(كمال الشارني): تعيش مدينة الكاف حالة غضب شديد في صفوف أهاليها بسبب تعطل مشروعي الطريق الحزامية والمدخل الجنوبي الشرقي للمدينة اللذين تحولا منذ قرابة عام إلى محنة حقيقية. فيكفي أن يمر رتل شاحنات جزائرية تحمل الاسمنت، كي تغرق المنطقة كلها في «عجاجة من الغبار» وتنخفض فيها الرؤية إلى أقل من عشرة أمتار، وتنسد فيها الأنفاس ويغرق المارة وسكان المحلات والبيوت المجاورة في الأتربة، وحتى الأشجار تحول لونها إلى الرمادي، وما يغضب الناس في الكاف هو أن هذا الوضع مستمر منذ عشرة أشهر في انتظار الأسوأ: موسم الأمطار والأوحال. وقد بلغ الغضب بأهل المدينة مداه يوم الأربعاء الماضي مما جعل بعضهم وخصوصا سكان وأصحاب المحلات التجارية الواقعة على الطريق الوطنية رقم 5 يخرجون للاحتجاج وإغلاق الطريق بعد أن تحولت حياتهم اليومية إلى جحيم وسط الغبار الكثيف الذي تسرب إلى أدق الأماكن وآخرها غرف بيوتهم. وقال ممثلون عن السكان وعن أصحاب سيارات الأجرة الحضرية والنقل الجماعي إنه من الأفضل إغلاق الطريق طالما عجزت الدولة والسلط المحلية عن إيجاد حل لها وإتمام الأشغال. ويصاب مستعملو الطريق الوطنية رقم 5 بالغليان كلما تذكروا أن الطريق تحولت إلى عقدة الشمال الغربي منذ عام 2008 بتحول الطريق القديمة إلى منحدر ترابي مخيف، على مسافة أكثر من كيلومترين حتى ما بعد الثكنة العسكرية، وذلك منذ مدة تقارب العام، حيث تعطلت الأشغال فجأة وتضاربت الآراء حول الأسباب. ويتذكر سكان المدينة أن الطريق في السابق على ترديها، لم تكن سيئة تماما، وكانت تمثل شريان الحياة في الجهة لأنها تجنب محنة المرور عبر الطريق الوحيدة التي تشق مدينة الكاف وتعاني من الاكتظاظ الخانق. ومنذ أعوام طويلة، اشتكى مواطنون كثيرون من ضيق ورداءة الطريق الحزامية حول مدينة الكاف، وهي جزء من الطريق الوطنية رقم 5، وبسبب ضيقها وارتفاع حاشية المعبد عن الأرض، فقد شهدت حوادث قاتلة مروعة، لعل أشهرها حادث المرور الذي أودى بحياة الفنان الشهير شفيق الحكيمي في 2009. وتتالت الأفكار والوعود على مدى الأعوام، وظهر من يعد بإصلاح الطريق وتوسعتها في إطار توسعة الطريق الوطنية رقم 5، والتي بدأت منذ 2008 ولم تنته إلى اليوم، بل إن ما تم إنجازه منها قد عاد إلى الاهتراء وظهور الحفر العميقة والخطيرة إلى حد تطلب إصلاح الإصلاح، بسبب فساد في العمل. ورغم مرور أكثر من سبع سنوات، ما تزال الطريق في انتظار إتمام العديد من الأشغال مثل جسر وادي خلاد على مقربة من مدينة تبرسق. أما في مدينة الكاف، فمنذ أعوام طويلة، أصبح العثور على 100 متر متواصلة من الطريق المعبدة دون حفر مستحيلا، وخصوصا المدخل الشرقي للمدينة عبر حي الأنس أو «حروش» كما يحب أهالي المنطقة أن يسموه والذي يشكو سكانه من انقطاع المرور تماما بسبب رفض أصحاب سيارات الأجرة الدخول إليه منذ أن كان مليئا بالحفر، ثم منذ أن تولت شركة المقاولات حفر وجرف ما فيه من معبد في إطار مشروع لإعادة تعبيده منذ تسعة أشهر. لقد تم في المدة الأخيرة تعبيد بعض الطرقات في المدينة، لكن ما تخرب عبر سنين طويلة من الإهمال أكثر من أن يتم إصلاحه في مدة قصيرة أيا كانت العزائم وحسن النوايا، إذ ما تزال طرقات مدينة الكاف تثير القرف، لكن ما جعل عددا من سكان المدينة يغضبون في المدة الأخيرة، هو توقف الأشغال دون أي بوادر لاستئنافها، حتى أصبحوا يتحسرون على الأيام الخوالي عندما كانت لهم طرقات قبل أن تتولى شركة المقاولات حفر الطريق وتركه في وضع أسوأ من وضع الطريق الريفية. على المستوى الرسمي، قال لنا مصدر مطلع في الإدارات الحكومية إن المشروع انطلق في 2013 بتمويل بلغ 10 ملايين دينار، وكان كل شيء يبدو عاديا، على أن تنتهي الأشغال في العام نفسه، إلا أن شركة المقاولات سريعا ما اصطدمت بالأملاك الخاصة على حافتي الطريق، واكتشف الجميع أن المشروع قد انطلق قبل تسوية عمليات الانتزاع للملك الخاص، وكان هذا أحد أسباب تعطل المشروع، إذ تطلب الأمر العودة إلى الولاية وإنشاء لجنة لتسوية مسألة العقارات الخاصة، وهي مشكلة غريبة، إذ يفترض القانون ألا تبدأ الأشغال قبل ضمان العقار، حتى لا تقع المدينة في هذه الورطة التي تحولت إلى محنة. كما «فوجئ» المشرفون على مشروع الطريق الحزامية أنهم لم يحتاطوا لمسألة قنوات الماء، وتم تحطيم أحد أنابيب الصوناد، كما «تبين فجأة» أن عدة أشخاص قد بنوا محلات تجارية فوق الملك العام، وأن الوضع يتطلب التفاوض معهم أيضا، وهكذا ترك الجميع الطريق مفتوحة، في حالة تدعو إلى الأسى والعزاء، حيث يحس الراكب في السيارة أنه يرقص رقصة إسبانية مضنية، أما سواق سيارات الأجرة بكل أنواعها فقد اضطروا لاختراع مسالك سرية بين أحياء الشريشي والأنس وحروش أملا في العثور على قطعة طريق صالحة للاستعمال. يتحدث الجميع عن «حالة الحصار» التي تعيشها المدينة بسبب فساد الطريق الحزامية والمدخل الشرقي، لكن لا شيء في الأفق، سوى الغبار الخانق والذي يحجب الرؤية.