بقلم : أبو غسان أثارت «الهالة» التي أحيطت بها عودة السيد منذر الزنايدي الوزير أكثر من مرة في عهد بن علي إلى تونس الأحد الماضي ضجيجا كبيرا وجدلا واسعا وخاصة الحديث عن الآلاف الذين كانوا في استقباله في المطار وسط أجواء لم تكن أحيانا مختلفة كثيرا عما كان يجري في العهد السابق. وعادت بذلك بعض الأسئلة القديمة لتطرح من جديد حول كيفية التعامل مع المسؤولين القدامى، وخاصة حول الدور الذي يمكن أن يلعبوه في المرحلة المقبلة. فقد رأى البعض في ما جّد الأحد الماضي مسألة عادية لا يجب تهويلها، في حين عبّر آخرون عن «امتعاضهم» من الحجم الذي أخذه هذا «الحدث» معتبرين أن ما حدث لم يكن تلقائيا مائة بالمائة كما يريد البعض الإيهام بذلك وبأنه خطوة مدروسة على علاقة وطيدة بالاستحقاقات الانتخابية التي تستعد لها البلاد . ولكن الأخطر في المسألة كلها أن البعض يقدم ما حدث على أنه حنين لعهد بن علي ولنظام بن علي وليس مجرد تعبير عن الاحترام لسبب أو لآخر لبعض الشخصيات التي عملت معه . ولقد أصبح دارجا اليوم سماع العديد من المواطنين يؤكدون عبر بعض وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي أن «أيام بن علي كانت أفضل مما تعيشه البلاد اليوم» دافعهم في ذلك الأوضاع الصعبة التي أصبحوا يواجهونها بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تتخبط فيها البلاد أو بسبب الأوضاع الأمنية السائدة وخاصة بروز ظاهرة الإرهاب. صحيح أن تونس تجاوزت اليوم مسألة ما أطلق عليها البعض «تحصين الثورة» وتقرر عدم حرمان أي مواطن من حقوقه السياسية ما لم يكن ملاحقا قضائيا، وهو ما سمح للعديد من التشكيلات السياسية المنحدرة من العائلة الدستورية والتجمعية، والشخصيات التي عملت مع النظام السابق بالتقدم لخوض غمار الانتخابات المقبلة. وصحيح أيضا أنه ليس بإمكان أحد أن يحكم تونس في المستقبل كما حكمها النظام السابق. ولكن الشعب التونسي ينتظر من بعض المسؤولين الذين كانوا جزءا من منظومة الحكم السابق، القيام بعمليات مراجعة ونقد ذاتي والاعتذار إن لزم الأمر حتى وإن لم تكن لهم مسؤولية شخصية مباشرة في الظلم والتعسف والضيم الذي لحق العديد من أفراد الشعب التونسي. وأنه سيظل دوما في حاجة إلى فهم ما جرى طيلة عقود من الزمن وتحديد مسؤولية كل طرف عن ذلك. إن ما يجري هذه الأيام خلق في أذهان العديد من التونسيين العاديين والبسطاء الكثير من «التشويش» والحيرة وحتى المخاوف. ولأن البلاد على أبواب غلق مرحلة انتقالية كانت صعبة ومعقدة ولا تزال تحف بها العديد من المخاطر من المهم الاعتراف بأخطاء الماضي بكل شجاعة ومسؤولية ووضوح للاتعاظ منها وضمان عدم تكرارها. وهذا يجعل من النقد الذاتي والاعتراف بالأخطاء مسألة أساسية خاصة بالنسبة لأولئك الذين عادوا إلى ساحة الأحداث وإلى الصفوف الأولى ويتطلعون للعب دور ما في المستقبل .