*محمد بوغلاب على محمد الجبالي أن يتأنى قليلا إن أخبره أحد المتطوعين – وهم كثرة والحمد لله- بأني وصفته ب"الطرزان" ، فلا يرد الفعل سريعا ويفعل مثلما فعل ذلك الشاب الغر الذي ذهب في ظنه أنه هو"الفاتق الناطق" في مهرجان قرطاج وبأن حضرته هو الذي يمنح هذا ويمنع عن ذاك وتخيل أنه بكذبه وتزلفه سيتقرب إلى أسياده وغاب عنه أن من يتقرب إليها تعرفني وأعرفها حق المعرفة ويعلم كلانا أن للخصومة- إن وجدت أخلاقا لا يمكن القفز عليها ولكن من أين له أن يعرف ذلك وهو لم يكتب مقالا واحدا في حياته يستحق القراءة... فلنعد إلى محمد الجبالي "طرزان" الأغنية التونسية وهو لقب لن ينافسه عليه أحد بعد أن وزعت كل الألقاب فهذا أمير وذاك سلطان وآخر ملك وهلم جرا... أما لقب طرزان فلا أظن أحدا سيطمع في منافسة الجبالي عليه ... وأغلب الظن أنه لو لم يكن محمد الجبالي طرزانا لإنطفأت شمعته سريعا في سهرة الخميس 24جويلية بالمسرح الروماني بقرطاج، فقد شاءت إدارة مهرجان قرطاج أن تضع الجبالي في سهرة واحدة مع كارول سماحة التي تعيش ذروة مجدها خاصة بعد نجاحها في شهر جوان الماضي في مهرجان موازين بالرباط بحضور اكثر من عشرين الف متفرجا، ولا بأس من التذكير بأن مهرجان موازين يعني بالأرقام 120 عرضا فنيا من اربعين دولة من القارات الخمس، ويوفر المهرجان ثلاثة آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة- كم فرصة عمل يوفر مهرجان قرطاج بإستثناء أعوان وزارة الثقافة وموظفيها ؟- وقد تابع حفلات دورة 2014 أكثر من مليوني ونصف متفرجا وواكبها 477 صحفيا مغربيا و201 صحفيا دوليا ، ومع الأسف لا أحد يعلم هل دعا مهرجان قرطاج في دورته الخمسين صحافيين أجانب أو لا ؟ وكم متفرجا إقتطع تذكرته من خارج تونس ليشاهد "ياني" على سبيل المثال ...لا أحد يعلم لأن مهرجان قرطاج ووزارة الثقافة من فوقه يعملان بالحكمة القديمة" إخدم بالسترة" خوفا من الحسد والعين الحرشة ... غاب محمد الجبالي عن مهرجان يعرفه جيدا منذ سنتين كما عرفت نجومية الجبالي إنتكاسة في السنوات الأخيرة لعدة أسباب لا يتسع المجال لذكرها، ولكنه قاتل من أجل فرصته فجرب مهاراته في عرض وان ما نشو" بلدي الثاني" غير أن بعض الأقلام إفترسته بلا شفقة أو رحمة ونهشه كثير من ابطال الفيسبوك ولاموه على عدم ثباته على لون واحد ... وذكرتني هذه التقييمات بالمواقف ذاتها نحو أحمد نجيب الشابي الذي يتهم غالبا بعدم الثبات على رأي واحد والحال أن العالم متحرك ومتغير ... لم يكن أمام محمد الجبالي سوى القبول بالغناء في بداية السهرة مساء الخميس 24جويلية ليفسح المجال للنجمة كارول سماحة، لم يكن أمام الجبالي متسع من الوقت، هي ساعة يتيمة عليه ان يثبت خلالها للحاضرين وجزء منهم جاء للاستماع إليه هو لا إلى كارول أنه مازال ذلك الصوت الذي اشاد به وديع الصافي على مسرح قرطاج ، وذلك الشاب الذي آمنت به الراحلة رتيبة حفني وبرمجته كذا مرة في دار الأوبرا المصرية ...كان على محمد الجبالي أن يبرهن خلال ستين دقيقة على أن تاريخه ثري وحاضره ناصع البياض ومستقبله مشرق ...كل ذلك في ساعة واحدة، قبل أن تحل" الملكة" ... لم يكن أمام محمد الجبالي سوى أن يتقمص الشخصية الخيالية لبطل قصص الأطفال طرزان ليقفز من شجرة إلى أخرى ومن جبل إلى مرتفع آخر أو منخفض...أن يقوم بأفعال خارقة كثيرة في أقصر وقت ممكن ... غنى محمد الجبالي جديده بكثير من الثقة والتحكم في حباله الصوتية وفي تحركه على الركح وإن كان شديد التركيز على الجانب الأيسر من المسرح ...لنكتشف في القسم الثاني من السهرة الذي إنطلق في منتصف الليل أن الجبالي أحسن صنعا بتركيزه على جمهوره"اليساري" لأن الجانب الأيمن من المسرح كان متوثبا للتفاعل مع اللبنانية اكثر من إبن البلد ... كان محمد الجبالي يشعر بضغط الوقت فلجأ إلى تقنية الكوكتال ليغني شذرات من "نظرة عينيك" و"باهي" و"انا نحب" و"محبوبي خايف تنساني" و" آش السر إلي فيك" ، رافقته في جولته السريعة فرقة ضمت 23عازفا من بينهم ستة عازفي إيقاع وثلاث عازفين على آلات نفخ فضلا عن ستة منشدي كورال ...كان محمد الجبالي يدرك ان المجال لا يتسع للغناء الطربي والسلطنة، كان عليه ان يرد على من صنفوه "سنيدا" لكارول سماحة وبأن يبرهن على أنه قادر على أن يكون النجم الأول في حضرتها أو غيابها ... عاد الجبالي مرة اخرى إلى جديده"إسمك محلاه" من كلماته وألحانه، ليمر إلى كوكتال ثان ضم نجاحاته السابقة"خليني بجنبك، يا حنين، إنت الكل في الكل، يا قمر، يزيني ..." ليفتح نافذة على ماضي الأغنية التونسية من خلال" مازالت العيشة تغلى" لمحمد الجراري حين أنهى محمد الجبالي هذه الأغنية"الطريفة" رن جرس الهاتف وذهب في ظن البعض أنها إشارة إنتهاء الفقرة المخصصة لمحمد الجبالي خاصة بعد مغادرة عناصر الفرقة لمواقعهم .. المفاجأة أن محمد الجبالي نزع بزته وغير من جلدته ليصبح ممثلا من خلال تقديمه لمقاطع من مسرحيته المثيرة للجدل"بلدي الثاني" ... غنى محمد الجبالي بأكثر من لغة، رقص وتمايل وقفز ....كان طرزانا على المسرح في زمن بات فيه الفنان التونسي غريبا في بلده وإن لم تكن طرزانا فمصيرك الفناء في بلد "ما يضوي كان على البراني" ...نجح محمد الجبالي في إضحاك الحاضرين ودفعهم إلى التفاعل معهم إيجابا ...إفتك منهم التصفيق إفتكاكا وأخضعهم إلى مشيئته ....كان يتحرك بإندفاع كبير وكأنه يخوض إختبار عمره . وحتى نكون منصفين علينا أن نعترف لمحمد الجبالي بأنه نجح في سهرة الخميس وبأنه برهن لأصحاب القرار الفني أنه لم يمت وبأنه مازال قادرا على تأثيث سهرات بمفرده ، وما قدمه الجبالي يعني العديد من الفنانين التونسيين الذين أدارت المهرجانات الكبرى ظهورها إليهم، فأين صلاح مصباح وأين الشاذلي الحاجي وأين بلغيث الصيادي وأين كمال رؤوف وأين محسن الرايس وأين منية البجاوي ؟ هل علينا أن ننتظر "مصيبة" –لا قدر الله-لنتذكرهم ؟ كان على محمد الجبالي أن يكون طرزانا ليقفز بين أغنياته القديمة والجديدة ويقدم أكبر عدد منها في ساعة لا غير ، ليقولها بصوت عال أنا موجود لم أمت ومازلت قادرا على أن اكون حارسا صامدا للاغنية التونسية يذود عن شباكها من الاختراق المتواصل لاغاني "الكفتاجي الشرقية" ...ولن يكون الجبالي وحده في هذه المهمة بل يتقاسم معه هذا الدور نخبة من الاصوات المحترمة في تونس. نرجو أن تكون الرسالة قد وصلت الى وزير الثقافة المدير السابق لمهرجان قرطاج والى سنيا مبارك المديرة الحالية للمهرجان ...لكن من المهم أن تصل الرسالة في وقتها لأن وزراءنا يصبحون أطيب خلق الله حين تنزع عنهم امتيازات الوزارة والمسؤولية...