بقلم: جيهان لغماري مع تسارع وتيرة المضي إلى الانتخابات، وكثرة «الخُطّاَب على الباب» سواء لباردو أو القصبة أو قرطاج، بدأ الخِطَاب السياسي في عمليات الطَّرْح والجمع في انتظار نتائج يوم الحساب. الجامعُ بين كلّ «الخُطَّاب» وخِطاباتهم هو معسول الكلام واللغة الرّومنسية وتبنّي روح التسامح والأخوّة والمواطنة حتى خلنا أنفسنا أمام شعراء عُذْريين وبراءة الأطفال في أعينهم! ظاهر التصريحات جيّد في أهدافه الجامعة لكل التونسيين على اختلاف توجهاتهم السياسية ولكنّ باطنه، بعيدا عن «كاميرا» الملعب السياسي، يشي ب«شراسة» تكتيكية تتناقض والرومنسية البارزة في الصورة. إنه الخوف من نتائج التشريعية بالأساس وارتهان تكوين حكومة سياسية قوية بها وخاصة سبل استثمارها لمعرفة التكتيك المستوجَب اتباعه في امتحان الرئاسية. هذا الخوف يؤكّد ما قلناه سابقا أنّ المشهد السياسي الجديد مخاتل وعصيّ على التوقّع والتأويل وحتى استطلاعات الرأي السابقة لا يمكن أن تكون مرجعا وأساسا لبناء تصوّر موضوعي لما قد يصبح عليه المشهد بعد الانتخابات. وحدها هذه الأخيرة ستكشف عن موازين القوى الحزبية وحتى المستقلة. والخوف هنا ليس حكرا على ما يُسمى الأحزاب الكبرى (فنتائج الانتخابات هي التي ستحدّد التصنيف الجديد لكل طرف)، بل يشمل الأحزاب الأخرى التي ترى أنها «ضرورة» لا غنى عنها، كالملح في الطعام، لكل فائز محتمل في تشكيل حكومة ائتلافية، لذلك بقي خِطابها موزونا وأيديها ممدودة لكل الفرقاء في محاولة لتفادي أيّ صدام مع «الأخت الكبرى» لعلّ النتائج تسمح لها بالمناورة وفرض شروطها لاحقا حتى تقبل بأن تكون طرفا ولو أقلّيا في ائتلاف حكومي، تعمل من خلاله على فهم سير دواليب الدولة وتعتبره فرصة جدية للتعريف بها وتوسيع قاعدتها الشعبية لقادم المواعيد. هذه الأهداف مشروعة ما بقيت وسائل الوصول إليها أيضا مشروعة وبعيدة عن شعبوية الخطاب وخاصة بقدر تجنّبها أن تتحوّل إلى أداة للمناولة السياسية تستعملها الأحزاب الكبرى كذراع لضرب أحد الخصوم دون أن تكون في الصورة!. أمّا خوف الأحزاب «الكبرى» أو بعضها، فهو من نوع آخر لارتباطه الوثيق بالأهداف التي رسمتها حسب تشخيصها لقوّتها والتي لا تخرج عن طلب الحُكْم بالصندوق أو المشاركة فيه كطرف رئيسي لا كعنصر «مُكَمِّل» يرضى بفُتات المناصب. هذا الخوف، وهذه من المفارقات العجيبة، لا يكمن في عدم الفوز بل في الفوز نفسه!. نعم هو الخوف من الحصول على المرتبة الأولى. على غرابتها، المسألة مفهومة، الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية تُرْهِب كل فائز مهما كانت نسبته، فكيف الحال إذا كانت النسبة لا تسمح بتكوين حكومة قوية تتجاوز حاجز الخمسين زائد واحد؟. الحلّ هو تكوين ائتلاف حكومي وبالتالي برلماني لتجنب أي إسقاط سريع لحكومة لا تتجاوز هذا الحاجز. قد يعمد الفائز بنسبة متوسطة لا إلى مغازلة الأحزاب التي حصلت على نسب محترمة، بل إلى فرض «الزواج» بالقبول أو الإكراه على الفائز الثاني. فجَمْعُ النسبتيْن كاف لِلَجْم مناورات الأطراف «المُكَمِّلَة» من جهة، والتخلص من إمكانية تشكّل معارضة قوية في البرلمان قد يقودها صاحب المرتبة الثانية من جهة أخرى. بهذه الفرضيات، يصبح الفائز الثاني هو المحدد الرئيسي للمشهد السياسي ما بعد الانتخابات، إمّا القبول به طرفا رئيسيا في الحُكم أو تشكيله لمعارضة قوية للحكومة الضعيفة مما يُقلّل من فرص الاستقرار المنشود. خِطابُ «الخُطَّاب» الرومنسي، صورة أخرى لشراسة العمل على التموقع البارز العاجل ويا ..حْنَيِّنْ!.