بقلم: جيهان لغماري مع تواصل تقديم الترشحات لمنصب رئاسة الجمهورية وبالتوازي مع «الحركات الإحمائية» للحملات الانتخابية، تطفو على المشهد ملاحظة بارزة قد يكون تأويلها سلبيا للجميع ودليلا على قصور «نوعي» عند السياسيين. طبعا دون ذكر أسماء معينة احتراما للحياد الانتخابي، الجامع بين المتنافسين هو «شخصنة» الترشيح وجعل الشخص هو محور الحملة مقابل «ضمور» في تبليغ برامجه في مختلف المجالات، هذا طبعا إن كان له برنامج أصلا. الكاريزما الشخصية للمرشح وقدرته على الخطابة وحتى حضوره «الجسماني»، كل هذه الصفات لها تأثير على الناخب العادي ومن المفهوم استثمارها لنيل أصوات كثيرة في عَدَّادِ الصندوق، ولكن من غير المعقول أن تُصبح هي المحدّد الوحيد لمحاولة نيل ثقة المواطن لأنّ من شأن الاستغراق في هذا التمشّي السهل، العودة إلى مربع «الأب المنقذ» و«زعيم الأمة» و«القائد الفذ» و«الدكتاتور الوطني» و«المستبد العادل» الذي أعاق كل محاولة جادة ل«دَمَقْرَطَة» البلاد في تهميش واضح لمفهوم دولة المؤسسات. ما حدث من أزمات سياسية متتالية وارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي و«تونسة» الإرهاب، أدّى بالمواطن «العَيّاش» إلى البحث عن صورة تقريبية لزعيم له من السحر ما يحلّ كل مشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية دفعة واحدة!. هذا الارتداد وإن كان مفهوما عند العامة باعتبار أنه لا يمكن التخلص بسهولة من ثقافة التفقير السياسي قبل الثورة، فإنه معاب حين يجاريه السياسيّ دون العمل على تغيير هذه الصورة النمطية بل وتلذّذ الاستغراق في تفاصيلها. كل مجموعة من المواطنين لها الحق في الانتصار لهذا المرشح أو ذاك وما الصندوق إلا إفراز لاختيارات الناس، ولكن «تأليه» مرشّح من جهة، و«تقديس» آخرين لمرشح آخر لا يساهم في الارتقاء بوعي العامة من مفهوم الأب إلى منطق الدولة ومؤسساتها والتي يكون المرشّح مجرد عنصر فيها، يُحاسب سلبا أو إيجابا حسب ما يقدمه من أداء وجهد وبرامج. شعارات خلنا أنها دخلت كهوف التاريخ لعدم مسايرتها لواقع الحرية الذي قدّمته الثورة هدية للتونسيين، استعادت للأسف شعلتها من نوع «بالروح بالدم، نفديك يا فلان!» مع أنّ الوطن هو المفدّى الوحيد لا الشخص مهما تعددت صفاته الإيجابية. ماذا تركنا بهذه الشعارات للانتخابات؟، فالمبدأ الأصلي هو حرية الاختيار بين المرشحين والذي ينجح في الفوز، يجب أن يفهم أنه صعد بأغلبية الأصوات لا كلّها ويعمل على خدمة الجميع في انتصار لمفهوم الدولة على مفهوم الجماعة. لقد أثبتت تجارب البلدان التي قاومت الاستعمار مثلنا أنّ زعماء الاستقلال وإن نجحوا في طرد المستعمر ثم الشروع في بناء الدولة، فإنّ «أنانية» الأب عندهم عطّلت بناء ديمقراطية وطنية جامعة رغم صدق نواياهم وحبهم لأوطانهم، وآثار الخيبات التي تسببوا فيها مازالت إلى اليوم. ويحقّ لنا ونحن على أبواب مرحلة مفصلية للبلاد أن نطالب بتنسيب صفات كل المرشحين وعدم المغالاة في مدحهم أو القدح فيهم ومطالبتهم ببرامج عمليّة بعيدا عن بهرج القداسة أو الشيطنة. إنّ السياسي لا يولد دكتاتورا بالفطرة ولكنّ المحيطين به يصنعون منه ذلك المستبد حتى وإن صعد بالانتخابات، لذلك آن الأوان كي تصبح مؤسسات الدولة فوق كل الأشخاص ويبقى الفيصل بين السياسيين ما يقدمونه لخدمة الشأن العام.