطباق الكوميديا في رمضان هذا العام إما في التكرار والاجترار أوالسباحة ضد التيار, فإن سلسلة «نسيبتي العزيزة» التي تعرض على قناة «نسمة» نجحت إلى حد ما في الاختبار , فحجزت لها مكانا في البيوت وموضعا في القلوب ...طيلة أربعة مواسم على التوالي ! صحيح أن كل عمل فني لا يخلومن «هنات» ولا يمكنه بأي حال الارتقاء إلى مرتبة الكمال والمثال وإلا انتفت دواعي الإبداع ,فإن «نسيبتي العزيزة» وفقت إلى حد كبير في حيازة إعجاب الكبار وحب الصغار ...وربما تكمن وصفة النجاح في توفر سيناريو طريف وذكي وسلسل ينزل بردا وسلاما على الفؤاد فلا يسبّب مشاكل سوء هضم ! وربما تتمثل نقطة قوة هذه السلسلة في الوفاء للبيئة التونسية في أصالتها وعمقها بكل تناقضاتها وأبعادها وتشعبها ... فيشعر المشاهد أن العمل يشبهه وفيه شيء منه ولا يتحدث عن زمان غير زمانه ومكان غير مكانه ... ثم إنها الكوميديا الهادفة التي صنعت «نجومية » سلسلة «نسيبتي العزيزة» حيث طعمت هزلها بغمزات من النقد وأضافت إلى سخريتها جرعات من اللذع تنتقد السياسة والثقافة والاقتصاد والأحزاب والجمعيات والإرهاب ... بعيدا عن التهريج والإسفاف والعزف على أوتار الابتذال ...إنه ببساطة الابتكار بين الهزل والجد . وليس الإبداع بغريب عن شخصيات العمل وقد أتت من الباب الكبير :المسرح ! لهذا حضر الانسجام بين النص المنطوق وإيماء الجسد وظهر التناغم بين شكل الأزياء وتركيبة الشخصيات وبرز الإبداع في الأداء ... ويبقى السؤال أي سر في هذه «الطقطوقة» يمنحها عمر فوق عمرها وهامشا إضافيا من الاستمرار...لكن الأهم هو التساؤل لماذا هي شحيحة قريحة مبدعي هذا الوطن حتى تبقى الأعمال المتميزة تعد ّعلى الأصابع على غرار «الخطاب على الباب» و«شوفلي حل» ... فهل من حل ؟